05-يونيو-2018

تلوث أنهار الجزائر دلالة على تلوث اللحظة الجزائرية في مجملها (يوتيوب)

مدخل: "الذي يعيش بين المرضى يوميًا تتصلّب دواخله، وتتخدّر أحاسيسه". من رواية "البحث عن وليد مسعود" لجبرا إبراهيم جبرا.

بات وادي الحراش مؤشرًا على تلوث الزمن الجزائري، فلا يمكن تطهيره إلا بتطهير اللحظة الجزائرية الموغلة في الاتساخ

ذهبتُ إلى البحر مع صديق لي، مصحوبين بأطفالنا. طفل اليوم ـرغم حداثة سنّهـ بات يفرض علينا رغباته، فأصبح هامش رفضنا لها ضيّقًا جدًّا أمام إصراراته التي لا تلين. كم يعدّ هذا مكسبًا لو كان ضمن مجتمع يملك مشروعًا حضاريًّا.

اقرأ/ي أيضًا: بعض الأحياء الجزائرية.. النّفايات ليست قدرًا

وصلنا إلى الشاطئ، فوقفنا على مشهد مدوّخ: طفل في العاشرة من عمره يترك البحر وينغمس سابحًا في النهر الملوّث. ولكم أن تُقدّروا نسبة تلوّث نهر في الجزائر العاصمة. ألا تخجل العاصمة الجزائرية من كونها لم تستطع أن تحافظ على نهر واحد نظيف؟ ألم يخجل رؤساء الجزائر، وهم يقطعون وادي الحرّاش، الذي يتوسّط مطار هوّاري بومدين، حيث يستقبلون ضيوفهم الأجانب ومقرّ رئاسة الجمهورية؟ علمًا أن معظم هؤلاء الضيوف الغربيين قادمون من عواصم تقطعها أنهار تشبه المرايا في النّظافة والصّفاء.

أخيرًا أمر الرّئيس عبدالعزيز بوتفليقة بتهيئة الوادي، بتغطيته وعزل أذاه عن البحر، لكن المهمّة طالت وتجاوزت المجال الزّمني، الذي حدّد لها، إذ يبدو أنّها ستفشل، ذلك أنّ وادي الحرّاش بات مؤشرًا على تلوّث الزّمن الجزائري، فلا يمكن أن يتطهّر إلا بتطهير اللحظة الجزائرية الموغلة في الاتساخ.

كان الطّفل يسبح بشراهة ومتعة صارختين. قلت لصديقي: أغلب الظنّ أنّه لن يغتسل بعد العودة إلى البيت، وستجد الجراثيم فرصتها في العبث بجسده، ستقضي عليه. قال صديقي: هناك احتمال علمي يقول إنّه قد يكتسب مناعة عظيمة تجعله مستعصيًا على الأوبئة. ثم ضحك ضحكًا مدويًا: وهي المناعة التّي اكتسبها النظام الجزائري، فجعلته يصمد أمام كلّ هزّات الاستقلال.

شف يرحم والديك؛ كم نظامًا في العالم كان سيصمد لو تعرّض للعنف الذي تعرّض له النظام الجزائري في التسعينات؟ ثم شف كيف أنّ هذا النظام سلّ نفسه من عجينة الرّبيع العربي سَلًّا حتى أن الدول الغربية والعربية المعروفة بمساندة الثورات العربية نفسها، سارعت إلى الإشادة بانتخاباته التشريعية والرّئاسية، رغم أنها لم تكن سليمة تمامًا، فلا أحد في الخارج شكّك رغم تشكيكات المعارضة في الدّاخل!

قطع الطفل حديثنا بصرخات أطلقها: "ما أجمل السّباحة هنا. ما أروع هذا". فتذكّرت تصريحات "المسائيل" الجزائريين بخصوص تفوّق الجزائر على الدول الغربية في رفاه العيش. قالها جمال ولد عباس رئيس الحزب الحاكم، وعبد القادر زوخ والي ولاية الجزائر العاصمة. وراحا يجدّدان التصريح بذلك رغم استهزاء الجزائريين بهما من خلال تعليقاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

المثقف الجزائري معرض في بلاده للمساومات التي إن لم تجرده من التعبير، فإنها ستجعل من تعبيره بلا جدوى، لا أحد سيسمعه

هنا، وجدت نفسي أسأل نفسي: ما الذي يجب أن يفعله مثقف حرّ وحقيقي حتى يكتسب مناعة قويّة ضدّ أوبئة المشهد الجزائري في تجلياته المختلفة؟ هل عليه أن يهاجر مثلما فعل محمد أركون ومحمد ديب وآسيا جبار وعبد الحميد سكّيف، كلّهم ماتوا في الخارج، وغيرهم من الأمخاخ الجزائرية في المجالات كلها؟ علمًا أنّ الهجرة قد لا تكون متاحة له، وإن أتيحت فليس مضمونًا أن تكون مثمرة بالضّرورة؟! أم أن عليه أن يبقى في الدّاخل فيكون معرّضًا لكلّ المساومات، التي إن لم تجرّده من التّعبير، فإنها مبرمجة على أن تجعل تعبيره صرخةً في وادي الحرّاش، فلا أحد يسمعه، إذ تشترك كلّ المنابر في التضييق على صوته حتى تلك التي تدّعي كونها مستقلّة وديمقراطية؟!

 

اقرأ/ي أيضًا:

المشهد الجزائري.. نبل شعبي ولؤم حكومي

الأودية والبحيرات.. بحر بديل في الجزائر؟