تبتعد أوكرانيا وروسيا شيئًا فشيئًا عن وقف الحرب؛ فكلما انتعشت فرص التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، ازدادت وتيرة التصعيد بين الجانبين. فمع تنفيذ كييف وموسكو، هذا الأسبوع، واحدة من أكبر عمليات تبادل الأسرى، وعقدهما مفاوضات مباشرة هي الأولى من نوعها منذ آذار/مارس 2022، عاد التصعيد ليهيمن على المشهد خلال الأيام الثلاثة الماضية.
وفي أحدث موجة من هذا التصعيد، شنّت روسيا، فجر اليوم السبت، هجومًا واسعًا على العاصمة الأوكرانية كييف، مستخدمة عشرات الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، ما أدى إلى سقوط ضحايا واندلاع حرائق في عدد من أحياء المدينة بسبب حطام الطائرات والصواريخ.
وبحسب شهود عيان تحدثوا لوكالة "رويترز"، هزّت سلسلة انفجارات متتالية العاصمة كييف ليلة أمس وصباح اليوم، وسط تحليق مكثف للطائرات المسيّرة.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: روسيا مستعدة لتسليم كييف مسودة وثيقة، تتضمن الخطوات والشروط اللازمة لتحقيق سلام طويل الأمد
شنّت روسيا هجومًا جويًا واسعًا، بحسب وكالة "رويترز"، ردًّا على قيام أوكرانيا بإطلاق نحو 800 طائرة مسيّرة استهدفت مواقع داخل روسيا، بما في ذلك العاصمة موسكو. وعلى الرغم من ضخامة الهجوم الأوكراني، فإنه لم يتسبب في سقوط ضحايا أو إصابات مدنية، بينما أسفر الرد الروسي عن وقوع إصابات وأضرار مادية جسيمة في المباني السكنية.
وأظهرت صور نشرتها بلدية كييف تصاعد ألسنة اللهب وأعمدة الدخان من وحدات سكنية، جرّاء اصطدام المسيّرات بها. وفي هذا السياق، قال عمدة كييف، فيتالي كليتشكو، إن وهجًا برتقاليًا أحمر أضاء سماء المدينة، في إشارة إلى القوة التدميرية للمسيّرات والصواريخ التي استهدفت مناطق عدة، أبرزها سولومينسكي على الضفة الغربية لنهر دنيبرو، ودنيبروفسكي على الضفة المقابلة، إلى جانب منطقة أوبولون في الضواحي الشمالية.
وأفادت المصادر الأوكرانية بأنّ الإنذار الجوي استمر لأكثر من ساعتين بعد إطلاقه، في دلالة على كثافة الهجوم وطول مدته.
روسيا "تتمادى لأنها أمِنت العقاب"
اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن الهجوم الروسي، الذي نُفّذ بواسطة المسيّرات والصواريخ الباليستية، يُعد دليلًا إضافيًا على أن موسكو "تعرقل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار". وأضاف أن "كل هجوم من هذا النوع يُقنع العالم بأن روسيا هي من يطيل أمد الحرب"، مؤكدًا أن موسكو لن توافق على وقف إطلاق النار إلا بفرض "عقوبات إضافية على قطاعات رئيسية من اقتصادها".
وكان عدد من حلفاء أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي قد لوّحوا بفرض عقوبات جديدة على موسكو، في محاولة للضغط عليها للموافقة على اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا، واستئناف المفاوضات المباشرة لإنهاء الحرب.
وبات من شبه المؤكد، بحسب تسريبات دبلوماسية، أن الاتحاد الأوروبي سيقرّ قريبًا حزمة جديدة من العقوبات، خاصة بعدما أبلغ الرئيس الأميركي دونالد ترامب القادة الأوروبيين بأن روسيا "غير مستعدة بعد لإنهاء الحرب"، وتعتقد أنها لا تزال في موقع مريح يتيح لها الاستمرار.
لكن، وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، أبلغ ترامب الأوروبيين أيضًا أنه غير معني حاليًا بفرض عقوبات أميركية جديدة، معتبرًا أن من شأن ذلك أن يضرّ بفرص الوساطة التي تقودها بلاده بين كييف وموسكو. ومع ذلك، دعا الأوروبيين إلى مواصلة الضغط على روسيا باستخدام أداة العقوبات الاقتصادية.
تبادل الأسرى: بوادر إيجابية وسط التصعيد
في خضم التصعيد، رحّبت إدارة ترامب ببدء المرحلة الأولى من عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، والتي شملت إطلاق سراح 270 عسكريًا و120 مدنيًا من الجانبين. ومن المتوقع أن تُستكمل العملية اليوم السبت وغدًا الأحد، لتشمل في المجمل الإفراج عن ألف أسير من كل طرف.
وعلّق الرئيس ترامب على العملية بالقول إنها "الخطوة الأولى نحو المزيد من التطورات الإيجابية"، في إشارة إلى إمكان خلق زخم دبلوماسي يُفضي إلى حل دائم.
في المقابل، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، استعداد بلاده لتسليم كييف "مسودة وثيقة تتضمن الخطوات والشروط اللازمة لتحقيق سلام طويل الأمد".
وتشمل المطالب الروسية انسحاب أوكرانيا من مسار الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، التنازل عن بعض الأراضي، تقليص حجم الجيش الأوكراني، ورفض نشر أي قوات غربية على أراضيها. في حين تعتبر كييف هذه الشروط بمثابة "إعلان استسلام"، وتدعو إلى اتفاق وقف إطلاق نار غير مشروط، تمهيدًا لبدء مفاوضات حقيقية لإنهاء الحرب.