07-مارس-2025
الخطة المصرية المطروحة كبديل لقنبلة التهجير التي فجرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب (AFP)

الخطة المصرية المطروحة كبديل لقنبلة التهجير التي فجرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب (AFP)

أٌسدل الستار على القمة العربية (الطارئة كما وُصفت) التي احتضنتها القاهرة، الثلاثاء 4 آذار/مارس الحالي، للتباحث حول الوضع في غزة ومناقشة الخطة المصرية المطروحة كبديل لقنبلة التهجير التي فجرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب كانون الثاني/يناير الماضي، والتي حشرت القرار العربي في حجر زاوية ضيق.

وجاء انعقاد تلك القمة بعد نحو أسبوعين تقريبًا من تلك القمة المصغرة التي احتضنتها السعودية، الجمعة 21 شباط/فبراير الماضي، والتي شاركت فيها 6 دول فقط (مصر والأردن إلى جانب دول مجلس التعاون باستثناء سلطنة عُمان) من بين 22 دولة عربية، والتي خرجت دون أي نتائج ملموسة ولا حتى بيان ختامي.

وانتهت قمة القاهرة بتبني الخطة المصرية المقدمة لإعادة إعمار غزة، وهي الخطة الأكثر جهوزية بين 4 خطط عربية تم طرحها على موائد النقاش، استعدادًا لتقديمها للمجتمع الدولي، وإدارة ترامب تحديدًا، كونها المقترح العربي البديل لمقترح التهجير المطروح سابقا، ليصبح المشهد حاليًا محصورًا بين خطتين، أميركية وعربية.

من النظرة الأولى للخطة المصرية المقدمة نجد أن الجانب المتعلق بإعادة إعمار غزة استحوذ على نصيب الأسد منها، فيما جاء الشق السياسي مقتضبًا للغاية (3 صفحات فقط من إجمالي 91 صفحة)

وبعد ساعات قليلة من إلقاء البيان الختامي للقمة، جاء الرد الأميركي الإسرائيلي أسرع من المتوقع، حيث الرفض القاطع للخطة المقدمة ومخرجات القمة في مجملها، متمترسًا خلف قائمة مطولة من المزاعم والادعاءات الكاذبة، مع إعادة التشديد مرة أخرى على العودة لمقترح ترامب وإجبار سكان غزة على التهجير وتدويل القطاع وإعادة هندسته على الطريقة الأمريكية وبحسب المقاس الإسرائيلي.

من النظرة الأولى للخطة المصرية المقدمة نجد أن الجانب المتعلق بإعادة إعمار غزة استحوذ على نصيب الأسد منها، فيما جاء الشق السياسي مقتضبًا للغاية (3 صفحات فقط من إجمالي 91 صفحة)، مما تسبب في إغفال الكثير من النقاط والمسائل الجدلية، التي كانت بحاجة إلى حسم جازم لغلق الباب أمام كافة التكهنات الأخرى.

انقسام عربي مُعتاد

بالعودة للخلف قليلًا، حين بدأ التفكير في إعداد مقترح عربي بديل لمخطط تهجير ترامب، جرت في الرياض قمة مصغرة لمناقشة هذا الأمر، شاركت فيها كل من السعودية والإمارات وقطر والكويت، بجانب مصر والأردن، فيما غاب عنها بقية الدول العربية الـ 18، وهو ما اعتبره بعض زعماء العرب احتكارًا مُتحفظ عليه، فكان قرار الغياب عن قمة القاهرة والاكتفاء بإرسال وزراء الخارجية، كما فعل قادة الجزائر وتونس والمغرب.

كما يعكس غياب قادة كل من السعودية والإمارات حجم الانقسام العربي بشأن الخطة المصرية، خاصة المسألة المتعلقة بمستقبل حماس، حيث يطالب البلدان باستبعادها وقادتها بل والمقاومة بشتى فصائلها من المشهد، وتجريدها جميعها من قدراتها التسليحية وتدمير بنيتها القتالية، وهو القرار المنبثق من خلافات سياسية مع الحركة أكثر منه مراعاة للصالح الفلسطيني ومستقبل القضية الفلسطينية.

وفي تلك الأجواء الملبدة وغير المُريحة، وفي ظل هذا الانقسام البيًن، وغياب قرابة ثلث القادة العرب عن القمة الأكثر أهمية في توقيت غاية في الخطورة والحساسية، وفي مواجهة تحديات خطيرة ربما تجعل من هذا اللقاء العربي الفرصة الأخيرة للحفاظ على موضع قدم في مستقبل المنطقة، جاءت قمة القاهرة بمخرجاتها المعلنة.

إغفال الوضع الراهن في غزة

تجاهلت القمة والخطة المطروحة الوضع الراهن في غزة، مكتفية بشجب وإدانة غلق الاحتلال للمعابر وفرض حصار مطبق على الغزيين في القطاع، والمطالبة بالسماح بدخول المساعدات، وهي المطالب ذاتها المرفوعة منذ الثامن من تشرين أول / أكتوبر 2023 ولم يُسمع لها حتى اليوم.

ورغم أن القمة في بيانها الختامي شددت على رفض استخدام إسرائيل الحصار وتجويع المدنيين كسلاح لمحاولة تحقيق أغراض سياسية، وضرورة التزامها بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، إلا أنها لم تتخذ أي إجراءات عملية في هذا الشأن، مثل تبني مبادرات عربية لكسر هذا الحصار وتحميل الكيان المحتل المسؤولية أمام المجتمع الدولي.

بطبيعة الحال فإن الخطة المطروحة بحاجة إلى وقت للدراسة وجولات ممتدة بين القبول والرفض والتعديلات بين العرب والمفاوض الأميركي الإسرائيلي، قد تستغرق شهورًا كاملة، ليبقى السؤال: ماذا عن الأوضاع المعيشية والإنسانية داخل القطاع حتى دخول تلك الخطة – حال النجاح في ذلك- حيز التنفيذ؟ ماذا ينتظر العرب أمام الانتهاكات التي تمارسها قوات الاحتلال بحق المدنيين في غزة؟ ثم السؤال الأكثر حرجًا: ما هي بدائل العرب إذا ما رٌفضت الخطة من جذورها وعاودت إسرائيل الحرب مرة أخرى؟ كل تلك الأسئلة تجاهلتها القمة والخطة المطروحة وكان يجب أن توضع على رأس قائمة الأولويات.

إدارة القطاع.. لغم قابل للانفجار

تضمنت الخطة المصرية رؤيتها لمسألة إدارة قطاع غزة، وذلك من خلال "إنشاء لجنة إدارية تعمل على إدارة قطاع غزة لمدة 6 أشهر تحت مظلة الحكومة الفلسطينية، على أن تكون مستقلة وتتألف من شخصيات تكنوقراطية، تمهيدًا لتسلمها إدارة القطاع بالكامل بقرار فلسطيني".. وهنا عدة تساؤلات لم يٌجب المقترح عليها:
أولًا: من الجهة التي ستختار اللجنة التي ستدير القطاع؟

ثانيًا: من الجهة التي ستٌشرف على تلك اللجنة وتحدد مهامها وتقيم أدائها إيجابًا وسلبًا، ومن ثم المكافأة أو العقوبة؟

ثالثًا: هل سيكون لإسرائيل أو للولايات المتحدة دور في تلك الاختيارات أو عملية الإشراف والمتابعة؟

إلى جانب تلك التساؤلات، هناك معضلة قد تتسبب في أزمة داخلية كفيلة بإحداث الوقيعة من جانب والتماهي مع الرؤية الإسرائيلية من جانب آخر، ولا بد من وضعها مجددًا تحت مجهر الدراسة والتقييم، تلك المتعلقة بالمخاوف الخاصة من تكريس وتعزيز الفصل بين قطاع غزة والضفة، عبر سلطتين مختلفتين، الأولى في القطاع وهي اللجنة المزمع تدشينها بامتيازاتها الخاصة، والثانية في الضفة وهي السلطة الفلسطينية الراهنة بقيادة أبو مازن، وهو ما يتعارض مع التوجه العربي الرامي لتوحيد التراب الفلسطيني تحت مظلة واحدة وسلطة حكم مشتركة.

الاستعانة بقوات دولية.. مخاوف التدويل تتصاعد

حوت الخطة، في سياق توفير الأمن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، على طرح مقترح يسمح بالتواجد الدولي داخل الأراضي الفلسطينية، الضفة وغزة، من خلال إصدار قرار بنشر قوات حماية/حفظ سلام دولية بمرجعيات واضحة، وعلى أن يتم ذلك في سياق متكامل بجدول زمني لإقامة الدولة الفلسطينية وبناء قدراتها.

وتعد فكرة تواجد قوات دولية، تحت أي مسمى، داخل قطاع غزة من المقترحات التي تمثل خطًا أحمر بالنسبة للمقاومة التي رفضت أكثر من مرة مثل تلك الأطروحات، مشترطة للسماح بذلك الحصول على موافقتها أولًا، وبحسب الجنسيات والمهام الموكلة لتلك القوات في حدود ضيقة، وبما لا يأتي بنتائج عكسية على القضية الفلسطينية ومسار التحرر.

وعلى مدار سنوات طويلة وتشكل مسألة التواجد الأجنبي في غزة معضلة تستثير القلق وتصعد من المخاوف إزاء المخططات والأجندات الخارجية التي تستهدف القطاع والقضية الفلسطينية بأكملها، هذا بخلاف هواجس التدويل التي تطل برأسها بين الحين والآخر، خاصة إذا ما كان هناك تواجد أميركي ضمن تلك القوات، وهي المسألة التي لم تحسمها الخطة المقدمة، والتي كانت بحاجة إلى مزيد من التفاصيل حول هوية وجنسيات تلك القوات.

أزمة التمويل

أفردت الخطة الجزء الأكبر منها للحديث عن إعادة الإعمار، حيث قدمت رؤية شبه متكاملة، مستعينة فيها بالعديد من الدراسات الأكاديمية والبحثية، مقدرة كلفة إعادة الإعمار في مجمله بـ 53 مليار دولار، مقسمة على مرحلتين، الأولى تتعلق بالتعافي والتي تشمل إزالة الألغام والمواد المتفجرة وتوفير سكن مؤقت والبدء في ترميم المباني المتضررة جزئيًا وتبلغ احتياجات تقدر بنحو 3 مليار دولار.

أما المرحلة الثانية فمقسمة إلى قسمين، الأول يتضمن إنشاء أعمال المرافق والشبكات وتمتد حتى 2027 ويبلغ تمويلها 20 مليار دولار، أما الثانية فتشمل إنشاء مناطق صناعية وميناء صيد وميناء بحري ومطار، وتمتد حتى 2030 وتحتاج لنحو 30 مليار دولار، وعن التمويل فقد اقترحت الخطة "إنشاء صندوق ائتماني تحت إشراف دولي كآلية تمويلية يتم توجيه التعهدات المالية إليه، لإدارتها بما يضمن كفاء واستدامة تمويل خطة التعافي المبكر وإعادة الإعمار، والشفافية والرقابة اللازمة على أوجه إنفاق الموارد المالية التي سيتم توفيرها".

وهنا تساؤل لم يُحسم بعد: من الذي سيمول إعادة الإعمار؟ ومن الجهة التي ستشرف على تلك المشروعات؟ وهل الجهات الممولة سيكون لها الحق في المتابعة والاعتراض والتقييم أم سيتوقف دورها عند الدعم وفقط؟ وماذا لو تعارضت مطالب الممول مع بنود الخطة المفصلة؟

حتى لحظة كتابة هذه السطور، لا يزال هناك انقسام بين الممولين والقاهرة بشأن بعض القضايا، وعلى رأسها مستقبل حماس وسلاحها. تشترط الإمارات تحديدًا، تليها السعودية إلى حد ما، إقصاء الحركة بالكامل من المشهد وتجريدها من سلاحها بشكل كامل، مع ضمان عدم وجودها مستقبلًا في غزة، كشرط أساسي لتمويل الخطة. ومع ذلك، لم تُحسم هذه المعضلة بعد، وهي كفيلة وحدها بنسف المقترح من جذوره، ولعل هذا هو السبب الأبرز وراء امتناع رئيس الإمارات عن المشاركة في القمة.

ولعل إغفال الخطة المصرية لتلك المسألة نوع من الذكاء الدبلوماسي الذي يخدم القضية برمتها، إذ أن الاشتباك مع محددات المقاومة مغامرة غير محسوبة العواقب في هذه المرحلة، غير أن هذا الذكاء ربما ينقلب سلبًا إذا ما تصدت له بعض العواصم الراغبة في الإطاحة بحماس من الخارطة الفلسطينية للأبد، ووأد أي احتمالات لعودتها ولو بعد حين، وعليه فلن يكون هناك تمويل قبل تحقيق هذا الشرط (الحلم).

هنا تساؤل لم يُحسم بعد: من الذي سيمول إعادة الإعمار؟ ومن الجهة التي ستشرف على تلك المشروعات؟ وهل الجهات الممولة سيكون لها الحق في المتابعة والاعتراض والتقييم أم سيتوقف دورها عند الدعم وفقط؟ وماذا لو تعارضت مطالب الممول مع بنود الخطة المفصلة؟

غياب آليات التنفيذ

تضمن البيان الختامي للقمة العربية 23 قرارًا، فيما جاءت الخطة المصرية في 91 صحفة كاملة، حوت على العشرات من الإجراءات والممارسات والتحركات، لكن دون آليات تنفيذ واضحة، قرارات دون خطط تنفيذ، ليُلقي العرب بالكرة في ملعب المجتمع الدولي والولايات المتحدة لتنفيذ تلك الخطة.

أما على الجانب الدبلوماسي الخاص بجهود إقناع المجتمع الدولي بالخطة وضرورة تنفيذها، فأوكلت تلك المهمة لأمين عام الجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، وهو الرجل الذي عليه الكثير من التحفظات بسبب تصريحاته المثيرة للجدل والتي تتماهى مع الرؤية الإسرائيلية، آخرها تصريح له الأربعاء، الخامس من الشهر الجاري، والذي حمل فيه المقاومة مسؤولية الوضع الراهن، وأن الدمار الحالي الذي يشهده القطاع بسبب عملية طوفان الأقصى، مطالبًا بالسعي للسلام مع "إسرائيل" وليس المواجهة المسلحة.

وكان يتمنى البعض أن تُشكل لجنة دبلوماسية عربية مٌعتبرة تضم تحت لوائها بعض الدول مثل الجزائر وتونس والعراق وسوريا ولبنان ومصر، إلى جانب دول الخليج، لتقوم بهذا الدور المهم، بدلًا من إلقاء الكرة في ملعب أبو الغيط، الحاضر الغائب على مدار 9 سنوات كاملة قضاها على كرسي الأمين العام.

على كل حال، فالخطة المقدمة ليست نهائية، ومن المرجح أن تخضع لأشواط طويلة وجولات مفاوضات مكوكية هنا وهناك، يمكن خلالها وضع الرتوش الأخيرة وسد الثغرات التي في مقدمتها الانقسام العربي الفاضح، الذي يتطلب التحرك العاجل في ظل هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر به المنطقة العربية، والذي يضعها أمام ثنائية لا ثالث لها، إما أن يكون للعرب كلمتهم ودورهم فيستعيدوا ولو جزء قليل من ثقلهم المتراجع، أو في غضون سنوات معدودة سيكونون خارج المشهد في مواجهة لعبة الكراسي الموسيقية التي لن يفوز فيها إلا الأقوياء.