تتوجّه الأنظار في السودان، غدًا الجمعة، إلى كينيا، حيث من المتوقّع أن تُعلن مليشيا قوات الدعم السريع والتنظيمات المتحالفة معها عن حكومة موازية في مناطق سيطرتها.
وكانت الأطراف المجتمعة في العاصمة الكينية نيروبي قد أرجأت الإعلان عن الحكومة الموازية، الثلاثاء الماضي، بسبب انقسامات داخلها بشأن القرار المثير للجدل سودانيًا، لأنه قد يكون تمهيدًا لمشروعٍ انفصالي جديد، تقع نواته المركزية في إقليم دارفور، حيث تتجمّع معظم قوات مليشيا الدعم السريع.
ستيفان دوجاريك: الحفاظ على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه يظل عنصرًا أساسيا في التوصل إلى حل دائم للنزاع وفي استقرار بعيد المدى للبلاد والمنطقة
يشار إلى أنّ قوات الدعم السريع أعلنت، في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، أنّها بصدد توقيع "ميثاقٍ تأسيسي لتشكيل حكومة السلام والوحدة في السودان"، وفق تعبيرها. وقد أدّى طرح موضوع الحكومة الموازية، الأسبوع الماضي، إلى تفكيك "تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية" المعروفة اختصارًا بـ"تقدّم"، بعدما رفض جناحٌ منها، بقيادة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، فكرة تشكيل حكومة موازية في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
وأسس هذا الجناح تكتلًا جديدًا تحت اسم "التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة" (صمود)، فيما أعطى الجناح المؤيد لفكرة تشكيل الحكومة لنفسه اسم "تحالف القوى المدنية المتحدة" (قمم).
ويأتي قرار الدفع بتشكيل حكومة موازية في سياق تطورات سياسية وعسكرية. فعلى الصعيد السياسي، أعلنت القيادة العسكرية للجيش والحكومة في بورتسودان عن طرح "خارطة طريق لمرحلة ما بعد الحرب"، وتتضمن الخارطة:
- "استئناف العملية السياسية الشاملة، عبر إطلاق حوارٍ وطني شامل، يشمل جميع القوى السياسية والمجتمعية، وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة لاستئناف مهام الفترة الانتقالية، ومساعدة الدولة على تجاوز تبعات الحرب".
- "إجراء التعديلات اللازمة على الوثيقة الدستورية، وإجازتها من القوى الوطنية والمجتمعية، ثم اختيار رئيس وزراء مدني لإدارة الجهاز التنفيذي للدولة دون تدخل، وتتويج ذلك كله بانتخابات عامة حرة ونزيهة".
🎥 #السودان.. قوات الدعم السريع تستهدف معسكر زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور. pic.twitter.com/37guOsujFq
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 3, 2024
وبحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية السودانية، فإنّ "كلّ من يتخذ موقفًا وطنيًا، ويرفع يده عن المعتدين، وينحاز إلى الصف الوطني، فهو مرحّب به".
أما السياق العسكري لهذا التطور، فيتمثل في التطورات الميدانية الأخيرة، التي استعاد بموجبها الجيش السوداني عدة مواقع كانت قوات الدعم السريع تسيطر عليها في الخرطوم وولاية الجزيرة.
تحذير أممي من مفاقمة الأزمة وتقسيم السودان
اعتبرت منظمة الأمم المتحدة، في إحاطة إعلامية للمتحدث باسم أمينها العام أنطونيو غوتيريش، أنّ الإعلان المزمع في كينيا عن حكومة موازية في السودان يهدد بمفاقمة الأزمة المستمرة في البلاد منذ سنوات، والتي وصلت في نيسان/أبريل 2023 إلى مرحلة الحرب.
وحذّر بيان المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك من خطر انقسام السودان، قائلًا:"نحن قلقون جدًّا من أي تصعيد جديد للنزاع في السودان، وأي عمل كهذا من شأنه زيادة تقسيم البلاد مع التهديد بمفاقمة الأزمة"، مؤكّدًا أنّ "الحفاظ على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه يظل عنصرًا أساسيًا في التوصل إلى حل دائم للنزاع، وضمان استقرار بعيد المدى للبلاد والمنطقة".
الحكومة السودانية تندّد
ندّدت الحكومة السودانية باستضافة كينيا لاجتماع التنظيمات الساعية إلى تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع، معتبرةً أنّ هذه الخطوة تعدّ "تشجيعًا لتقسيم الدول الأفريقية وخروجها عن قواعد حسن الجوار"، كما تعتبر "مخالفة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وهي بمثابة إعلان عداء لكل الشعب السوداني". ودعا بيان الخارجية السودانية المجتمع الدولي إلى "إدانة هذا المسلك من الحكومة الكينية".
وكانت قوى سياسية وقادة من قوات الدعم السريع قد عقدوا في العاصمة الكينية نيروبي، الثلاثاء، اجتماعًا تحت عنوان "مؤتمر تحالف السودان التأسيسي" لمناقشة تشكيل حكومة جديدة. وتقدّم المشاركين في الاجتماع عبد الرحيم دقلو، نائب قائد قوات الدعم السريع، وفضل الله برمة، رئيس حزب الأمة القومي، بالإضافة إلى عبد العزيز الحلو، رئيس "الحركة الشعبية – شمال".
الجوع الكارثي: وضع مروّع ومحزن
تأتي هذه التطورات السياسية وسط تفاقم المعاناة الإنسانية في السودان، حيث كشفت معلومات جديدة صادرة عن الأمم المتحدة أنّ 638 ألف شخص يواجهون الجوع الكارثي في السودان.
إحصائيات النزوح في #السودان خلال 2024 📊 pic.twitter.com/vX17QZRgkg
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 11, 2025
وفي هذا الصدد، أفاد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك بوجود تقارير عن "وفاة أشخاص جوعًا في بعض المناطق في السودان، بما فيها دارفور وكردفان والخرطوم".
وقال دوجاريك، أمس الأربعاء، خلال مؤتمر صحفي:"وفقًا للجنة مراجعة المجاعة بالتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، هناك أدلة معقولة على ظروف المجاعة في خمس مناطق على الأقل في السودان، وهي: مخيمات زمزم، وأبو شوك، والسلام في شمال دارفور، وموقعان في جبال النوبة الغربية، مما يؤثر على كل من السكان والنازحين داخليًا".
وأردف دوجاريك قائلًا: "في الوقت الحالي، تم تأكيد أنّ حوالي 638,000 شخص يعانون من ظروف جوع كارثية، والتي تُصنف على أنها المرحلة الخامسة من التصنيف المتكامل". مضيفًا: "كل هذا، على أقل تقدير، هو وضع مروّع ومحزن للغاية".
وأكّد دوجاريك أنّ 4.7 مليون طفل دون سن الخامسة، وسيدات حوامل ومرضعات، وفتيات، يعانون حاليًا من سوء التغذية الحاد في السودان.
أوضاع مأساوية في مخيم زمزم
وبحسب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فقد اضطرّ النازحون في مخيم زمزم للنازحين واللاجئين، الذي يتعرض للقصف بشكل منتظم من طرف قوات الدعم السريع، إلى اللجوء "إلى تدابير متطرفة للبقاء على قيد الحياة بسبب ندرة الغذاء، إذ تأكل الأسر قشور الفول السوداني المخلوطة بالزيت الذي يُستخدم عادة لإطعام الحيوانات"، وفقًا للمتحدث باسم الأمم المتحدة.
أمام هذا الوضع المأساوي، طالب دوجاريك "جميع الأطراف بإسكات الأسلحة ووضع مصلحة شعبهم في المقام الأول والأخير"، مشدّدًا على أنّ "هناك حاجة ماسة إلى توسيع نطاق الوصول وفتح ممرات جديدة، سواءً عبر الحدود أو عبر خطوط المواجهة في الصراع، وذلك لتقديم المساعدة وإنقاذ الناس من الموت جوعًا".