26-ديسمبر-2016

غرافيتي في حلب (فيسبوك)

كما لو كنتُ حلب 
أحبَّني رجالٌ كثر
وترصّدوا خُطاي على الطرقاتِ الترابية والإسفلتية 
نصبوا لي فخاخ الغواية 
دهنوا رائحة الغزال الطريد على أجسادهم
كسروا مراياي ورموها تحت أقدام الجنود
وأنا لم أكن جميلة كـ"حلب" التي دارت بسببها الحرب
امرأة وحيدة كنتُ
تمشي تحت أشجار الكرز كل ربيع 
فتشبه ببشرتها الحنطية المغسولة بالدموع
كأول فجرٍ بزغ على الأرض 
امرأة وحيدة 
يحبها رجال كثر 
فيما هي منشغلة عنهم 
بمحو أثر ندبة الحرب حول اسم حلب.

أحبَّني رجالٌ كثر..
كأيَّ حي قديم من أحياء حلب 
كحي قلبه مرصودٌ بسبعة أقفالٍ 
الباب الأول 
يتخطاهُ من حمل أمه على ظهرهِ حينما خرج من حلب منكسرًا 
الباب الثاني 
يتخطاهُ من يحب القطط ويبتسم لها 
حينما تموء بحزن في شوارع حلب المهجورة من سكانها
الباب الثالث 
يتخطاهُ من يبكي لأن المنفى ليست
له رائحة مسقط رأسه 
الباب الرابع 
يتخطاهُ من ينجب أطفالًا ويطلق عليهم 
أسماء حبيباته السابقات 
الباب الخامس 
يتخطاهُ من يعرف قلبه الندم كالأطفال
الباب السادس 
يتخطاهُ من ينسى كل شيء في شيخوخته 
ويتذكر اسم حلب
الباب السابع 
يتخطاهُ من ينطقُ اسمي بألفةٍ كما لو كان بيتهُ الوحيد..

كما لو كنتُ حلب
أحبَّني رجالٌ كثر
ضموني بقسوةٍ كما لو كنتُ رائحة بلادهم
التي هُجِروا منها مرغمين 
جرحوني وعلقوا قلبي في أعلى مئذنة الجامع الأموي 
عذبوا قلبي 
كما لو كان طائرًا في مصيدة الجنود الذين دمروا حلب 
نتفوا ريشهُ الملون وضحكوا
مزقوا حنجرته التي غنى بها القصائد لهم وبكوا
غرسوا الشوك في عينه وصرخوا من شدةِ الألم
ضمدوا جراحه وندموا
لكنهم كلما شاهدوه حيًا لا يموت
حفروا بسكاكينهم الحادة أسماءهم عليه 
كما فعل سكان حلب مع جدرانها حينما رُحِلوا منها
الرجال الذين أحبوني 
كانوا يتركون آثار عضاتهم الصغيرة 
تحت إبطي بوحشيةٍ كما لو كانوا جنودًا
كانوا يملؤون جسدي بالكدماتِ الزرقاء
ويغنون للأسى الذي في صرختي: 
"الكدماتُ الزرقاء على الجسدِ هي الحُب"
الرجال 
الجميلون
القساة
الكاذبون 
الصادقون 
الأنبياء 
الساقطون 
الموحلون
المخلصون 
هجرتُهم وبقيتُ
امرأة وحيدة شربت من ماء حلب
التي تُعلمُ نساءها التخلي عن سُقاتِها
لأن شجرة الكرز في غابة قلبها 
تثمرُ كرزًا حامضًا بماء حبهم 
امرأة 
لم تثمر شجرتها كرزًا حلوًا لمرة 
تجعلُ العاشقة فيها تهتفُ بعبارة "أريدكَ كبيتٍ في حلب"
امرأة وحيدة
إذ سألوها بعد كل جرحٍ 
ما هو الحب..؟!
أجابتهم بحنانٍ:
الحب كدماتٌ زرقاءٌ على الجسد
كما لو كان جسد حلب في الحرب.

اقرأ/ي أيضًا: 

روحي كرسي انتظاركِ

"اليوم السادس" مساء الخميس