15-أكتوبر-2015

هاني راشد/ مصر

إله المهربين

آكلُ زهورًا جافّةً وأتذكّرُ أشياء
أتذكرُ وقفتي هنا طالتْ
وأشربُ على الذكرى
وأنسى عليها
لا أخبرُ أحدًا بشيء
أمرّ على المحبّات والكراهات بفظاظةِ السكران
ما عبرتهُ أعبرهُ من جديد
ما لم أعبرْهُ مصفّدٌ أمامي
هناك سمكٌ كثير في كمّي
زهور مطحونةٌ بين ضروسي
أكبادٌ عن غير عمْدٍ أكلتها
يسيل حبرها من أطراف شفتيّ
أمشي إلى الجانب كسرطان ثم أمشي إلى الأمام
هذه صخرةٌ وهذا طريق
لا أبرحُ الشاطئ والشاطئُ ملآن طحينَ حيتان وماءً
لي تحت الماء قواقعُ وعلى البر أنفاق
آكل زهورًا جافة وأتذكرُ أشياء
أتذكرُ وجوهًا وحواف وجوه
معتمةٍ في جيبي
أخذتكِ عبرَ البوابة، حيثُ يعرفونني جيدًا
مضيتُ بكِ إلى الأسفل، حيث التحياتُ حمضيةٌ ويائسة
انتظرتُ انقضاء ما أتى بكِ إلى هنا
وسأخرجكِ 
مثلَ عربةِ المناجمِ المجنونة
لا تنظري إلى وجوه الحجارة
إنها وجوه معذبين.

 

أسماك حارة

تعالي نتصرف كبالغين
كما يقولون في تلك الأفلام
لا أنا أترك لك وردًا على كفّيكِ وأنتِ نائمة
ولا أنتِ تفتحين لي الشبّاكَ
لأدخل كسربٍ من الأسماكِ الهاربةِ من الحرّ
إلى غرفةِ النوم وأهوي، سمكةً سمكةً على السرير.
لنتصرف إذن كزوجٍ من نوعين مختلفين من الكائنات
كلب وقطّة تلاقت أعينهما وتعرفا على الهرب فيها
قرد ياباني حزين يجلس في نبع الماء الساخن
وعصفورة قد تحط على شيبته التي تهتز حسب جراح العالم
فنحن لسنا النوع نفسه من الذئاب
كذلك الزوج إذن دعينا نتصرف
نلتقي في مواسم الهجرات
ونفترق تاركين نتف الفراء والريش
معلقة في وحشتينا
والرياح ستكنس كل هذا بعدها
هكذا سنكون
أنا عمود الإضاءة المرتعش في دربّ طيني في إحدى البلدات البعيدة
أنت ذلك الكرسيّ الخشبي المسند إليه
ننتظر معًا شاعرًا محتارًا ليأتي ويجلسَ إلينا
ويكتب شيئًا أو اثنين عن وحدته المخبولة.

 

في أغلب الوقت

في أغلب الوقتُ أكون جاهلًا
أبطشُ بالعالم، لا أدري من أين تؤكل الكتف
ولا من لي ومن عليّ
في أغلب الوقت
لا أدري لأي مدًى صرتُ وحشيًا أو لطيفًا
حتى أن كلّ هذه الهياكل العظمية
ممسكة بقدمي.
في أغلب الوقت أنا حائر
هل هناكَ صوتٌ حقيقيّ وراء الأصوات التي تنادي: اقتلوه! اسمعوه!
صوتٌ بعيد ومتماسِك
صوتٌ أسبقُ من الكتابات التي تركها الأقدمون هكذا أمام عيني
مليئة بالأسرار
في أغلب الوقت
أسأل نفسي: هل من الطبيعي أن يقرأ طفلٌ في الرابعة قصص ابن كثير الجهنمية؟

 

التي يدبّ فيها الرصاص

لن أنظر إليهن
في كل مكان،
بأقدام كاذبة،
وعيون خوانة.
تلكَ تسبّني في سرها
هذا الولد
ليثقب عينه الرصاص
وتلك ترتمي بيني وبين البوتاجاز
مديرة ظهرها إليّ
في اللحظة التي تفور فيها القهوة
قهوة من يدكِ
من كيس بنّ طازج
مدسوس بين فخذٍ وسرير

 

قصيدة الراديو

كمترجمٍ
عليكَ أن تحاول لمرةٍ واحدة
أن تقطّر الأشجار
-بالرغم مِن محاولاتٍ كوزموبوليتانية مستمرة لقلعها وحذفها من النص-
وأن تقول "إنبيق"
ضاربًا بعرض الحائط
رؤوسًا مليئة بالكساد
وهذا هو الراديو
ضمن الراديو
أن تريد أن ترفع صوت الموسيقا
أن تصبح محطة بث سكرانة
أن تترجم الشجرة إليكَ
ثم تترجمكَ إلى الفأس
أن، بأنملةٍ، توقفَ فأسا متجهةً إلى جذعك
فأسًا مدويةً ومفرطة
بينما يطعنك أحمد عدوية بذكريات ليست لك
أو يعلن عليكَ السوبر ماركت غياب القهوة من على الرفوف
يلعن دين السوبر ماركت
الراديو 
قصيدة الراديو هذه 
لن أتحدث فيها عن حبيبتي
ولا عن المرّات الواحدة
فالمرات الواحدة
لا تتكرر