الحوثيون والوكالات الأممية.. علاقة متوترة تلقي بظلالها على الوضع الانساني المأزوم

صعّدت جماعة أنصار الله (الحوثيون) من خطابها ضد الوكالات الأممية والإنسانية العاملة في مناطق سيطرتها باليمن، إذ اتهم زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي تلك الوكالات والمنظمات بممارسة "أنشطة تجسسية لصالح إسرائيل"، من بينها – بحسب قوله – تسريب معلومات أدّت إلى تنفيذ الاغتيالات الأخيرة التي طالت رئيس الوزراء في الحكومة اليمنية غير المعترف بها دوليًا أحمد غالب الرهوي وعددًا من الوزراء.

ويُتوقّع أن يُدخِل هذا الاتهام الصريح، الصادر عن أعلى سلطة في الجماعة، العلاقة بين الحوثيين والمنظمات الأممية مرحلة جديدة من التوتر والتصعيد.

يُشار إلى أن الحوثيين يحتجزون 53 موظفًا أمميًا في اليمن، بعضهم منذ عام 2021، وسط مخاوف من احتمال تنفيذ أحكام إعدام بحق عدد منهم، مع توقعات بارتفاع عدد المعتقلين خلال الأيام المقبلة.

اليمن مهدد بمجاعة عام 2026 جراء نقص تمويل جهود الإغاثة والغلاء المعيشي والتضخم

كما يتخوف بعض المراقبين من أن تتضرر أنشطة الإغاثة وتقديم المساعدات الإنسانية بشكل كبير، جراء انهيار العلاقة بين الحوثيين ووكالات الأمم المتحدة، وهو ما قد يفاقم الأزمة الإنسانية في مناطق سيطرة الجماعة، التي تشمل العاصمة صنعاء وريفها ومناطق واسعة في شمال وغرب اليمن. وتُعدّ هذه المناطق الأكثر كثافة سكانية مقارنة بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا أو المجلس الانتقالي الجنوبي.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنّ ملايين اليمنيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتفاقم معدلات التضخم بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب. كما تحذّر الوكالات الأممية من خطر مجاعة محتملة قد تضرب اليمن بحلول عام 2026، في ظل تفشي الجوع وارتفاع تكاليف المعيشة والتدهور الاقتصادي المستمر.

اتهامات ومخاوف

اتهم زعيم جماعة أنصار الله (الحوثيين)، عبد الملك الحوثي، وكالات أممية بينها برنامج الأغذية العالمي واليونيسف، بالمشاركة في "أنشطة تجسسية وعدوانية"، مدعيًا أن بعض موظفي تلك الوكالات لعبوا دورًا في الغارة الإسرائيلية التي استهدفت اجتماع الحكومة اليمنية في صنعاء أواخر أغسطس الماضي، وأدت إلى مقتل رئيس الوزراء أحمد غالب الرهوي وعدد من أعضاء حكومته.

“دور أمني للأمم المتحدة”

قال الحوثي، في خطابه الذي بثّته وسائل الإعلام التابعة للجماعة، إن "من أخطر الخلايا التجسسية التي نشطت، هي تلك المنتسبة لمنظمات تعمل في المجال الإنساني، وعلى رأسها برنامج الأغذية العالمي واليونيسف"، مضيفًا أن خلية تابعة لبرنامج الغذاء العالمي، يرأسها مسؤول الأمن والسلامة في فرع البرنامج باليمن، شاركت في رصد اجتماع الحكومة والإبلاغ عنه للعدو الإسرائيلي. وادّعى الحوثي أن لدى الجماعة "أدلة ومعلومات قاطعة" على ذلك، دون تقديمها.

حملات اختطاف وتصعيد ضد العاملين الدوليين

تتحدث مصادر يمنية عن شنّ الجماعة حملات اختطاف متواصلة ضد العاملين في المنظمات الدولية بالمناطق الخاضعة لسيطرتها، وسط توتر متصاعد مع الوكالات الأممية منذ الغارات الإسرائيلية الأخيرة التي التي استهدفت قيادات عليا بصنعاء قبل نحو شهرين. 

يشار إلى أنّ الحوثيين أعلنوا، الخميس الماضي، عن مقتل رئيس هيئة الأركان العامة للجيش اليمني، اللواء محمد عبد الكريم الغماري، في غارة يرجح أنها إسرائيلية.

الأمم المتحدة ترفض الاتهامات وتحذر من الخطر

رفضت الأمم المتحدة بشكل قاطع اتهامات الحوثيين، معتبرةً أنها "تثير قلقًا بالغًا على مصير موظفيها في مناطق سيطرتهم". ووفق المتحدث الأممي ستيفان دوجاريك، يحتجز الحوثيون 53 موظفًا تابعين للأمم المتحدة، توفي اثنان منهم على الأقل داخل السجون. وأكد أن استمرار هذه الاعتقالات "يعوق بشدة" قدرة المنظمة على تقديم المساعدات الإنسانية، مشيرًا إلى أن الحوثيين استولوا على "مبانٍ وأصول أممية" في صنعاء.

ردود يمنية ودولية: “محاولة لعزل اليمن”

ونقلت وكالة "رويترز" عن صالح السقاف، مدير مكتب التخطيط والتعاون الدولي في محافظة مأرب، قوله إنّ "الاتهامات الصادرة عن زعيم جماعة الحوثي خطيرة وتمثل محاولة لعزل اليمن عن المجتمع الدولي وتشويه دور الهيئات الإنسانية".

كما قال رئيس منظمة إغاثية محلية في العاصمة صنعاء، فضّل عدم الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية، إنّ "اتهامات الحوثي قد تتسبب في وقف مزيد من المشاريع التنموية بعد توقف عشرات منها منذ مطلع العام الحالي بسبب نقص التمويل وإيقاف المساعدات الأميركية وتراجع الدعم الدولي".

ويرى الباحث الاقتصادي وفيق صالح، في حديثه إلى "رويترز"، أنّ تصريحات زعيم الحوثيين قد تكون "هروبًا من الأزمات المتفاقمة التي تواجهها الجماعة مع تعقّد الأوضاع الإنسانية والمعيشية في صنعاء والمدن المجاورة". 

كما لا يستبعد فيصل المجيدي، وكيل وزارة العدل في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، أن يكون الهدف من هذا التصعيد هو "تبرير عمليات الاختطاف وابتزاز المجتمع الدولي وفرض الوصاية على العمل الإغاثي".

ويُعدّ اليمن أحد أبرز محاور العمل الإنساني في العالم منذ اندلاع الحرب عام 2014.

وكان الحوثيون قد تعرضوا في نيسان/أبريل الماضي لهجمات عسكرية أميركية استهدفت أكثر من ألف موقع، فيما واصلت الغارات الإسرائيلية ضرب الموانئ والمطارات الحيوية في صنعاء لإضعاف قدراتهم اللوجستية. 

ومع ذلك، استمرت الجماعة في دعم المقاومة في غزة من خلال إطلاق المسيرات والصواريخ نحو الأراضي المحتلة، واستهداف سفن الشحن المتجهة إلى إسرائيل أو المرتبطة بها في خليج عدن وباب المندب.