27-يونيو-2016

جاء لبنان ثانيًا في الدول الأكثر تلوثًا في العالم(انور عمرو/أ.ف.ب)

احتل لبنان الشّاشات العالمية، لا سيما CNN وBBC، لا داعي هنا للحديث عن كمّ الخجل الذي أصاب اللبنانيين، ليس كلّهم طبعًا، فأبطال أزمة النّفايات السّابقة والقادمة بعد أسابيع لا يعنيهم الأمر، عند المحاصصة وتقاسم المكاسب، لا بأس بالتّضحية بسمعة البلد وصورته.

حصد لبنان مؤخراً المركز الثّاني من حيث ترتيب أكثر البلدان تلوّثًا في العالم

حصد لبنان مؤخرًا المركز الثّاني من حيث ترتيب أكثر البلدان تلوّثًا في العالم، المركز ناله بجدارة بعد أزمة نفاياتٍ دامت لثمانية أشهر، وانتهت بحلول أبقت الجديد على قدمه، كالطّمر العشوائي مثلاً والمحارق، بينما حصد الهند بعاصمته نيودلهي المركز الأول. لم تنفع الحكومة خطتها المؤقتة، أي فتح مطمر النّاعمة لشهرين واستغلال الشّاطئ في خلدة لتحويله مطمرًا جديدًا، فالحكومة أرادت للكوستا برافا أن يكون "نورماندي" ثان رغم معارضة سكّان المنطقة.

اقرأ/ي أيضًا: "ميليشيا سوكلين".. "بلطجة" الأمر الواقع اللبنانية

تجاهلت الحكومة سلّة الحلول المقترحة، والتي يعتبر أسوأها أفضل للبيئة من الطّمر أو الحرق، تجاهل الحكومة للحلول لا يعود لعدم إيمان بعض الوزراء بها، بل لغاية في نفس يعقوب، ويعقوب هنا هو الوزير الباحث عن ثروة يجمعها من أكياس النّفايات والصّفقات التي تفوح منها روائح الفساد، وكان "الترا صوت" قد تطرق منذ فترةٍ إلى فضيحةٍ كبيرة، وهي هوية الشّركة المتعهدّة بمشروع بناء سدّ "جنّة"، وهي "Andrade Gutierrez"، الشّركة البرازيلية المتهمة بالفساد، والتي تعتبر من الشّركات الكُبرى في قطاع المقاولات البرازيلي، وهي متهمة بعدّة قضايا فساد، وأُجبرت بقرارٍ قضائي على إرجاع 258 مليون دولار للحكومة البرازيلية كحكمٍ ناجزٍ في قضية "بتروبراس" الشّهيرة، في شهر أيّار/مايو 2016. بعد التّدقيق ظهر أن الشّركة ذاتها أيضًا نالت امتيازاتٍ خاصة في ملف النّفايات وتصريفها، مع أنّها شركة مقاولات.

الفضائح لا تقتصر فقط على تمرير مشاريع منتهية الصّلاحية، ومضرّة بالبيئة، أو التعامل مع شركة مشبوهة، لا بل عمد بعض الوزراء إلى التّزوير، فقدّموا مناقصاتٍ لشركاتٍ وهمية، أو اخترعوا شركاتٍ لا أساس وجودي لها.

وافقت الحكومة على تكليف شركتين، واحدة بريطانية وأخرى هولندية، لتصدير النفايات من لبنان لفترة 18 شهرًا، بعقود تصل قيمتها إلى مئات الملايين من الدولارات. حصرت المفاوضات في دائرة ضيقة جدًا وبسرية تامة، بحجة حساسية الموضوع. بعد مراجعة مسوّدات العقود، تبيّن أن العقود المقترحة كانت عقودًا بالتّراضي بين الحكومة ببعض أعضائها، والشّركات، هنا تظهر الفضيحة الأولى، أي أنّه لا مناقصات ولا عروض ولا دفاتر شروط، فتكلفة الطّن الواحد المطروحة 250$ للطّن، أما اليوم، فالحديث يدور عن تكلفة 210$.

فشل وزراء لبنان في حل مشكل الفساد بسبب شبهات الفساد المختلفة المتعلقة بالعقود المبرمة والشركات المتعامل معها

اقرأ/ي أيضًا: طلاب الأمريكية في بيروت يستأنفون الحرب ضد "سوكلين"

بغضّ النّظر عن الثّغرات القانونية، والتي أصابت القانون اللبناني ومعاهدة نقل النّفايات الدّولية على حدٍ سواء، هناك هوية الشّركات، فالشّركة الأولى هي الشركة المسجّلة في بريطانيا واسمها "شينوك أوربان مايننغ" (Chinook Urban Mining) ، وهي شركة مختصّة بنقل النّفايات فعلاً، أما الشّركة الثّانية، فهي "هووا – Howa" الهولندية، على عكس "شينوك"، لا هوية واضحة للشركة، وعنوانها المسّجل على موقعها الإلكتروني هو عنوان منزلٍ سكني في هولندا، يقع في بلدة صغيرة في جنوب شرق مدينة اسمها "سوستيرين".

أما عنوان الشركة Oude Rijksweg Zuid 36 فهو لمنزل ريفي، هو نفسه عنوان سكن صاحب الشركة بول هوس (Paul Hos). أما فرع الشّركة الألماني، فعنوانه: Millener Weg 73-75, 52538 Selfkant. ولدى البحث عن هذا العنوان، تبين أنه يخص شركة للمطابخ اسمها EKS Einbauküchen. وعدد العاملين فيها شخص واحد هو مديرها بول هوس. هوس، بالاشتراك مع ناصر الحكيم، مثلا شركة "هووا" لتقديم عرض تصدير النفايات إلى الحكومة اللبنانية، وحكيم من أصل لبناني، يعمل في التّجارة والسّياسة.

لستر الفضائح، سارعت الحكومة إلى إجراء انتخاباتٍ بلديةٍ أشاحت فيها بصر المواطنين عن المحاصصة والفساد، لتعود اليوم الأزمة إلى الواجهة، صحيح أن رائحة النّفايات لم تفحّ بعد، وذلك لوجود مساحةٍ في المطامر كي يتم تعبئتها، لكن المسألة لا يمكن أن تستمّر لأكثر من أسابيع، قبل أن تلفظ المطامر نفاياتها، وتعود الأكياس للشوارع، في فصل الصّيف، فـ"الكوليرا" على ما يبدو لم يترك لبنان، والمرض مستعدٌّ للهجوم تبعًا لفشل الوزراء في حلّ المشكلة، فهم مشغولون بتقاسم النّفايات والحصص، أو الاستقالة لتسجيل مواقف.

اقرأ/ي أيضًا:

سدّ "جنّة" في لبنان: جهنم الطبيعة؟

مافيا النقل في لبنان.. طُرُق ارتزاق ملتوية