05-أغسطس-2016

مارك شاجال

الصوت هو من فجر تلك الأسطورة، صوت تمرد ليصبح كائنًا مستقلًا. تمرد ليصبح حورية تغوي ترسم بخيالات أصابعها لوحة عشقية ساحرة ألقت تلك الحورية سحرها فجاءها محتار بين شبق العاشق ورصانة العالم، ونطق صوتك.

أجلس بيني وبين نفسي أستمع الى صوتي، وقعه، استقلاليته، ثم ما ألبث أن أحيد بعقلي عن التورط بمتاهات المراهقة. أجلس وحيدة، أو مدعية الوحدة بين الزحام أدع رأسي يتهادى بين يدي، يعكس الضوء على وجهي أتأمل جيدًا لا جديد. أدعي اللاهتمام بيني وبين نفسي، أذهب.. آتي وأتكلم بصوت مرتفع، أعلن بشكل غير مباشر سلطتي على نفسي ونهاية تمردي المجنون.

ثم لا ألبث أن أطيح بتلك الأفكار عرض الحائط، حين يعلن المربع الأزرق علامة كنت بانتظارها أركض نحوها ثم أبتسم أكتب وأنا أبتسم أيضًا. أنهي المحادثة ليعود الوضع الى الموت السريري، أكاد أن أعترف انني قد تعودت أو شارفت الإدمان على أحاديث عرفت كيف الفتك بي. 

لم تكن البداية، بداية مستهترين أو مبتدئين مصيرهم الملل بعد عدة دقائق. خاطب عقلي أكثر من عيني، تحدثنا عن التنظير والنقد والابتذال عن الموت والحياة والعدمية، عن المشاكل الوجودية وعن السعادة أيضًا. لم أستطع التصديق أن تلك التي تجلس أمام الشاشة هي أنا، كيف استطاع أسر تلك الحورية المجنونة وجعلها مأسورة الكلمات؟

بنى قفصه بعناية لسجينته المميزة اختاره من الكلمات الغريبة ومكنه بالبعد عما حولها من ابتذال. لم يلجأ إلى العينين برغم السحر الموجود فيهما، فتلك الأخيرتين مزار للناظرين وبداية كل الهواة، تجاهل بكل قوة الأكتاف والنهدين بل كان مسكنه الخاصرة.

كنت قد رأيت نفسي بعينيه تجليات لأساطير بعيدة وتلويح فقط لفيض ساحر، أحس عندما تلوح صورته من بعيد بضجيج يعلو يصم أذني، وسكون يهدئ الأرض ليعلن سيادة لحظة اللقاء. لم يعد للزمن أهمية، لقد تكاثفت حباته في طي الكلمات، التصعيد المقترن بعمق المعرفة لم تعد قاعدتي في الحياة، قام باختزال الوقت وأنا كثفت الجزئيات الأخرى لنصنع عبقا يشبه بستانًا من دراق.

في طور من المفاجآت العبثية اقترب نفسه من أذني وهمس لي كم أنت جميلة! يا لذلك الفعل المنسي كان مختبئًا خلف فجاجة الكلام، كيف يمكن لجملة تبدو مبتذلة أن تشعرني بهذا الكم من التقلص؟ انكماش في العضلات وشعور يرفع روحي عاليًا كأرجوحة مدارها السماوات، في هذه اللحظة تتراقص أرواحنا كجديلة شعر مغمورة على موسيقى خلخالي الجميل، يصرخ وسط صمت الباقين ليعلن بلوغ نشوة روحية في ثوان عجزت أعين المارقين في زمن تقاطع مع هذه اللحظة على إدراكها.

وكم أحب الطرقات التي تكثر فيها إشارات المرور. طوبى لإشارات المرور، يجب أن توضع بكل حارة فرعية، وأمام كل منزل، وأمام كل كائن متحرك، أمام هذه الأضواء الثلاثية، رسمت أيدينا اللقاء الأول نشأت منه بيادر التفاح وأقيمت أعراس النور في داخلي.

يقودني وأنا أتردد علّ الطريق يمتد وأنا ممسكة بالجنة، أريد أن أصرخ حتى تنتهي الكلمات فلتكتف النبوءات والمعجزات فليسكتوا عن سمو البشر للوصول إلى جنان الخلد، أنا في شوارع مدينة الحرب التي نسيها الله أصلًا أعلن أني قد أمسكت الجنة بيدي.

وفي روعة الانتظار أنتظر كلمة ستطبع يومًا ليس على شفتي أو رقبتي، بل على مسكن فارس الكلمات الذي سحرني، ستطبع على خاصرتي. 

اقرأ/ي أيضًا:

تاءٌ يتراقصُ على بياضٍ

في قريتي... حلم يجاور الشمس