08-يناير-2025
غرافيتي لـ أبو مالك الشامي

غرافيتي لـ أبو مالك الشامي

لا مجال لغض البصر وحتى النظر، عن تكنولوجية الدولة، التي تشكل آلية إدارة المجتمعات، التي تشتغل بقوة رجال الدولة، المستحوذون على مكانتهم من موافقة (قسرًا أو رضاءً) هؤلاء المنتظرين لخدمات الدولة ويمولونها من الضرائب، كي تقوم على تنظيم مصالحهم بقسطاس الدستور المتوفر، فتعمل الدولة كماكينة طرشاء وربما عمياء، بقوة هؤلاء الرجالات/ النساءات، الذين يدعون قماشة بشرية خاصة، تبادر وتعمل في خدمة مصلحة الجماعة البشرية التي تديرها، وفي هذا الجزء من تكنولوجيات الحوكمة، يقع بيت القصيد، فهولاء القادة ليسوا ملائكة، ويجب ضبط أفعالهم ونزعاتهم وأهوائهم، عبر مواجهتم بمسؤولياتهم ووعودهم وعهودهم، كشرط من شروط استمرار عمل الماكينة الدولة، وإلا سيعود الوطن إلى مجرد بلاد أو ديار، تسهل هزيمته عند أي استحاق دنيوي مهما كان بسيطًا، نستطيع هنا تذكر الكوارث والزلازل والأوبئة على سبيل تصغير المواجهات مع هذه الدنيا، وكمثال فقط.

ربما يبدو هذا الكلام مكررًا، أو معروفًا، بين النخب والمهتمين، لكنه ليس متداولًا بشكل بدهي واستخدامي بين غالبية الجمهور العربي، فالدولة بطبيعتها، تحتاج إلى مولاة ومعارضة حكمًا، لكن العلاقة بينهما، لا تبدو واضحة بين ظهرانينا، أو يمكن القول حتى أنها غير معروفة أو معترفٌ بها، عند هذه العلاقة التفاعلية افتراضًا، نقف جميعًا بصمت الخائف أو حتى المفزوع، وهنا يتفرعن الفرعون، ويطارد الخائن بتهمة عرقلة المسيرة الظافرة، كجزء من سلسلة اتهامات، قد لا يكفيها الإعدام كعقوبة، وبموافقة الجميع بدلالة صمتهم، وبذلك تتوقف ماكينة الدولة عن الإنجاز، لغاية تحقيق النصر على المعارضة، التي هي ضرورة للدولة وعملها ودورها، آخذةً أموال الضرائب من الصامتين لتصرفها على سوء مصيرهم، وهذا فيه خطر داهم، على وجود الدولة نفسها التي يتم تزييفها لتصير مجرد سلطة واحدة غير مستقلة عن السلطات الثلاث، وتنحاز لنفسها في تسخير الموارد لخدمتها في محو المعارضة العدوة، فيدفع الجميع الثمن، الجغرافيا والبشر والموارد، فيصبح كل شيء في سياق  العداوة، التي تنفي حكمًا المعارضة كآلية في ماكينة الدولة.

هل يجب على السوريين التعبير عن آرائهم وانتقاد الحكومة المؤقتة لتحفيز الديمقراطية، أم عليهم التزام الصمت لدعم "المسيرة"، مما قد يؤدي إلى تجميد الدستور وتحويل الدولة إلى مجرد حكومة استبدادية؟

هذا التبسيط الذي قد يبدو مخلًا في شرح مسألة صارت بدهية بين أقوام يتفاعلون مع المعرفة، من أجل تصميم وتشغيل ماكينة الدولة، فلا عداوة بين خصوم السياسة بل خصومة تنافسية تقترح المشاركة (وليس التحاصص) في إدارة المجتمع، فالجماعات المتحضرة، التي أرست التسالم والمساواة كأساس، ليس فيها أعداء لنفسها، ولا تصنعهم كي تدير أزمات تعتبرها هي فن السياسة والإدارة والتربية، بل إن المنافسه هذه تعطي الشرعية للفائز المؤقت، الجاهز دومًا للمحاسبة وتحمل المسؤولية، فالمعارضون ليسوا أعدائه، وليسوا أقل وطنية وشرف ومهارة منه، والمعارضة هي من تعطيه شهادة الجدارة.

اليوم نحن في سوريا جديدة، بسلطات "مؤقتة" جديدة، ترنو الى تأسيس دولة، والدولة بحاجة الى معارضة كي تحدث، والمعارضة هي عكس الصمت وعكس الثرثرة أيضًا، فهل على السوريين أن يبدأوا بالكلام والإفصاح ويتحولوا الى خصوم للحكومة وقادتها المؤقتون "فرضًا"، أم عليهم أن يصمتوا من أجل إنجاح المسيرة ويتحولوا إلى أعداء بنظر الحكومة، مما يجمد الدستور عن معناه، ويعطل ماكينة الدولة بإنقاص مكوناتها، لتتحول "الدولة" إلى مجرد حكومة، لا يردعها شيء عن فعل أي باطل.

الاحترام هو ما يميز الخصومة عن العداوة، والصدق والوفاء بالعهود يميزهما أيضًا، والكرامة البشرية وحق الحياة يميزهما أيضًا، مما يصنع الإرادة ويحررها، ما يؤدي إلى انخراط الطاقات في فعل لولبي مرتقي إلى الأعلى، يحول البلاد إلى وطن، يكون فيه للمرء مصلحة للعيش فيه، ويعمل لأجله، العداوة هي مملكة الصمت والجهل والخراب، لذلك على السوريين التكلم والإفصاح، والوقت مناسب دائمًا، للنجاة من طوق الصمت الخانق.