06-يونيو-2018

تستخدم الحسابات الآلية لتعزيز سطوة أنظمة الحصار (Getty)

لم يعد خفيًا استخدام دول حصار قطر، لوسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدًا تويتر، لتشكيل الرأي العام والتأثير به، وقد كان لظاهرة الذباب الإلكتروني، أي تلك الحسابات المزيفة التي تعمل لصالح الدولة واجهزة استخباراتها، تأثير كبير في الدعايات التي خاضتها السعودية والإمارات لتشويه صورة قطر، لكن هذا التقرير المترجم عن صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، يكشف عن نوع جديد من تقنيات هذه الدول، وهو الحسابات الآلية، التي تقوم على ترويج وسوم أو تغريدات تهاجم قطر، أو تصب في مصلحة أنظمة الحصار.


لقد كشفت أزمة الخليج وحصار قطر من بين ما كشفت، عددًا من حالات القرصنة الإلكترونية والتأثير على مواقع التواصل الاجتماعي. ففي نهاية الشهر الماضي، شهد تويتر انتشارًا لهاشتاغ في قطر، وهو #ذكرى_فبركات_منتصف_الليل، في إشارة إلى الأحداث التي وقعت في 24 أيار/مايو 2017، حين قامت مجموعة من قراصنة الإنترنت بتوجيه من الإمارات العربية المتحدة باختراق موقع وكالة الأنباء القطرية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف نشر تصريحات مسيئة منسوبة زورًا إلى أمير قطر. وقد كانت تلك هي المرة الأولى الموثقة التي تؤدي فيها القرصنة الإلكترونية إلى إشعال أزمة دولية.

استعانت الجهات المعادية لقطر بشركات أجنبية لمساعدتها في شن بروباغاندا شرسة على وسائل التواصل الاجتماعي

لقد كانت تلك الحادثة مجرد جزء صغير من حرب سايبرية مستعرة. فقبل أسابيع من بدء الأزمة كانت الجهات المعادية لقطر قد استعانت بشركات أجنبية من أجل مساعدتها في شن حملة بروباغاندا شرسة على وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدو أن هذه الحملة لم تهدأ حتى هذه اللحظة. ولعل أهم الوسائل المستخدمة في هذه الحملة هي الحسابات الآلية (bot) على تويتر، والتي تستطيع أن تضع علامات إعجاب وتقوم بإعادة التغريد بل ولها القدرة كذلك على نشر محتوى أصلي ليصل إلى مجموعة ضخمة من مستخدمي الموقع.

فما هي هذه الحسابات الآلية بالتحديد، وما مدى تأثيرها على السياسة في المنطقة؟

التلاعب بالهاشتاغات الرائجة على تويتر

تظهر الأبحاث التي أجريناها بأن الأنظمة الخليجية تقوم على إنشاء، أو تطلب إنشاء، آلاف الحسابات الآلية من أجل التغريد بطريقة منسقة حول موضوع واحد. ففي هذا الوقت من العام الماضي وجد أحد الباحثين أن 17% من عينة عشوائية من التغريدات العربية التي تأتي على ذكر قطر قد كانت تغريدات من حسابات آلية. وبحلول أيار/مايو هذا العام ارتفعت هذه النسبة إلى 29%.

اقرأ/ي أيضًا: تويتر والسعودية.. العالم قرية صغيرة بيد الاستبداد

ولا تحاول هذه الحسابات الآلية الخاصة بأجندات بعض دول الخليج التفاعل مع المستخدمين بشكل مباشر، وتسعى بدل ذلك إلى التركيز على زيادة الانتشار لبعض التغريدات التي تقوم بها بعض الشخصيات ذات الملحوظية العالية في تويتر. فعلى سبيل المثال، تعمل الحسابات الآلية عادة على زيادة ظهور التغريدات المضادة للحكومة القطرية أو الأسرة الحاكمة في قطر، وذلك كما حدث مثلًا  في التغريدات التي تنشر على حساب @QatariLeaks المعادي لقطر. كما تم تجييش آلاف الحسابات الآلية ضد شبكة الجزيرة الإخبارية. بل وقد تم الاستفادة من هذه الحسابات في الترويج للتغريدات التي كتبها الرئيس دونالد ترامب والتي أثنى فيها على السعودية أثناء زيارته للمنطقة في أيار/مايو 2017.

وفي الغالب الأعم، فإن 90% من التغريدات التي تستخدم هاشتاغات تتعلق بالأزمة الخليجية هي إعادات تغريد لما قاله آخرون. فأقل من 30% من مستخدمي تويتر يكتبون محتوى أصليًا، ومن بين هذه النسبة فإن 2% من التغريدات فقط هي التي تحظى بحجم إعادات تغريد أكثر من غيرها مجتمعة، أي أنها توجه ما نسبته 75% من الحوارات على تويتر. هذه الحسابات المؤثرة على تويتر عادة ما تحقق هذا التأثير عبر دعم الحسابات الآلية، خاصة إن كانت تكتب ضد قطر.

تظهر الأبحاث أن دول الحصار تقوم بإنشاء آلاف الحسابات الآلية من أجل التغريد بطريقة منسقة

ولا يقتصر دور الحسابات الآلية على الترويج لبعض الآراء والتغريدات، إذ إنها تؤدي دورًا مفصليًا في كثير من الأحيان في تحديد موضوع الحوار على تويتر. فمن المعلوم أن أي مستخدم يستطيع أن يدشّن أي هاشتاغ. لكن كي يكسب هذا الهاشتاغ ملحوظية وانتشارًا فإنه يلزم استخدامه ونشره على عدد كبير من الحسابات، وإن كان بين يديك آلاف الحسابات الآلية، فإن تدشين هاشتاغ والترويج له يضحي أمرًا ممكنًا. وبمجرد أن ينتشر هاشتاغ ما ويغدو رائجًا على تويتر، يتولّد بشكل شبه تلقائي فضول ورغبة لدى مستخدمي الشبكة للمشاركة فيه.

لقد بات التلاعب بالهاشتاغات ظاهرة شائعة في الخليج، حتى أنه وبعد اندلاع الأزمة بشهر واحد، انتشر هاشتاغ على تويتر يدعو لعدم المشاركة في الهاشتاغات المريبة. ولكن ليس لدى الجميع القدرة على تمييز الغث من السمين على تويتر، وقد يصعب على البعض تحليل السياق الراهن لحالة الصراع على السوشال ميديا في المنطقة. فهنالك بعض الهاشتاغات التي تسيطر عليها الحسابات الآلية، والتي يظن البعض أنها تصريحات قطرية رسمية وتراها تظهر في بعض وسائل الإعلام. ففي برنامج "بي بي سي تريند"، والذي يتناول بعض الموضوعات الرائجة في العالم العربي، تم الحديث مرة عن خبر مفبرك  عن قيام الحكومة القطرية بخفض رواتب الجنود في الجيش القطري.

اقرأ/ي أيضًا: هل تُهدّد وسائل التواصل الاجتماعي الديمقراطية؟

وقد قام سعود القحطاني، وهو مسؤول سعودي بارز يعمل مستشارًا في الديوان الملكي السعودي إضافة إلى منصبه كمشرف عام على مركز الدراسات والشؤون الإعلامية، باللجوء بشكل مقصود إلى هاشتاغات تم توليدها عبر حسابات آلية  مدعيًا أنها تعبر عن الرأي العام القطري. وقال القحطاني في آب/أغسطس 2017 أن هاشتاغ #ارحل_تميم يتصدر في قطر وأن ذلك يعكس رغبة القطريين في الإطاحة بأمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. لكن حقيقة الأمر هي أن هاشتاغ #ارحل_تميم لا يعد مؤشرًا على الرأي العام القطري، وذلك لأنه يعود إلى حسابات آلية تنشر أخبارًا مناهضة لقطر وحسابات أخرى لغير قطريين.

الآثار بعيدة المدى للحسابات الآلية

من المفترض أن معظم ما يكتب ضد قطر موجه لمواطني الدول المشاركة في الحصار، والذي أثر على حياة الآلاف من الناس ممن يعملون في قطر أو تربطهم علاقات أسرية بقطريين، ومن هنا كانت ضرورة التركيز بشكل متواصل على شرعنة الحصار عبر شيطنة قطر وإثبات فعالية الحصار وجدواه التي لم تحصل إلا في مخيلة مشغلي هذه الحسابات.

لكن ثمة تفسير سلطوي في هذه المسألة. ففي حين تستطيع وسائل التواصل الاجتماعي أن تؤدي دورًا باعتبارها حاضنة لتشكيل الرأي السياسي، فإن الأهم من ذلك هو أنها المكان الذي يلجأ إليه المواطنون لمعرفة آراء المواطنين الآخرين، وهذا جانب أساسي في تشكيل الرأي العام وحشده.

وقع تضخيم بعض الشخصيات السياسية على وسائل التواصل قد تحقق على حساب صوت عامة الناس

إن تضخيم أهمية بعض الشخصيات السياسية وزيادة ملحوظيتها على وسائل التواصل الاجتماعي قد تحقق بلا شك على حساب صوت عامة الناس وآرائهم، وصار القول الأول والأخير لنخبة صغيرة محسوبة على السلطة. إن استخدام الحسابات الآلية لاختلاق مواضيع رائجة ذات أجندات مدسوسة وتوظيفها كمؤشر للرأي العام، يشير الى قدرة أنظمة الحكم في بعض دول الخليج على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتحكم والرقابة، وتحييد إمكانياتها الضخمة في زيادة الوعي. إن منطقة الخليج العربي تكشف لنا بأوضح صورة ممكنة كيف أن وسائل التواصل توظف كسلاح للترويج للأخبار المفبركة وخطاب الكراهية والبروباغاندا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

7 معلومات عن تويتر قد لا تصدقها!

9 طرق مجانية لزيادة عدد متابعيك على تويتر