تتسارع وتيرة التطورات الميدانية في السودان، منذ إعلان قوات الدعم السريع بسط سيطرتها على منطقة المثلث الحدودي الاستراتيجية بين السودان وليبيا ومصر. فقد أصدرت قوات الدعم السريع، اليوم السبت، ما وصفته بـ"النداء الأخير" لسكان مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تمهيدًا لهجوم واسع لاقتحام المدينة المحاصرة منذ 14 أيار/مايو 2024، والتي تعاني أوضاعًا إنسانية متدهورة بسبب انقطاع المساعدات الإنسانية والنقص الحاد في المواد الغذائية.
وفي الأثناء، شنّت قوات الدعم السريع قصفًا مدفعيًا كثيفًا استهدف مواقع الجيش في مدينة الأبيّض بإقليم كردفان، الذي تحوّل إلى ساحة رئيسية للعمليات القتالية منذ استعادة الجيش السيطرة على العاصمة الخرطوم.
وفي السياق ذاته، أعلنت حكومة رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، اليوم السبت، عن بدء عملية الانتقال التدريجي للوزارات والمؤسسات الحكومية من العاصمة المؤقتة بورتسودان إلى العاصمة القومية، الخرطوم.
تحاول قوات الدعم السريع استعادة زمام المبادرة في الحرب وذلك منذ خسارتها آذار/مارس الماضي للعاصمة الخرطوم.
الفاشر
شهدت مدينة الفاشر مساء أمس قصفًا مدفعيًا نفذته قوات الدعم السريع على وسط المدينة، حيث تتمركز الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني. كما طال القصف الأحياء السكنية، في وقت يعاني فيه السكان من نقص حاد في الإمدادات الغذائية.
وجاء هذا القصف مباشرة بعد إصدار قوات الدعم السريع، صباح الجمعة، تعميمًا ادّعت فيه أنها "نجحت في تأمين خروج آلاف المدنيين من مدينة الفاشر ومراكز الإيواء في منطقة قرنة بولاية شمال دارفور".
وكان القائد الثاني في قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، قد دعا قبل أيام الجيش السوداني والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح إلى الخروج من الفاشر، "مع ضمان سلامتهم وأمنهم".
وردت القوة المشتركة على هذه الدعوة ببيان وصفت فيه دعوة دقلو بأنها "محاولة بائسة لاستمالة شباب المدينة"، مضيفة أن عبد الرحيم دقلو "يحاول استنفار الأبرياء ودفعهم إلى محرقة معاركه الخاسرة".
وتواصل قوات الدعم السريع نشر نداءات تطالب بإخلاء المدينة، مهدّدة باقتحامها، في وقت يؤكد فيه الجيش السوداني أن ما يمنع قوات الدعم السريع من اقتحام الفاشر ليس حرصها على سلامة المدنيين، بل عجزها عن ذلك. ويضيف الجيش أنه لولا هذا العجز، لما لجأت هذه القوات إلى تجويع السكان عبر منع قوافل المساعدات الغذائية من دخول المدينة.
وفي بيان جديد، قالت القوة المشتركة إنها "تمكنت، إلى جانب الجيش، من هزيمة قوات الدعم السريع في 212 معركة على أسوار مدينة الفاشر"، مشيرة إلى تحقيق تقدم ميداني جديد في محيط المدينة خلال الساعات الماضية.
وترجّح مصادر محلية أن القوات المسلحة والقوة المشتركة تخططان لفك الحصار عن الفاشر عبر تنفيذ عمليات خارج المدينة، تهدف إلى "قطع خطوط الإمداد عن قوات الدعم السريع". وتربط هذه المصادر بين تلك المساعي والغارات الجوية الأخيرة على مدينة نيالا، التي استهدفت مواقع تستخدمها قوات الدعم السريع لتموين مركباتها ومقاتليها.
مدينة الأبيّض
تعرّضت مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، لقصف مدفعي من قبل قوات الدعم السريع، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة اثنين على الأقل. وتشهد المدينة قصفًا متكررًا، يستهدف أحياء سكنية ومرافق صحية بشكل شبه يومي.
ويُشار إلى أن الجيش السوداني خسر، خلال الفترة الماضية، عددًا من المناطق الاستراتيجية في إقليم كردفان، من بينها الدبيبات، الحمادي، والخوي، مما جعل الأبيض تحت تهديد مستمر بالقصف المدفعي من قبل قوات الدعم السريع.
تأمين خطوط الإمداد
تحاول قوات الدعم السريع استعادة زمام المبادرة في الحرب المستمرة منذ عامين، لا سيما منذ خسارتها للعاصمة الخرطوم في آذار/مارس الماضي.
ويرى عدد من المختصين في الشأن السوداني أن هاجس قوات الدعم السريع حاليًا يتمثل في تأمين خطوط الإمداد من عدة اتجاهات، خاصة تلك القادمة من المناطق الحدودية، التي تشكّل مصدرًا رئيسيًا للإمدادات اللوجستية والعسكرية في ولايات إقليمي دارفور وكردفان.
وتُعدّ منطقة المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا، على سبيل المثال، طريقًا حيويًا لوصول الوقود، المواد الغذائية، والأسلحة إلى قوات الدعم السريع. كما تحتضن هذه المنطقة، بحسب تقارير لـ"بي بي سي"، مناجم ذهب نشطة وأخرى محتملة، فضلًا عن كونها واحدة من أبرز ممرات تهريب البشر من القرن الإفريقي إلى ليبيا ومنها إلى أوروبا. كما تنشط فيها تجارة السلاح، مستفيدة من وعورة التضاريس وصعوبة الرقابة.
