الحرب في السودان.. تغيير حكومي وحراك دولي وسط استمرار المعارك

من المقرّر أن يعقد مجلس الأمن الدولي، اليوم الإثنين، اجتماعًا خاصًّا لبحث الأوضاع في السودان، وذلك في ظلّ التطورات الأخيرة وتصاعد حدّة المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي تُفاقم الأزمة الإنسانية المتدهورة. فقد أدّت سيطرة قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للاجئين إلى موجة نزوح جماعي جديدة، فيما يُنذر الحصار المستمر على مدينة الفاشر، المكتظّة سكانيًا في إقليم دارفور، بكارثة إنسانية وشيكة. ويُضاف إلى ذلك محاولة قوات الدعم السريع نقل هجماتها إلى ولايات الشرق التي ظلّت بعيدة عن الحرب طوال العامين الماضيين، حيث بدأت منذ أواخر نيسان/أبريل بشنّ هجمات باستخدام الطائرات المسيّرة استهدفت البنية التحتية للطاقة والنقل في كل من بورتسودان وكسلا.

وفي سياقٍ متّصل، يتّجه مجلس السيادة السوداني إلى إجراء تعديل حكومي واسع يشمل تغيير رئيس الوزراء، في وقتٍ تتواصل فيه المعارك على الجبهات الرئيسية في دارفور والعاصمة الخرطوم.

اتخذ مجلس السيادة السوداني قرارًا بإعفاء دفع الله الحاج من منصب رئيس الحكومة، وكلّف بدلًا منه كامل إدريس.

إحاطة جديدة أمام مجلس الأمن

يُقدّم المبعوث الأممي الخاص إلى السودان، رمطان لعمامرة، اليوم الإثنين، إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي حول تطورات الأوضاع في السودان. وتتضمن الإحاطة، بحسب مصادر في الأمم المتحدة، عرضًا لـ"ديناميكيات الصراع المتغيرة، بعد الهجوم الواسع الذي شنّته القوات المسلحة السودانية أواخر عام 2024، وأسفر عن تحقيق مكاسب ميدانية كبيرة ضد قوات الدعم السريع، خاصة في وسط البلاد". كما ستتضمن الإحاطة توضيحًا للتحديات الإنسانية المتفاقمة نتيجة اتساع رقعة الصراع وتصاعد حدّته.

ويُشار إلى أنّ مديرة قسم التمويل الإنساني وتعبئة الموارد في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، ليزا دوغتن، ستكون إلى جانب لعمامرة خلال الجلسة، حيث من المتوقع أن يحثّ الطرفان أعضاء مجلس الأمن على اتخاذ تدابير عاجلة لزيادة المساعدات المقدّمة للسودان، وتوفير الحماية اللازمة لها من النهب أو عرقلة إيصالها إلى مستحقّيها في مخيمات النزوح المنتشرة، والمهددة بخطر المجاعة وتفشّي الأوبئة.

تغيير حكومي: بحثًا عن توازنات جديدة

أفادت مصادر سودانية مطّلعة بأن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، قرّر اليوم الإثنين إعفاء دفع الله الحاج من منصب رئيس الحكومة، وتكليف الدكتور كامل إدريس بديلاً عنه.

وذكرت مصادر لموقع "الترا سودان" أن اختيار إدريس جاء بعد توافق واسع بين عدد من المكونات والمجموعات السياسية، مشيرة إلى أنه يتمتع بقبول عام.

وبحسب المعلومات المتوفّرة، فإن كامل إدريس من مواليد 1954 في مدينة أم درمان، حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة، وسبق له أن شغل منصب المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، كما ترشّح في الانتخابات الرئاسية عام 2010 كمستقل في مواجهة الرئيس الأسبق عمر البشير.

وأكّدت المصادر أن الإعلان الرسمي عن التشكيلة الحكومية الجديدة سيتم خلال الساعات المقبلة، على أن تتضمّن تعيين امرأتين تمثلان شرق السودان ووسطه. كما سيُضمّ محمد عثمان الحسين، رئيس أركان الجيش، إلى مجلس السيادة بعد انتهاء فترة رئاسته لهيئة الأركان.

وأضافت المصادر أن "ممثلي حركات الكفاح المسلح الموقّعة على اتفاق جوبا للسلام سيحتفظون بمناصبهم في مجلس السيادة"، وأن المجلس يعتزم تشكيل حكومة جديدة بصلاحيات موسّعة لتسيير شؤون البلاد. ومن المتوقع أن يعمد رئيس الوزراء الجديد إلى إعفاء جميع الوزراء الحاليين، باستثناء الممثلين عن اتفاقية جوبا، بعد التشاور مع الجهات المعنية.

ووفقًا للمصادر، فإنّ "الحكومة المرتقبة ستكون مؤلفة في معظمها من كفاءات مستقلة، من دون محاصصة سياسية".

التطورات الميدانية

أعلنت القوات المسلحة السودانية استعادة السيطرة على منطقة العطرون الواقعة في ولاية شمال دارفور، غرب البلاد. وفي بيان صادر عن حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، أكّد أن القوات المسلحة والقوات المشتركة "حققت انتصارًا كبيرًا بتحرير منطقة العطرون الاستراتيجية من قبضة ميليشيا الدعم السريع الإرهابية". وأشاد البيان بالعملية، واصفًا إياها بـ"المنسّقة والدقيقة"، والتي أسفرت عن تكبيد الدعم السريع خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.

من جهتها، أصدرت القوات المشتركة بيانًا مماثلًا، أكّدت فيه تحرير المنطقة، وقالت: "نعلن بفخر واعتزاز عن تحرير منطقة العطرون الاستراتيجية في صحراء شمال دارفور"، مضيفة أن هذا الإنجاز "جاء نتيجة عملية عسكرية دقيقة ومنسقة بالتعاون مع القوات المسلحة".

وتُعد العطرون منطقة استراتيجية تربط ولاية شمال دارفور بالمناطق الشمالية، عبر طريق يمتد نحو المثلث الحدودي بين السودان، ومصر، وليبيا، وتشاد.

وكانت قوات الدعم السريع قد أعلنت في 9 نيسان/أبريل الماضي سيطرتها على المنطقة، عقب اشتباكات عنيفة مع الجيش السوداني والقوات المساندة له.

أعلنت السلطات السودانية استعادة منطقة العطرون من قوات الدعم السريع

تصعيد جديد: درع السودان تؤكّد مقتل عشرة من عناصرها

في سياق متّصل، أعلنت قوات درع السودان، اليوم الإثنين، عن ارتفاع عدد قتلاها في الهجوم الذي شنّته قوات الدعم السريع، أمس الأحد، على معسكر جبل الأبايتور، إلى عشرة قتلى. ووصف بيان صادر عن قوات درع السودان، بقيادة أبو عاقلة كيكل، الهجوم بأنه "امتداد للسلوك الجبان الذي ظلت تنتهجه ميليشيا الدعم السريع المتمردة"، على حد تعبير البيان.

ويُذكر أن أبو عاقلة كيكل كان يشغل سابقًا منصب قائد قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، قبل أن يعلن انشقاقه عنها في تشرين الأول/أكتوبر 2024، ويلتحق بالجيش السوداني. وبعد معركة الخرطوم، تعهّد كيكل بتوجيه قواته نحو مدينة الفاشر، للمساهمة في فكّ الحصار عنها، ودحر قوات الدعم السريع من محيطها.

وتشهد الفترة الأخيرة تصعيدًا لافتًا من جانب الدعم السريع، إذ كثّفت هجماتها على مناطق سيطرة الجيش منذ أواخر آذار/مارس الماضي، معتمدة على الطائرات المسيّرة بعيدة المدى والانتحارية. وطالت هذه الهجمات مواقع عدّة، أبرزها أم درمان غرب العاصمة، وبورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة، ومدينة كسلا شرقي البلاد.

ومنذ اندلاع الحرب السودانية في منتصف نيسان/أبريل 2023، قُتل أكثر من 20 ألف شخص، فيما تسبب النزاع في نزوح أكثر من 15 مليون نازح ولاجئ، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة والسلطات المحلية. في المقابل، تشير تقديرات غير رسمية صادرة عن جامعات أميركية وبريطانية إلى أنّ عدد القتلى قد تجاوز 120 ألفًا.