09-يناير-2016

فلسطينيون عند معبر رفح (Getty)

أستميح الدكتور صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين عذرًا، في اشتقاق عنوان هذه المقالة من عنوان كتابه "الحياة مفاوضات" الصادر عام 2008 الذي تحدث فيه عن المفاوضات كفكرة ومنهج ومسيرة، يقر اليوم بفشلها ونتائجها شبه الصفرية بعد قرابة ربع قرن من الدوامة التي لم تتوقف.

باتت الهاشتاقات هي الأخرى "الحياة" ومحور التركيز والأولوية لدى نشطاء واتجاهات في عصر الإعلام الجديد

فكما المفاوضات هي "الحياة" يبدو أن الهاشتاقات باتت هي الأخرى "الحياة" ومحور التركيز والأولوية لدى نشطاء واتجاهات في عصر الإعلام الجديد. والهاشتاق أو الوسم هو عبارة مركزة، تكون نقطة تجميع لمعلومات ذات علاقة في مكان واحد، وهي خاصية أتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي؛ بما يسهل على القراء والباحثين متابعة منشورات ذات صلة بقضية معينة. أهمية الهاشتاقات برزت من خلال توظيفها في حملات المناصرة والتحشيد عبر الفضاء الإلكتروني؛ في ظل القناعات المتزايدة بقوة هذا الفضاء في التأثير على الجماهير وتشكيل الرأي العام، من خلال تجاوزه لقيود الإعلام التقليدي الذي لم يكن متاحًا إلّا لفئات معينة.

على أنه في إطار الممارسة الفعلية، نجد أن كل الفئات المجتمعية بما فيها السلطات والأحزاب الحاكمة دخلت إلى ميدان هذا الفضاء وباتت توظفه مستفيدة من إمكاناته الهائلة في الترويج لطروحاتها أو مهاجمة خصومها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بالاسم الصريح، أو من خلال الجيوش الإلكترونية العلنية والسرية.

الواقع الفلسطيني لم يكن بعيدًا عن التأثر بموضة الهاشتاقات، والانخراط في بيئة الإعلام الاجتماعي بكل مجالاته وأبعاده، ونجح المغردون الفلسطينيون في محطات مختلفة ضمنها الحرب على غزة، في تسجيل نجاحات باهرة، في نقل الرواية الفلسطينية أولاً بأول للعالم فاضحين إسرائيل، مقدمينها في إطارها الصحيح "الإطار الإرهابي".

على أن الانقسام الفلسطيني المستمر منذ عام 2007، كان مدخلًا كي تتحول منصات الإعلام الجديد إلى ساحات حرب مفتوحة بلا أي قيود وأحيانًا بل أي أخلاق، استبيحت فيها أعراض، وانتهكت خصوصيات، وروجت أكاذيب، وتم التلاعب بوثائق وصور ومقاطع فيديو من أجل تحطيم الآخر أو تشويهه؛ ليكون الخاسر في المحصلة المجتمع ككل عبر ترسيخ وتفجير كوامن الأحقاد وعبر بناء صورة سوداوية قاتمة عن شخوص المجتمع ومكوناته المختلفة. ضمن المآسي التي يثيرها الإعلام الجديد، وهي تبرز في ساحاتنا الفلسطينية، توهم القوة لدى البعض، من خلال حجم متابعيه والتفاعل مع مشاركاته، وقدرة هاشتقاته على كسر حاجز الترند المحلي أو العالمي، حتى لو كان ذلك من خلال التحايل.

التغريد على الفضاء الإلكتروني وحصد الإعجابات والفولو غير كاف لتحقيق تغيير، ما لم يبن على عمل حقيقي على الأرض

في ظل هذا الواقع، واستفادة من بيئة الانقسام، التي تقسم المجتمع بشكل بنيوي إلى فريقين يتخندق كل منهما في جهة، نفذت بعض الأصوات لتبث أحقاد وأكاذيب وتمارس التشويه وترسم لنفسها بطولة موهومة في مواجهة متخيلة لقامعي الحريات؛ رغم أن ما تنشره أو بعضه لا علاقه بالتعبير بل بالجملة مع تقديم وتأخير للحروف.

ضمن الهاشتاقات المثيرة للجدل في الآونة الأخيرة، هاشتاق #سلموا_المعبر وهو هاشتاق في فكرته ذكي كونه يوظف ويستثمر أزمة متجذرة يعاني منها 1.8 مليون نسمة في قطاع غزة منذ إغلاق السلطات المصرية معبر رفح بعد الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي. نجح الهاشتاق في تجاوز الترند الفلسطيني وغرد عليه آخرون من خارج غزة وفلسطين، ولم يخل من مهاجمة وانتقاد المعارضين لفكرة التسليم.

المفارقة المؤلمة أن فكرة الهاشتاق تقوم على الإقصاء، نعم الإقصاء لموظفين عاديين يعملون في المعبر منذ سنوات، وبعضهم يعمل قبل الانقسام الفلسطيني، وكأنه بات من الطبيعي والمقبول أن يتم إقصاء وإلغاء شخص أو أشخاص أو فريق معين، لمجرد انتمائه لفكرة أو تنظيم معين.

ومع التسليم والإيمان بضرورة إيجاد حل لأزمة المعبر الذي يشكل استمرار إغلاقه انتهاكًا لأحد الحقوق الأساسية "الحق بالسفر" الذي يرتبط به جملة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية خاصة ما يتعلق بالصحة والتعليم، فإن الفكرة هنا، كيف يجري توظيف مساحات الحرية والفضاء الإلكتروني لخدمة فكرة قائمة على الرفض والإقصاء.

يبقى من المهم التأكيد أن التغريد على الفضاء الإلكتروني وحصد الإعجابات والفولو، وحده غير كاف؛ لتحقيق تغيير؛ ما لم يبن على عمل حقيقي على الأرض، وتعبير عن مزاجية الجمهور؛ الجمهور الحقيقي وليس الافتراضي. ولعل هذا ما يفسر أن الكثير مما يروج له عبر هذا الفضاء يبقى أسيرًا له؛ لأنه لا يعكس حقيقة تطلعات الجمهور؛ ما يتطلب من الجميع إجراء مراجعات لنمطية التعامل مع هذه المنصات الاجتماعية لتكون عاملًا فعليًا من عوامل التغيير الاجتماعي والسياسي، لا مجرد ساحات لبث الأحقاد والكراهية. 

اقرأ/ي أيضًا:

معبّر رفح والبحيرة الجليدية والخط المقطوع

رفح المصرية والدرس الموريسكي