05-سبتمبر-2015

كسب الجوت ود الشباب الذي مزقته السياسة (Getty)

رحل محمود عبد العزيز، المعروف بـ"الحوت" في منتصف كانون الثاني/يناير سنة 2013، لكن بريقه لم ينطفئ حتى اليوم. عُرف بفنان الشباب السوداني وبمقاومته بؤس الحال وبطش السلطة. حملت تجربته الفنية ملامحها الخاصة المتمردة على المألوف، وكان صوته ينتمي لجيل ضائع جرفته الحرب لكنه استطاع أن يخرج منتصراً بالفن وأن يكسب ود الشباب الذي مزقته السياسة.

ولأن "الحوت" ظاهرة فنية لم تنته برحيله منذ سنتين، يدخل جمهوره في تجربة جديدة نهاية الأسبوع الجاري وذلك بنادي الضباط، وسط الخرطوم، وتتمثل في غناء أغانيه رفقة الفرقة الموسيقية دون فنان. ومنذ أيام، ملأت ملصقات الحفل المنتظر شوارع الخرطوم ومواقع الأنترنت وبلغت قيمة التذكرة 20 جنيهًا سودانياً.

تتميز أغاني "الحوت" بإيقاع راقص ومحرض على التمرد

"جمهور الحوت هو الفنان في هذه الحفلة"، تقول نهلة سراج لـ"الترا صوت"، ونهلة، واحدة من "الحواتة"، وهو الاسم الذي اشتهر به محبو "الحوت". وتضيف: "محمود عبد العزيز هو بمثابة ملهم أزلي لجيلنا، وهو الذي يبث آهاتنا عبر أغانيه ويعبر عن معاناتنا وأشواقنا". تخشى نهلة أن ينخرط "الحواتة" في عمل سياسي يفرقهم، وتتمنى أن يستمر عطاء الجمهور في حدود العمل الإنساني والاجتماعي، الذي طالما ميز مسيرة فنانهم "الحوت".

ورغم أن محمود عبد العزيز تعرض للسجن والمطاردة وكان ضيفاً شبه دائم على الشرطة، ولم تخل حياته من الألم والعذاب الذي انطبع في نوعية غنائه، إلا أنه ظل وفياً لمشروعه الفني وحفلاته الجماهيرية الصاخبة. وهو من أسرة بسيطة تقطن شمال الخرطوم وقد بدأ رحلته الغنائية في نهاية الثمانينات بترديد أغنيات "الحقيبة"، كما كانت تعرف الفترة التي سبقت الغناء الحديث، لينقلب فيما بعد على تلك النوعية وما تلاها من الغناء ويظهر بنوعية خاصة وسمت تجربته التي امتدت لأكثر من 25 عاماً.

غنى خلال تجربته الفنية الطويلة للحب والسلام والحرية وقد اشتهرت أغنياته حتى انطبعت على رفوف المكتبات وجدران المدينة وملصقات السيارات، كما خاض تجربة المسرح من خلال مسرحية "تاجوج" الشهيرة.

تتكون رابطة "محمود في القلب" من حوالي مليون شخص من الجنسين كحد أدنى ويقومون بعمل تطوعي ملحوظ

يقول عاصم مصطفى، رئيس رابطة "محمود في القلب"، والتي تكونت عقب رحيله لـ"الترا صوت": "نحن عازمون على إكمال مشروع "الحوت" الذي عرف بمواقفه الانسانية". وتتكون رابطة "محمود في القلب" من حوالي مليون شخص من الجنسين كحد أدنى، ويقومون بعمل تطوعي ملحوظ في المستشفيات مثل التبرع بالدم والكلى والمساعدة في تنمية دور الرعاية الاجتماعية.

يقول عاصم: "كان محمود عبد العزيز يتكفل بعدد من اليتامى وكان يدفع الرسوم الدراسية للعديد من الطلاب الفقراء ونحن سنمضي في نفس الطريق". ويشير عاصم إلى مدى الترابط الذي يجمع "الحواتة": "نحن نرعى مشاريعنا بأنفسنا دون مساعدة الدولة أو الشركات الخاصة ولا نحتاجهما".

تبدو تجربة المغني الراحل مغايرة من حيث الموسيقى والكلمات خاصة لتميز أغنياته بإيقاع راقص ومحرض على التمرد. ومن أشهر أغانيه: "أقمار الضواحي"، "شايل جراح"، و"عدت سنة"، وغيرها من الأغنيات التي أدمنها جمهوره. يقول عنه الإعلامي والناقد الفني هيثم كابو إنه "فنان يجيد صنعته وقد تربع على شباك التذاكر طوال عقدين من الزمن".

ويعتبر البعض أن وفاة محمود عبد العزيز كانت سبب اختفاء الحفلات الجماهيرية في السودان، وبرحيله سيطرت الأغاني "الهابطة" على الساحة الفنية. وكان "الحوت" منذ انطلاقته في مركز شباب مدينة "بحري" في منتصف الثمانينات، قد استطاع أن يسحب لفضاءاته جيلاً كاملاً لم يعد يسمع ولا يدفع ثمن تذكرة لا تقود إلى مسرح لا ينتصب فيه "حوتهم"، ذاك "الفلتة الغنائية" التي لم يعوضها أحد في السودان إلى الآن.