11-أكتوبر-2015

طلبة سوريون(Getty)

وأخيرًا عاد معهد أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية إلى الساحة الفنية السورية ليلعب دوره الثقافي والفني، إذ أقامت إدارته معرضًا للطلاب المتخرجين من المعهد خلال السنوات الأخيرة، وتحديدًا منذ تولي قصي الأسعد مهمة إدارة المعهد.

لم يكن المعهد بهذا الخمول في السابق، فقد كان محافظًا على طقوس التخرج المحببة. يقوم الطالب بدعوة أهله وأصدقائه لمعرض تخرجه، وفي هذا المعرض يتمكن الطالب من عرض تجربته الأكاديمية كاملةً بخصوصيتها وتفردها. ويقدم، في المقابل، المعهد الطلاب  للحضور كمواهب واعدة للفن السوري.

اقرأ/ي أيضًا: دكتاتورية قانون تنظيم الجامعات في سوريّا

والآن بعد أن أفاق المعهد من غفوته، تمت إقامة معرض للجماهير لا للطلاب، إذ انتقى مدير المعهد بنفسه وحسب مزاجه الشخصي عددًا محدودًا من اللوحات لبعض الطلاب دون غيرهم، متناسيًا الدور الرئيسي لعرض التخرج والمتمثل في إتاحة الفرصة أمام جميع الطلاب للمشاركة، فكان عرضًا باهتًا متأخرًا وغير مقبول بالنسبة للمعنيين به.

"إنه معرض الواسطة والمحسوبيات"، هكذا وصفته لين، وهي خريجة معهد أدهم إسماعيل. لم تعرض لوحات لين خلال المعرض ولم تجد تبريرًا لذلك سوى انتمائها السياسي. تقول لين: "تغير حال المعهد مؤخرًا، استغنى عن أنشطته الفنية والثقافية ليلعب دورًا سياسيًا سلبيًا، ومعرض عيد الجلاء الذي أجبر الطلاب على المشاركة فيه تحت طائلة اللاوطنية والتخوين هو خير دليل على وضع المعهد وإدارته الجديدة".

تغير حال معهد أدهم إسماعيل واستغنى عن أنشطته الفنية والثقافية ليلعب دورًا سياسيًا حسب جزء من طلبته

بينما رأت خريجة المعهد هبة العظم: أن "الإدارة الجديدة شوهت صورة المعهد". واعتبرت هبة دعوة صديقها الافتراضي على فيسبوك ومدير المعهد الحالي إلى معرض تخرجها "إساءة مقصودة"، وذلك بعد إقصائها. وأضافت: "أتمنى أن أعود إلى بلدي يومًا ما وأشعر أن للفنان قيمة حقيقية، إن الدعوة التي تلقيتها على حسابي على موقع فيسبوك قتلت الحنين الذي كنت أشعر به تجاه وطني".

لا يحمل الموضوع نفس الأبعاد بالنسبة لجميع الخريجين المهمشين في عرضهم الخاص بهم، فالبعض يعتبر أن لا علاقة للانتماء السياسي بالإقصاء الحاصل، ويفسر ذلك بعدم احترام الفن والفنانين حتى في المعاهد الفنية. ويؤكد بعضهم أن المدير المسؤول عن المعهد يعتز بشهادته الحاصل عليها من كلية الإعلام ويعيّر الطلاب بدراستهم بمعهد أدهم إسماعيل ويعتبرهم فشلة، حسب تصريحات بعض الطلاب.

كما لم يكن المعرض مرضيًا حتى بالنسبة للطلاب الذين أتاح لهم مدير المعهد فرصة عرض ومشاركة أعمالهم. ذكرت إحدى المشاركات، والتي رفضت ذكر اسمها، أن "المشاركة كانت مفاجأة"، وأضافت: "المفاجآت ليست بالضرورة سارة". وفي سياق حديثها عن عرض التخرج قالت: "هل يعتبر عرض ثلاث أو أربع لوحات لفنان ما مكافئًا لعرض عمل واحد لفنان آخر؟ وذلك دون سؤال الفنان نفسه عن مدى رغبته  بعرض الأعمال واتخاذ القرار عنه، والاكتفاء بإبلاغه بواسطة الهاتف عن تاريخ افتتاح المعرض".

وباختصار، يجمع الطلبة أن "عدم تكافؤ الفرص"، يعتبر العنوان الأكبر لمعرض التخرج ويؤكدون أن طبيعة العلاقة بين الإدارة وطلابها صارت مألوفة خاصة بالنسبة للطلبة الذين احتكوا بشكل مباشر بالمدير قصي الأسعد.

إن قضية فساد إدارة معهد أدهم إسماعيل و"تشبيحها" ليست جديدة، فحملات الاعتقال التي تمت بعهد الأسعد خير دليل على توجه الإدارة

إن قضية فساد إدارة معهد أدهم إسماعيل و"تشبيحها" ليست جديدة، فحملات الاعتقال التي تمت بعهد الأسعد خير دليل على توجه الإدارة ومنهجها. لذلك استغنى العديد من الطلبة في وقتٍ سابق عن شهادة المعهد واتخذوا قرارهم بعدم الالتزام بتقديم مشروع التخرج. فالطالبتان فرح فاخوري ونور عويتي لم يقدما مشروع التخرج رغم إنهائهما فترة الدراسة في المعهد، "تفاديًا للصدمة والخلافات من أجل شهادة فقدت قيمتها الأكاديمية والمعنوية في ظل الإدارة الغريبة، حسب تصريحاتهما. وانسحب بعض الطلبة منذ أن لاحظوا التحول البنيوي الذي طرأ على المعهد، كالطالب مناف إنديوي، الذي غادر المعهد مبكرًا وتوجه إلى إسبانيا ليجد مساحة لهويته الفنية الخاصة.

وتمنت الطالبة فرح فاخوري أن يعود المعهد إلى نشاطه السابق، لتعود إلى كنفه من جديد. وأضافت: "القضية بالنسبة لي ليست مرتبطة بالسياسة ولكنني أجد نفسي غير قادرة على المتابعة في هذا المعهد بعد أن فقد هويته الأكاديمية".

إن جيل الطلاب الذي عايش الإدارتين، السابقة والحالية، يدرك تمامًا حالة انهيار معهد أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية، ويعلم أن المعهد بإدارته الحالية وهويته الضائعة غير قادر على لعب دوره في إثراء الساحة الثقافية بمواهب الفن التشكيلي. فالمنهج اختلف كليًا وأصبح المعهد يُعلم النسخ من الصور ورسم البورتريهات وصور الخيول والطبيعة الصامتة، بدلاً من التعمق بمدارس الفن التشكيلي. إلا أن الأسعد بدا في تصريحاته راضيًا عن وضع المعهد، وكأن المهم بالنسبة له تزيين الجدران بالأقمشة والألوان.

عندما سُمي المعهد الذي أسس عام 1959 باسم "أدهم إسماعيل"، اعتبر الفنانون التشكيليون السوريون الاسم لفتة طيبة من وزارة الثقافة لتكريم اسم الفنان الراحل وتقدير جهوده. ولكن إن أرادت وزارة الثقافة أن تكرم "أدهم إسماعيل" من جديد فعليها أن تغير اسم المعهد من جديد أو تغير إدارته.

اقرأ/ي أيضًا: طلبة سوريا مدعوون للثورة من جديد