تضاءلت الخيارات الأوروبية لردع روسيا عن شنّ هجمات مستقبلية على دول القارة، مما دفع الأوروبيين إلى البحث عن سيناريوهات ردع غير تقليدية. وفي هذا السياق، برزت فكرتان: الأولى عبّر عنها الرئيس البولندي أندريه دودا اليوم الخميس بدعوته الولايات المتحدة إلى نشر أسلحة نووية في بولندا، أما الثانية، التي أثارت نقاشًا أوروبيًا واسعًا، فتتمثل في توسيع فرنسا لمظلّتها النووية لتشمل أوروبا.
وتأتي هاتان الفكرتان في ظل رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب نشر قوات أميركية على الأراضي الأوكرانية، والرفض الروسي القاطع لنشر أي قوات تابعة لحلف شمال الأطلسي داخل أوكرانيا.
نشر الأسلحة النووية في أوروبا:
في مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز"، كشف الرئيس البولندي أندريه دودا عن طلبه من نظيره الأميركي دونالد ترامب نشر أسلحة نووية في بولندا لتعزيز الأمن الأوروبي في مواجهة التهديدات الروسية. وأوضح أنه ناقش هذا الموضوع مع المبعوث الأميركي الخاص لأوكرانيا، كيث كيلوغ، معتبرًا أن "وجود الأسلحة النووية في بولندا سيعزز الأمن"، مضيفًا أن "حدود حلف شمال الأطلسي انتقلت شرقًا عام 1999، وعليه، فقد آن الأوان لنقل البنية التحتية للناتو شرقًا أيضًا".
تلغراف: الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحث مع المستشار الألماني المحتمل فريدريتش ميتس نشر أسلحة نووية فرنسية في ألمانيا، لتعويض الصواريخ الأميركية، في حال قرر ترامب سحبها.
وفي سياق دعوته لنشر الأسلحة النووية في بولندا، قال دودا إنّ موسكو "لم تتردد ولم تطلب الإذن من أحد عندما نقلت أسلحتها النووية إلى بيلاروسيا".
من جانبه، رأى فويتشيك كولارسكي، مستشار الرئيس البولندي للشؤون الدولية، أنّ الحماية النووية "ستُحسِّن أمن بولندا، التي تشكل جزءًا من الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، وتشترك في حدود مع أوكرانيا وبيلاروسيا وإقليم كالينينغراد الروسي".
ويبدو أن بولندا لم تقتصر في مناقشة مسألة الأسلحة النووية على الحليف الأميركي، بل ناقشتها أيضًا مع فرنسا، حيث كشف رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، عن محادثات جرت مع فرنسا بشأن اقتراح الرئيس إيمانويل ماكرون باستخدام الردع النووي الفرنسي لحماية القارة من التهديدات الروسية.
وأعلن توسك ذلك أمام البرلمان البولندي، تزامنًا مع إعلان الرئيس الفرنسي ماكرون عن فتح "نقاش استراتيجي" بشأن استخدام الردع النووي الفرنسي لحماية الحلفاء الأوروبيين، وسط مخاوف من انسحاب أمريكي محتمل من الحلف. وكان ماكرون قد وصف موسكو بأنها "تهديد لفرنسا وأوروبا" في خطابه الأسبوع الماضي.
وتعدّ فرنسا القوة النووية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي، وقد أبلغت باريس الدول الأوروبية، خلال قمة بروكسل الأسبوع المنصرم، باستعدادها لاستخدام ترسانتها النووية لحماية أمن القارة من التهديدات الروسية. وفي هذا السياق، اقترحت إرسال طائراتها المحمّلة بالأسلحة النووية إلى ألمانيا.
وذكرت صحيفة "تلغراف" البريطانية أن ماكرون ناقش مع المستشار الألماني المحتمل، فريدريتش ميتس، إمكانية نشر أسلحة نووية فرنسية في ألمانيا، لتعويض الصواريخ الأميركية في حال قرر ترامب سحبها.
وتحتفظ الولايات المتحدة بنحو 100 صاروخ نووي في ألمانيا، في إطار التزاماتها بحماية الأمن الأوروبي، في حين تمتلك فرنسا ترسانة نووية تُقدّر بحوالي 300 رأس نووي.
وتسعى فرنسا إلى التنسيق مع بريطانيا، التي تمتلك بدورها ترسانة نووية، من أجل بناء دفاع أوروبي مشترك، وإقامة درع نووية أوروبية تقلل الاعتماد على المظلة الأميركية التي يهدد ترامب بسحبها. وقد شدد ماكرون مرارًا على هذا التوجه، مستخدمًا عبارة "أوروبا المستقلة إستراتيجيًا"، في إشارة إلى ضرورة الاعتماد على الذات أمنيًا.
وفي هذا الإطار، رفعت فرنسا ميزانيتها الدفاعية إلى 413 مليار دولار لتلبية احتياجاتها العسكرية. كما أعلنت بريطانيا عن زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري ستدخل حيز التنفيذ عام 2027. وخلال اجتماع القادة الأوروبيين في بروكسل الأسبوع الماضي، جرى الاتفاق على تعزيز ميزانيات الدفاع.
وبالنظر إلى توجهات ترامب الانسحابية تجاه أوروبا وتركيزه على آسيا، فمن غير المرجح أن تستجيب الولايات المتحدة للمطالب البولندية بنشر أسلحة نووية قرب روسيا. كما أن إدارة بايدن سبق أن تلقت هذا الطلب، لكنها لم تتعامل معه بجدية، إذ تميل الرؤية الأميركية إلى تجنب المواجهة المباشرة مع روسيا. ومع ذلك، من غير المتوقع أيضًا أن تقدم إدارة ترامب على سحب الرؤوس النووية من ألمانيا، خصوصًا أن الدول الأوروبية بدأت تستجيب لمطالب واشنطن برفع الإنفاق الدفاعي. وعليه، فمن غير المرجح أن توسع فرنسا مظلتها النووية إلى دول أوروبية أخرى.
تراهن فرنسا على بريطانيا التي تملك هي الأخرى ترسانة نووية، في بناء دفاع أوروبي مشترك وإقامة درع نووية أوروبية، تُبطل مفعول الحاجة إلى المظلة الأميركية التي يهدد ترامب بسحبها
الموقف الروسي من الردع الأوروبي النووي:
وصفت روسيا فكرة نشر أسلحة نووية فرنسية في أوروبا أو أميركية في بولندا بأنها "تصعيد خطير يدفع نحو المواجهة"، محذّرة من اختبار ردّها على هذه الخطوات التصعيدية.
وفي ردّ على إعادة المسؤولين البولنديين طرح فكرة نشر أسلحة نووية أميركية أو فرنسية في بولندا، عقدت روسيا وبيلاروسيا قمة مصغّرة بين الرئيسين فلاديمير بوتين وألكسندر لوكاشينكو.
وفي البيان الختامي المشترك، أكّد الرئيسان أن "تحركات الناتو في الأزمة الأوكرانية عدائية، ومزعزعة للاستقرار، وتحمل خطر نشوب صراع نووي". كما جاء في البيان أن روسيا وبيلاروسيا ناقشتا فكرة "إنشاء منظومة دفاعية مشتركة"، ردًّا على مشروع الدفاع الأوروبي المشترك الذي تقوده فرنسا وبريطانيا.