11-أغسطس-2016

سبهان آدم/ سوريا

الساعة العاشرة مساء طرق باب بيتي رجلان، أحدهما قصير أحدب، والآخر طويل وله شارب غليظ، يحمل تحت إبطه عصا رفيعة تشبه عصا المخبرين في أفلام الأربعينيات. فتحت الباب وأنا أعرف أنهما من حملة أمنية لتفتيش البيوت الواقعة في وسط البلد، أي المنطقة التي يجب أن يمر بها موكب الرئيس.
 
بدؤوا بالمكتبة، جلست أرقبهم قليلًا ثم توجهت للصلاة كنوع من اللامبالاة. لم أطل في الصلاة. صنعت فنجان قهوة إمعانًا في لامبالاتي، ثم شردت أفكر من يجب أن أخبره بالأمر إذا ما انتهى الأمر باعتقالي، كلمتُ مدير تحرير الصفحة التي أعمل بها، صمت لبرهة ثم قال: أنتِ وحدك في البيت؟ ابتلعت السؤال رفضًا لأي نوبة ذاكرة عاطفية وأجبته:نعم. وأخبرته أن يقول للناس وأن ينشر الخبر لأنني لا أريد أن أموت متعفنة في السجن.

جاءني أحدهم يحمل صورًا لرفقاء هم الآن في المعتقل وقال لي بخسة: تعرفينهم؟ فأجبته: نعم. 

انتهى فحص المكتبة. رن هاتفي فكان صوتك، كنت سعيدة إلى درجة جعلتني لا أتبين ماذا كنتَ تقول، كنت خائفة وسعيدة، منذ متى يأتي الموتى في الهواتف، أيسمح لهم بالخروج من المنام؟

لم أفهم منك شيئًا، وكأن عقلي توقف عن العمل وأصبحت ذاكرتي هي عقلي، تذكرت لهجتك العراقية الموصلية المحببة إلى نفسي، وصرت أقاطعك في حديثك الذي لا أسمعه، لأردد لك كلمة كنت تقولها بطريقتك، وكنت أضحك كما كنا نضحك.

ناداني سجّاني ليضع في يدي الأغلال، فجعلت أخبئ الهاتف في صدري، كما كانت جدتي تفعل بالقروش في جيب صدرها الواسع.

عند عتبة الباب نظرت في وجوههم وتسمرت في مكاني، من أنا؟ كيف شاب شعري؟ أين أحبتي؟

كان الهاتف في صدري يرسل صوتك، كان هاتفًا ذا قرص كالذي كان في بيت جدتي في التسعينيات. اقترب أحدهم مني يدفعني لأمضي، قلت له: أطفئ الغاز لأن اللبن سيفور. نظرًا إلى بعضهما البعض وأطلقا ضحكات عالية.

أفقت من منامي، أشعلت سيجارة، وقفت أمام كومة من الأشياء القديمة، بحثت عن هاتف جدتي القديم، أدرت القرص أطلب رقمك، وضعت السماعة على أذني وانتظرت. 

اقرأ/ي أيضًا:

حظٌّ سيئ أثناء الشوبنج

خارج اللغة داخل سيجارتك