06-فبراير-2018

سنوات العنف الداخلي والتشرذم ثم قمع السلطات، وأدت الحركة الطلابية في المغرب (أرشيفية/ أ.ف.ب)

بدأ النشاط الطلابي متزامنًا مع ظهور الجامعات الحديثة في أوروبا الغربية، حيث كانت تتشكل في المدن الفرنسية والإنجليزية مجموعات طلابية تسمي نفسها بالجمعيات العامة، خلال أوج الثورة العلمية والصناعية في نهايات القرن الـ19.

بداية من أواخر العشرينات بدأت الحركات الطلابية في الظهور بالمغرب، وتَمثل دورها أساسًا في النضال من أجل الاستقلال الوطني

غير أن هذه الجمعيات الطلابية كانت أشبه بنواد ثقافية فنية متحررة، يجتمع فيها أبناء النخبة المثقفة والطبقة الثرية. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت تظهر في أوروبا حركات طلابية متحمسة للتغيير السياسي الثوري، متأثرة بفكر ومسار الثورة البلشفية في روسيا آنذاك، وسرعان ما اجتاح الحراك الطلابي بلدانًا كثيرة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

اقرأ/ي أيضًاطلبة الطب في المغرب يهزمون الوزير!

كان المغرب واحدًا من تلك البلدان، فظهرت جمعية الطلبة المسلمين لشمال أفريقيا سنة 1927، وجمعية الطلاب المغاربة سنة 1948، ثم اتحاد الطلاب المغاربة بفرنسا سنة 1950. ومثلت هذه التجارب النواة الجنينية للحركة الطلابية المغربية، التي كان همها الوحيد في هذه الفترة هو التعريف بالقضية الوطنية، والنضال من أجل الاستقلال إبان عهد الحماية.

وعندما حصل المغرب على الاستقلال سنة 1956، بادرت مجموعة من الجمعيات الطلابية المغربية إلى تأسيس إطار جامع أطلق عليه اسم: "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، المعروف اختصارًا بـ"أوطم"، يمثل جميع الطلبة المغاربة، وسُمّي الحسن الثاني، ولي العهد آنذاك، رئيسًا شرفيًا للمنظمة الطلابية، كنوع من التوحد بين الحركة الوطنية والملكية.

وبحكم أن حزب الاستقلال كان مهيمنًا على المشهد السياسي في المغرب، فقد ارتبط "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" بالحزب، لكن اعتبارًا من سنة 1958 ستعلن المنظمة الطلابية القطيعة مع حزب الاستقلال، وهو الحزب الذي كان يتأرجح بين تيارين متصارعين، أحدها تقليدي محافظ، والآخر إصلاحي يساري، لينتهي المطاف بالحزب إلى الانشقاق، فولد حزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" سنة 1959.

بدءًا من سنة 1960 دخل "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" في مواجهة سياسية مع القصر، ليسانده في ذلك "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، الذي سيدشن فصلًا مريرًا في الصراع مع السلطة، إذ كان الطلبة اليساريون لا يتعاملون مع "أوطم" كتنظيم طلابي ينبغي أن يعمل على الاهتمام بمصالح الطلاب، بل كحزب سياسي ينبغي أن يباشر مهام التغيير السياسي بدل الأحزاب التقليدية المتهمة بكونها أحزابًا "متواطئة" مع النظام الحاكم، الذي بدوره رأى في الحراك الطلابي تهديدًا حقيقيًا، فتم حظر "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" قانونيًا سنة 1973، واعتقلت جل قياداته وصدر في حقها حكم الإعدام.

يقول مؤلف كتاب "الحركة الطلابية المغربية: قراءة في أزمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، محمد ظريف، إن "أهم مشكلة واجهتها الحركة الطلابية في هذه المرحلة هي الانقسام التنظيمي، حيث بادر حزب الاستقلال في مطلع الستينات من القرن الماضي إلى تأسيس تنظيم طلابي خاص به، وهو الاتحاد العام لطلبة المغرب، فأصبح الصراع عموديًا بين الحركة الطلابية والسلطة السياسية، من جهة، وأصبح أفقيًا بين مكونات الحركة الطلابية، من جهة أخرى".

بعد الاستقلال، دخلت الحركة الطلابية مرحلة من التشرذم والصراع السياسي الداخلي الذي أفقدها قدرتها على التنظيم والفعل

وأضاف أن مشكلة الحركة الطلابية خلال هذه الفترة هي "عدم قدرتها على الحفاظ على الكيان التنظيمي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي أصبح متماهيا مع تنظيم سياسي".

اقرأ/ي أيضًا: مقتل عمر خالق.. العنف في الجامعات المغربية من جديد

ساهمت كل تلك الانقسامات التي حدثت داخل الجسم الطلابي، بجانب القمع المفرط الذي تعرض له "اوطم" من قبل السلطة، إلى إنهاك الحركة الطلابية المغربية واستنزاف قواها، لتدخل الحركة مرحلة التيه مع سنة 1973، واستمر وضعها الراكد حتى نهاية الثمانينات.

ومع مطلع التسعينات ستفتح الحركة الطلابية المغربية صفحة جديدة من الصراع، لكن هذه المرة ليس مع السلطة، وإنما مع التيارات الإسلامية، حيث "بادرت الجماعات الإسلامية المغربية إلى ملء الفراغ داخل الجامعة، في محاولة منها لتعزيز قوتها ونفوذها من خلال مراقبة الحركة الطلابية"، يقول ظريف.

وفي هذا الصدد، أعلن في مارس/آذار 1991 عن تأسيس فصيل طلبة "العدل والإحسان"، وفي فبراير/شباط 1992 تأسس فصيل "الطلبة التجديديين" التابع لحركة الإصلاح والتجديد، وفي سنة 1993 ظهر فصيل طلبة "الميثاق" الإسلامي، وسرعان ما أعلنت الفصائل الشيوعية الراديكالية، الممثلة في "الطلبة القاعديين" معركة مفتوحة مع ما سمتها بـ"القوى الظلامية المستخدمة من قبل المخزن"، كما ظهر كذلك فصيل "الحركة الثقافية الأمازيغية" وفصيل "الطلبة الصحراويين"، اللذان لم يكونا أيضًا بمنأى عن الصراعات الطلابية.

كانت الجامعة مسرحًا مصغرًا للتناقضات الاجتماعية والسياسية التي يعرفها المشهد الأكبر للبلاد، وبحكم ضعف التكوين الفكري والحماس الأيديولوجي، تحولت الخلافات الفكرية بين الفصائل في عديد من المرات إلى مواجهات مباشرة فيما بينها في ساحات الجامعات من أجل السيطرة على الفضاء الجامعي. 

كانت مواجهات دموية، استخدمت فيها الأسلحة البيضاء والزجاجات الحارقة، على طريقة حروب العصابات، ما أسقط العديد من الضحايا في مواقع جامعية مختلفة، من مختلف الفصائل، بمدينة مكناس وفاس ومراكش ووجدة.

استمر الوضع، المتأجج تارة بين الفصائل الطلابية ذاتها وتارة أخرى مع أمن السلطة، إلى سنة 2007، وابتداءً من هذه الفترة، سيخف العنف، وسيخفت شيئًا فشيئًا الاهتمام الطلابي بالنضال، لتدخل الحركة الطلابية في معظم الجامعات المغربية في سبات طويل إلى اليوم، حتى صار عامة الطلاب يعزفون عن التطبيع مع الفصائل الطلابية ونضالاتها، بالرغم من استمرار وجود هذه الفصائل كهياكل خاوية بدون تأثير نسبي في محيطهم الطلابي ومصالحهم الجامعية أو في رسم السياسات التعليمية.

وهو ما جعل البعض يوجه نقدًا لاذعًا لمسار الحراك الطلابي بالمغرب، الحافل بالعنف والتشرذم والدخول في المعارك السياسية المفتوحة والمشتتة أحيانًا كثيرة، مع السلطة، الشيء الذي يعتبرونه "أضر أكثر مما أفاد بالجامعة المغربية"، وبدل ذلك ينادي هؤلاء بتحديث العقلية الجامعية والقطع مع الأيديولوجيات المتقادمة والعنف، من أجل فتح مجال لولادة حركة طلابية معاصرة تركز على اهتمامات الطلاب الحالية ومصالحهم الأساسية، ولا تخلط عملها النقابي بالجانب السياسي.

التحدي الأكبر للحركة الطلابية المغربية هو إعادة بناء هياكل الاتحاد الوطني للطلبة وخلق بيئة جامعية ديمقراطية محتضنة لكافة الفصائل

ويبقى التحدي الأكبر الذي تواجهه الحركة الطلابية اليوم في المغرب، هو إعادة بناء هياكل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب من جهة، وتوفير بيئة جامعية ديموقراطية تحتضن كافة الفصائل الطلابية بتلاوينها من جهة أخرى، فهل تنجح الحركة الطلابية المغربية في دخول مرحلة جديدة تعيد للجامعة قيمتها كفضاء منظم ومفتوح للحوار الهادئ والتحصيل العلمي؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجامعات المغربية.. فجوة بين التعليم وسوق العمل

جامعات المغرب.. تاريخ موسوم بالدماء