14-فبراير-2018

مشروع قانون جديد يجرم نشر الأخبار المزيفة في المغرب (عبد الحق سنا/أ.ف.ب)

قدمت الحكومة المغربية مشروع قانون يجرم ما يسمى بـ"الأخبار الزائفة"، يعاقب على ترويج هذا النوع من الأخبار بالحبس والغرامة، وذلك في تشريع منفصل عن مدونة الصحافة والنشر، ينطبق على الصحافيين والمواطنين سواء، وهو ما خلق جدلاً إعلاميًا في البلد بين الحكومة من جهة والجسم الإعلامي من جهة أخرى.

يثير مشروع قانون يجرم نشر الأخبار المزيفة الريبة بالنسبة للصحفيين والمراقبين للشأن المغربي خاصة وأن الظاهرة لا تزال ضبابية حتى لدى الدول الأكثر تقدمًا

أولاً .. ما هي الأخبار الزائفة؟

التضليل الإعلامي ليس بظاهرة جديدة، لكن برز النقاش حولها على الساحة الدولية بقوة، بعدما ظهر تأثيرها الكبير في مجريات الأحداث السياسية، خاصة بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، وقد تعرض تقرير للاستخبارات الأمريكية إلى أن "النظام الروسي شن حملة إلكترونية بأوامر من الرئيس فلاديمير بوتين، هدفت إلى التأثير على مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية، عبر الإضرار بالقابلية الانتخابية لهيلاري كلينتون، وترجيح كفة ترامب". ما دفع الكونغرس الأمريكي إلى إيلاء اهتمام متزايد لهذه النوعية من الهجمات التي تتم عبر ترويج الأخبار المزيفة بنوايا محددة، ووعد بتوفير "الدعم الكافي لتقوية وسائل الإعلام الموثوقة أمام حملات الدعاية، وإلزام الشبكات الاجتماعية بمحاربة المعلومات المضللة".

وازداد زخم ظاهرة "الأخبار الزائفة"، بعدما تكررت محاولات عمليات التدخل في المسارات الديمقراطية في كل من ألمانيا وفرنسا ودول أخرى، حيث ظهر جليًا القدرة التسويقية الهائلة لمواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي التأثير في توجه الرأي العام المستهدف مهما كانت طبيعة المحتوى، باعتبار أن معظم الناس لا يتكبدون عناء التحقق من المعلومات عبر مصادر موثوقة وسط طوفان الأخبار المضللة.

وتعرف شبكة الصحافة الأخلاقية الخبر الزّائف بأنه، "خبر مُختلق عمدًا يتم نشره بقصد خداع طرف آخر وحثّه على تصديق الأكاذيب أو التشكيك في الحقائق التي يمكن إثباتها"، وهذا التعريف من شأنه أن يساعدنا على الفصل بين الدعاية، والحقائق البديلة، والأكاذيب الخبيثة، فمن سمات الأخبار المزيفة أنها مختلقة بطريقة قصدية وبنوايا محددة.

اقرأ/ي أيضًا: ماكرون يعلن الحرب على الأخبار الزائفة.. دفاع عن الديمقراطية أو مس بالحريات؟

ثانياً.. هل مشروع قانون "الأخبار الزائفة" بريء؟

وفي حين لا تزال هذه الظاهرة في الساحة الدولية تخضع للنقاش العام - الإعلامي بالخصوص- حول ماهيتها وكيفية مقاومتها، بادر المغرب، مستبقًا البلدان المتقدمة في هذا المجال، في استخراج قوانين تجرم "نشر الأخبار المزيفة"، حيث ينتظر قريبًا تمرير مشروع تشريعي في هذا الشأن، وهو ما يثير الريبة بالنسبة للصحفيين والمراقبين للشأن المغربي حول نية الحكومة المغربية في استصدار هكذا قانون بهذه السرعة، بينما الظاهرة لا تزال ضبابية حتى لدى الدول الأكثر تقدمًا في حرية الصحافة والتعبير.

هذا ما دفع النقابة الوطنية للصحافة المغربية إلى إصدار بلاغ، تعلن فيه معارضتها لمشروع قانون "الأخبار الزائفة"، واصفة إياه بـ"المنحى الخطير"، بسبب "عدم الوضوح في الخلفية والأهداف" المرافقة لهذا المشروع، خاصة وأن الجسم الصحافي، المعني الأول، لم يُستدع من أي جهة حكومية لتقديم طرحه حول المسألة.

واستغربت النقابة غايات إصدار هذا القانون، موضحة أن نشر الأنباء الزائفة منصوص على عقوبتها في العديد من المقتضيات المتضمنة في قانون الصحافة والنشر، وأن "تشريع قانون جديد سيتسبب في ارتباك كبير ليس في الأوساط المهنية وفي المشهد الإعلامي الوطني فقط، بل وفي منطق قانون الصحافة الذي يمثل المرجع الوحيد في تنظيم الممارسة الإعلامية في بلادنا".

عارضت النقابة الوطنية للصحافة المغربية مشروع قانون "الأخبار الزائفة" بسبب ما اعتبرته عدم الوضوح في الخلفية والأهداف المرافقة له

اقرأ/ي أيضًا: فيسبوك والسياسة القذرة.. خادم مطيع للأوامر الإسرائيلية والأمريكية

ويخشى مراقبون أن يكون مشروع قانون "الأخبار الزائفة" حلقة جديدة من سلسلة قوانين التحكم في المجال الإلكتروني، الذي بات يشكل عبئًا ثقيلًا على السلطة، بعدما صارت المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي توسع قوس الحرية والنقد في مسائل السياسة وفضح الفساد.

ومن خلال قراءة بعض المقتطفات المتداولة لمسودة هذا القانون، يظهر أن هناك غموضًا كبيرًا عند الحكومة المغربية، إذ تتصور أن "الأخبار الزائفة" هي أخبار غير حقيقية رائجة على شبكات التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية، بينما مفهومها عالميًا هي حملات الأخبار الكاذبة التي تتم بطريقة ممنهجة ومتعمدة لتحقيق أهداف محددة، ويقترح الباحثون والمتخصصون مقاومتها عبر دعم قيم الشفافية والمؤسسات الإعلامية الموثوقة، إضافة إلى تمويل مشاريع ابتكار أدوات وبرامج للتحقق وكشف الأخبار الكاذبة، وليس عن طريق العقوبات السجنية التي قد تضر بحرية التعبير.

وفي انتظار خروج نص القانون كاملًا إلى العلن، يتساءل المهتمون كيف سيعرف المشرع المغربي ماهية الأخبار الزائفة؟ وكيف سيثبت صفتي القصدية وغاية الضرر لدى مروجي الأخبار الزائفة؟ والأهم من ذلك كيف سيمنع الخلط بين من روج "الأخبار الزائفة" بطريقة متعمدة، وبين من نشر أخبارًا قد لا تكون حقيقية لنقص معرفته أو عدم تحققه؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

التضليل كعنصر أساسي في فشل ثورات الربيع العربي

الغنوشي يقاضي "سكاي نيوز عربية".. إعلام التضليل أمام جرائمه