25-سبتمبر-2017

ارتفعت أسعار معظم السلع والخدمات مما أثقل كاهل الجزائري (ميشال ستبون/Corbis)

تزامنت عودة الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة إلى الجزائر عام 1999 رئيسًا للجمهورية، بارتفاع تاريخي لأسعار النفط، التي تشكّل 97 في المئة من صادرات البلاد، بعد هبوط دام سنوات، اقترن بمشاكل العنف والإرهاب. فدخلت الجزائر في بحبوحة مالية تمكنّت بفضلها من دفع ديونها الخارجية، بل إنها أقرضت صندوق النقد الدولي نفسه خمسة مليارات دولار أمريكي، ومسحت ديون بعض الدول الأفريقية، وديون الفلّاحين، وفتحت المجال واسعًا للقروض الصغيرة والكبيرة، حتى بات متاحًا لشابٍّ "بطال" ومتسرّب من المدرسة أن يطلب الدعم المالي لأي مشروع يروق له، بلا فوائد في أحيان كثيرة.

مئات الآلاف من المساكن منحت مجانًا، ومثلها من الوظائف وقروض لم تسترجع، كانت هذه الحال في الجزائر مما انجر حالة من التبذير

لقد باتت المحافظات الثماني والأربعين ورشات أشغال مفتوحة، باستقدام شركات أجنبية، استقدمت معها عمالة هائلة، منها خمسون ألف عامل صيني، إلى جانب شركات وطنية، بعضها عريق وبعضها طارئ أثمره تساهل البنوك مع رجال الأعمال والراغبين في أن يصبحوا كذلك.

اقرأ/ي أيضًا:  "تشاينا تاون".. الحي الصيني في قلب الجزائر

مئات الآلاف من المساكن منحت مجانًا للمواطنين، ومثلها من الوظائف، فبات شعار المرحلة كما قال الوزير الأول السابق عبد المالك سلّال "كول وبزّع" أي "كُلْ وأسرفْ"، ممّا أدخل البلاد في حالة من التبذير لم يسبق لها مثيل منذ الاستقلال الوطني عام 1962، حتى بات عدد مهرجاناتها الفنية والثقافية، التي تلتهم المليارات من غير أية رقابة أكبر من عدد أيام السّنة.

خلق هذا الواقع الجديد، لدى الشّارع الجزائري، سلوكات استهلاكية يسيّرها منطق الإسراف ومحاكاة الشعوب الثرية. وبات ذلك يظهر في العطل والأعراس والأعياد والمواسم الدينية وشهر رمضان. في مقابل استفحال ظاهرة الاعتداء على المال العام من طرف رجال الحكم ومواليهم من ورجال الأعمال، فطفت إلى السطح فضائح ثقيلة كان لبعضها امتداد عالمي.

اقرأ/ي أيضًا: "سونطراك 1".. مفتاح فضائح الفساد في الجزائر

يصف طالب الاقتصاد مهدي حاجّي هذه المرحلة بأنها شبيهة بالمظلّة التي تستر تحتها الجميع. "لقد عملت الحكومات المتعاقبة على أن تورّط الشعب نفسه في الفساد، من خلال القروض الميسّرة، وغضّ الطرف عن سلوكاته غير القانونية، حتى تبرّر ما كان يقوم به رجالاتها وموالوهم من تبييض للأموال، من خلال مشاريع وهمية أو مغشوشة". ذكر منها الطريق المزدوج الرابط بين الشرق والغرب، والذي قال إن تكلفته الأصلية 3.8 مليار دولار، في`حين وصلت إلى 17 مليار دولار أمريكي، "من غير أن يتمّ أصلًا أو يكون ما أنجز منه خاضعًا للمعايير الدولية المعمول بها في مثل هذه المشاريع".

مع مطلع عام 2016، فوجئت الحكومة، التي تخلّت عن وزارة الاستشراف، بهبوط مدوٍّ لأسعار النفط، لأسباب لا تملك القدرة على إزالتها، رغم أنها عضو فاعل في منظمة الدول المصدّرة للبترول، فما كان منها إلا أن توجّهت إلى الحلقة الأضعف، المواطن، فطلبت منه ما أسماه الوزير الأول يومها عبد المالك سلّال "شدَّ الحزام"، كناية عن التقشف.

أقر قانون المالية لعام 2017 زيادات في معظم السلع والخدمات في الجزائر في إطار سياسة التقشف وهو ما أزم الوضع الاجتماعي

تعامل الجزائريون مع دعوة عبد المالك سلال، في البداية، على أنها واحدة من النكات التي يعرف بها، لكن قانون المالية لعام 2017، وضعهم في مواجهة الحقيقة، التي لا يرغبون في سماعها، من خلال الرفع في أسعار معظم السلع والخدمات، من غير الرفع من الأجر القاعدي والأجور عمومًا. بل إن الحكومة أغلقت باب التوظيف، في بعض القطاعات، وأمرت ولاتها بسحب ميزانيات المشاريع، التي لم تنطلق بعد.

يتساءل رئيس منتدى المواطنة كمال قرور: "ما معنى أن تصرف 1000 مليار في خمسة عشر عامًا، من غير أن تنجز مشاريع خالقة للثروة الدائمة؟ أين ذهبت كل أموال الدعم التي قالت الحكومة إنها وجّهتها لقطاعات الفلاحة والسياحة وتشغيل الشباب؟ كيف لم تستطع أن تجعلها قادرة على أن تكون بديلًا للنفط، على مدار ما يقرب من العقدين؟". ويضيف قرور: "ليس من السهل أن تغرق شعبك في بحبوحة مالية غير مدروسة ولا واعية، ثم فجأة تطالبه بأن ينسى ذلك كله، ويدخل في مرحلة متقشفة إلى أجل غير مسمّى، إلا إذا أردته أن يغضب ويدمّر البلد".

التجأت الجزائر إلى  إغراق السوق بطبع المزيد من الأوراق النقدية، من غير أن يكون لها ما يوازيها من الذهب، كما هو معمول به دوليًا

دفع تخوّف مؤسسة الرئاسة من هذا الغضب الشعبي المحتمل إلى استقدام رجل أحبه الجزائريون، من خلال توزيعه مئات الآلاف من المساكن، بصفته وزيرًا للسكن والمدينة، على رأس الحكومة، فراح يهيّئ الشارع بصراحته إلى ما هو أصعب، وطمأنه بكون حكومته ستحاسب أصحاب المال الفاسد. لكنه وجد نفسه مستبعدًا، بعد أقلّ من ثلاثة أشهر من تعيينه، وعيّن بدله أحمد أويحي المعروف إعلاميًا بـ"رجل المهمّات القذرة"، والذي لم يجد حرجًا في القول إن الخزينة توشك على الإفلاس، وقد تعجز الحكومة عن دفع أجور شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، مما يحتّم عليها اللجوء إلى إغراق السوق بطبع المزيد من الأوراق النقدية، من غير أن يكون لها ما يوازيها من الذهب، كما هو معمول به دوليًا.

يقول الناشط بودشيش بوحجر لـ"الترا صوت" إنه إجراء لم يلجأ إليه حتى الليبيون الغارقون في الفوضى والحرب، "وهو لا يدلّ إلا على أن الحكومة لا تفكر أبعد من أنفها، لذلك فهي تلجأ إلى الترقيع عوض البناء، فالمهمّ عندها أن تربح الوقت". يسأل: "هل تستطيع سلطة أن تنجز، في ظلّ التقشّف، ما عجزت عن إنجازه في ظلّ البحبوحة؟ إنهم يضحكون على ذقون المواطنين".

ولم يفوّت الجزائريون، في مجالسهم الواقعية والافتراضية، فرصة السخرية من إجراءات أحمد أويحي، إلى درجة أن بعضهم بات يخوّف أطفاله بالقول إنه سيجلب لهم أحمد أويحي، حتى "يمنع عنهم أكل الياغورت/ الزبادي"، فقد سبق له أن قال إنه ليس شرطًا أن يأكل المواطن البسيط هذه المادة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

السياحة الصحراوية في الجزائر.. إهمال متواصل

الجزائر تسعى لجذب الاستثمارات.. هل آن الأوان للخروج من اقتصاد النفط؟