13-يونيو-2019

الكاتبة لين نوتاج

الحكاية مثيرة وجديرة بالاهتمام. فتاة أمريكية من أصل أفريقي، تستقبل حافلة رحلات يومية وهي صغيرة من ميناء بورتوريتي في نيويورك إلى مدينة ريدينج  في بنسلفانيا. حين تتحدث لين نوتاج عن "ريدينج" وقتها تقول إنها كانت أول مدينة يتم فيها بناء مركز تجاري يخص النسيج.

المثير في حكاية نوتاج أنها رصدت بذكاء التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت في بناء العلاقات الاجتماعية بين السود والبيض

كانت المنطقة باختصار وجهة هامة للكثير من الأمريكيين. كان ذلك في السبعينيات من القرن الماضي. بعد عقود من الزمن، تقدم نوتاج نفسها على أنها زارت ريدينج "مدينة الياقات الزرقاء" من العمّال، الذين عادت وزارتهم وهي امرأة ناضجة وجعلتهم موضوعًا للكتابة المسرحية عن "الثورات الأمريكية".

اقرأ/ي أيضًا: حوار| مرزوق الحلبي: القصيدة الرديئة رديئة لو عادت أم كلثوم إلى الحياة وغنتها

المثير في حكاية نوتاج ككاتبة هو أنها رصدت بذكاء التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت في بناء العلاقات الاجتماعية بين السود والبيض في الولايات المتحدة بسبب عدم الاستقرار الاقتصادي، الذي كان ينتج عنه في بعض الأحيان إغلاق مصانع أو الاستغناء عن مجموعة من العمال من أجل تخفيض النفقات. فعلت لين نوتاج ذلك من خلال الكتابة عن المهمشين من العمال، وعن التحول في رؤية المواطن الأبيض لنفسه من شخص له ميزة بسبب  لونه، إلى مواطن يعيش مواطنة تتآكل بسبب حكومات لا تضعه على قائمة أولوياتها.

وبينما كانت ردة فعل هذه المجتمعات هو شعورها بالضعف والتهميش، كانت تكتب عن السود بصفتهم "غير مرئيين" في المجتمع، وليس كونهم ضحايا، بل غير حاصلين على حقوق متساوية، وُصف عمل نوتاج Sweat أنه كان أول عمل أدبي "مسرحي" يضع يده على الأسباب الحقيقية لانتخاب ترامب، كما أوردت الجارديان البريطانية في مقابلة أجريت معها العام الماضي.

تمكين الهامش من المتن بالكتابة والبحث

كانت البداية في عملها Ruined الذي كتبته عام 2009 حول النساء الكونغوليات اللاتي تعرضن للتهديد بالاغتصاب والعنف في الحرب الأهلية، وفازت من خلال بجائزة بوليتزر في الكتابة، كما فاز عملهاSweat  بنفس الجائزة للمرة الثانية على التوالي في العام 2017.

تجري حكاية Sweat أو"العَرَق" في مدينة "ريدينج " في مقاطعة بنسلفانيا، وذلك بعد أن ظلت نوتاج تقوم بلقاءات مع السكان هناك لمدة عامين، وهي المدينة التي وُصفت بأنها أفقر مدينة في المقاطعة، تتحدث نوتاج عن العمال والتحولات في علاقاتهم ببعضه البعض، والاستياء والمخاوف التي تظهر عندما يؤدي عدم الاستقرار الاقتصادي إلى كشف النظام الهش لحياتهم.

افتتحت المسرحية في مسرح نيويورك العام في عام 2016، أي قبل أيام من الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن صعود دونالد ترامب  حينها قالت النيويورك تايمز عن العمل المسرحي: "إنه أول عمل يقوم به كاتب مسرحي أمريكي كبير يستدعي بقلق وبدون أحكام مسبقة، التوترات الاجتماعية الداخلية التي ساعدت على وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض".

وُلدت نوتاج في بروكلين، نيويورك، في بيت مبني من الحجر العتيق البُني في منطقة بوروم هيل، متزوجة ويعمل زوجها مخرج للأفلام الوثائقية، درست في مدرسة "يال" للدراما وعملت في منظمة العفو الدولية، وهي الآن أستاذة الكتابة المسرحية في جامعة كولومبيا.

قصة كتابة العمل الذي تنبأ بوصول ترامب إلى البيت الأبيض

اشترط مهرجان أوريغون شكسبير أن يشترك الكتاب في كتابة عمل عن الثورات الأمريكية، وضعها ذلك الأمر في حيرة، فهل تكتب عن الحرب الأهلية الأمريكية أو عن حركة الحقوق المدنية.

ثم وفي إحدى الأمسيات تلقت نوتاج رسالة بريد إلكتروني من صديقة، حكت لها قصة مأساوية عن حياتها، لم تكن الصديقة وهي أم عزباء تطلب المساعدة، بل تطلب دعمًا في البحث عن عمل من أجل العيش بكرامة.

تقودها الأقدار نحو "ريدينج" في بنسلفانيا، أفقر مدينة في الولايات المتحدة، لتقوم بعمل مقابلات مع الناس، ولتفاجأ نوتاج أنها حين تسألهم "صف لنا مدينتك"، كانت الإجابة تبدأ دومًا بـ"ريدينج كانت".

كان الناس يعيشون في الماضي بحنين لا يُصدق. تقول عنها نوتاج: "إن هذه المدينة لا تستطيع تصور نفسها في الحاضر أو المستقبل". وتضيف: " إنها صورة مصغرة لما يحدث في أمريكا اليوم، نحن في بلد فقد سرديته ولا يمكن لنا أن نملك سردية واضحة عن المستقبل، لأننا ببساطة لا نعرف إلى أين نحن ذاهبون".

شاركها العمال في المدينة قصصًا صعبة عن الأمل والخيبات والنضال من أجل العيش، قصصًا قالت عنها إنها "تكسر القلب". لكنها ساعدتها لا في أن تجعل منهم أبطالًا لقصتها المسرحية، بل إلهامًا لعمل يضع يده على مواطن الألم ويظهرها بوضوح. وأفادت أنها لم تستخدم أيًّا من الشخصيات الحقيقية التي قابلتها في أعمالها.

"العَرَق" أبعد من نص مسرحي

وصفت صحيفة النيويوركر العمل بأنه أول "معلم مسرحي لعصر ترامب"، كما قالت أن العمل "توقع انتخابه". لكن نوتاج قالت إنها شعرت بالصدمة حين "فاز ترامب". صحيح أن هناك بعض الجوانب لم تجعل هذا الشعور يصل إلى درجة اليقين، إلا أنها قالت أنها كانت ترى في أعماق المجتمع بعض العلامات التي جعلتها تفهم كيف حدث هذا. ورأت الطريقة التي تتحول بها البلاد، تقول نوتاج: "لقد رأيت مستوى معينًا من الغضب، خاصة بين الطبقة العاملة البيضاء، والتي، كما عرفت، تعبّر عن نفسها بطريقة عنيفة". وتضيف: "عندما كنت أجري محادثات مع بعض الأشخاص كان هناك شعور ما غير معلن، لكنه يظهر في كل التصرفات ألا وهو الغضب، وعدم ارتياح الأغلبية للتنوع العرقي".

تؤمن نوتاج أن النصوص المسرحية هي الأقرب بسبب تفاعل الجمهور المباشر معها

تؤمن نوتاج أن النصوص المسرحية هي الأقرب بسبب تفاعل الجمهور المباشر معها، كما ترى أنها تكتب ليس فقط للمهمشين، بل لغير المرئيين، وتذكر ذلك الصف الطويل الذي كانت تقف فيه في المتجر لدفع فاتورة وهي تحمل ابنها، حين تخطاها شاب أبيض، وقبل أن يهم بالدفع قال لها: "عفوًا لم ألحظ وجودك!".

اقرأ/ي أيضًا: مكتبة موريس عايق

استعارت نوتاج من هذا اليوم كونها ومن مثلها غير مرئيين في مجتمعاتهم، وترى أن الكتابة عن الذات حاجة: "نشعر بهذه الحاجة لتأكيد أنفسنا لأننا غائبون في المساحات السائدة، ولكن في الوقت نفسه نشعر بالإحباط من وجود حاجة حتى لتأكيد أصواتنا. هذه هي المفارقة".

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

أمجد ناصر.. أسرارُ الملحمة المعاصرة

أدونيس: هنا مزاري