الحكومة الألمانية تقترب من التخلي عن مايكروسوفت
18 يونيو 2025
تشهد ولاية شليسفيغ هولشتاين الألمانية تطورًا كبيرًا في توجهها الرقمي، عبر قرار جريء بالابتعاد الكامل عن برامج شركة مايكروسوفت الشهيرة، في مسعى لتعزيز الاستقلالية التقنية وتقليل الاعتماد على الشركات الأجنبية.
هذا القرار، الذي من المتوقع تنفيذه خلال الأشهر الثلاثة القادمة، يشمل التخلي عن استخدام تطبيقات مثل Teams، Word، Excel، وOutlook، واستبدالها بمجموعة من البرمجيات مفتوحة المصدر مثل LibreOffice وNextcloud وغيرها.
وبحسب تقرير لموقع "تيك سبوت"، بدأت الولاية التخطيط لهذه الخطوة في عام 2017 كجزء من استراتيجية طويلة الأمد لتحقيق استقلالية أكبر في قطاع تكنولوجيا المعلومات الحكومي. ومن ثم توسعت الأسباب الداعمة لهذا القرار في 2021، وبالرغم من أن موعد استبدال ويندوز لم يُحدد بشكل نهائي، تم وضع جدول زمني لإنهاء استخدام برامج مايكروسوفت المكتبية بحلول عام 2026.
الجانب المالي كان من المحركات الرئيسية وراء هذا القرار، حيث تصل تكاليف تراخيص مايكروسوفت للمؤسسات الحكومية إلى ملايين اليوروهات سنويًا
وفي 2023، أعلنت الحكومة عن خطة شاملة لاستبدال ويندوز بنظام تشغيل لينوكس، إضافة إلى توسيع استخدام بدائل مفتوحة المصدر في مجالات البريد الإلكتروني، إدارة الوثائق، التخزين السحابي، وهوية المستخدم، وذلك عبر برامج مثل Open-Xchange، Nextcloud، وUnivention Active Directory.
في المرحلة الأولى من التنفيذ، قرر نحو 30,000 موظف حكومي، منهم موظفون مدنيون وقضاة وضباط شرطة، التوقف عن استخدام برمجيات مايكروسوفت، مع خطط لتوسيع هذا التحول ليشمل 30,000 موظف إضافي، أغلبهم من المعلمين، في السنوات المقبلة.
الجانب المالي كان من المحركات الرئيسية وراء هذا القرار، حيث تصل تكاليف تراخيص مايكروسوفت للمؤسسات الحكومية إلى ملايين اليوروهات سنويًا. استبدالها بحلول مفتوحة المصدر يمثل توفيرًا هائلًا للأموال على المدى الطويل.
أما من الجانب السياسي، فهناك عوامل جيوسياسية أثرت بشكل كبير على المسار. ففي ضوء العقوبات الأوروبية على شركات التكنولوجيا الأمريكية، والضغط القانوني الذي تواجهه مايكروسوفت، خاصة في مجال مكافحة الاحتكار بسبب دمج Teams في حزمة Office، أصبحت الحاجة لتقليل الاعتماد على تلك الشركات أكثر إلحاحًا. وقال وزير الرقمنة في ألمانيا ديرك شرودرتر: "الحرب في أوكرانيا كشفت لنا نقاط ضعف في اعتمادنا على مصادر الطاقة الخارجية، والآن نرى أن هناك تبعية رقمية لا تقل أهمية".
تعزز هذه الخطوة توجهات الاتحاد الأوروبي في دعم البرمجيات مفتوحة المصدر من خلال "قانون أوروبا القابلة للتشغيل البيني" (Interoperable Europe Act)، الذي دخل حيز التنفيذ في العام الماضي، ويشجع على تبني الحلول المفتوحة المصدر بين الهيئات الحكومية لتعزيز التعاون والمرونة التقنية.
وتتجه عدة هيئات حكومية حول العالم نحو نفس الاتجاه، من بينها الشرطة الفرنسية ووزارة الدفاع الهندية، وكذلك بعض الحكومات المحلية في الدنمارك. هذا الاتجاه يوضح تحولًا عالميًا في كيفية تعامل الحكومات مع تقنيات المعلومات، مع تفضيل الاستقلالية والأمان وكفاءة التكلفة.
في ألمانيا نفسها، سبق لمدينة ميونيخ أن نفذت مشروع LiMux في 2004، الذي استبدلت فيه ويندوز بنظام لينوكس لتقليل الاعتماد على مايكروسوفت، إلا أنها عادت لاستخدام ويندوز في 2017 ضمن خطة تحديث شاملة، ويرجح أن رغبتها في استقطاب مايكروسوفت إلى مقرها كان من العوامل المؤثرة.
وبينما تحظى الخطوة بدعم واسع لما توفره من مزايا استدامة وأمان، تواجه الحكومة تحديات تقنية وتدريبية لضمان انتقال سلس للموظفين وتأمين توافقية التطبيقات الجديدة مع متطلبات العمل اليومي.
وتتمثل أهمية هذه الخطوة في أنها تمثل نموذجًا يحتذى به للدول التي تسعى إلى الاستقلالية الرقمية، وتحقيق أمان سيبراني أعلى، وتقليل التكاليف التشغيلية. من المتوقع أن تلعب هذه التجربة دورًا مؤثرًا في إحداث نقلة نوعية في سياسات استخدام البرمجيات الحكومية على نطاق أوسع في أوروبا والعالم.