05-أبريل-2020

معلقة في نيويورك تشخص آل باتشينو من شريط الوجه ذو الندبة (GBeebe Art)

تكون الحاجة أو حاجات الإنسان، مدركة وغير مدركة، أقل تسببًا بالثقل في مساحات التمني أو العمل عندما تتعلق بما يمكن تسليعه أو تداوله كسلعة على تنوع هذا الشيء/الحاجة. لكن في الحالات التي تتعلق فيها الحاجة بما هو وراء السلعة أو ما فوق التسليع، دون الذهاب بعيدًا نحو التقول بالتشيؤ، لا يحضر الثقل وحده، بل تتوفر إمكانية المفاجئة بعدم صلاحية أية حتمية أو استخبار.

لا يمكن للموت أن يكون من بين الحاجات التي تلتقي مع الفطرة السليمة على ذات المائدة لذاته، إنما لتقديم بعض الإجابات أو الحلول للحياة في ذاتها

يمكن لتناول حاجات الإنسان أن يصل للاشتمال على الحياة نفسها، أي أن تكون حياة الإنسان المعني/ الجماعة المعنية هي الحاجة بذاتها. لكن ولا بأي شكل متوفر يمكن للموت أن يكون من بين الحاجات التي تلتقي مع الفطرة السليمة على ذات المائدة لذاته. دون ما يسخر لحاجة الحياة، وبدون نفي إمكانية أن يشكل هذا الموت حلًا بذاته.

اقرأ/ي أيضًا: سينما الضوء الشفاف

من بين الحاجات التي نشدها الإنسان كثيرًا وطويلًا وباستمرار لم ينقطع، ولا يبدو أنه سينقطع، الحاجة لبطل/ أبطال، ولموضوعات تتخذ لبوس الحل النهائي، من باب الخلاص أو تهديد الوجود، لكن لا الحالتين معًا بأي حال.

هذا في جانب منه ينبت في أرض الجور والحيف، حيث يسقط دائمًا الأبطال الإشكاليون، يوازيهم في الاستعمال الأدبي للعالم صديق هوميروس أخيليوس ورفيق الراحل حنا مينا على الورق، وربما في الميناء،  زكريا المرسنلي، كذلك حنظلة الشهيد ناجي العلي وعيسى بن مريم وآخرون.

في الأرض عينها تكون سيرورة الحاجة للأبطال، عند انبعاثهم الأولي يأتون لسد مسد العدالة المغيبة. لكن توخيًا لبراعة البشر في تكثيف وبناء المتلازمات، طالما أسقط سؤال تغييب العدالة نسبيًا لصالح استحضار الأبطال ومتلازمة البحث عن بطل. هذا لو لم تغفل العدالة استحقاق "البادئ أظلم". 

لماذا؟ سؤال يتعلق بطبائع الإنسان وظروف البشرية. أما الإجابة/ات فمتروكة لمساحات التأويل دون أدنى ادعاء. ربما ستنتظر الإجابة أيضًا، دورها في بناء المتلازمات، بحثًا عن عبد الرحمن بن خلدون أو أنتونيو غرامشي ما! لكن دائمًا ما فاجئ الإنسان نفسه عبر رحلات بحث معمقة ليعد أدراجه نحو الإجابة التي كانت مستلقية على مرمى شريط سينمائي أو تلفزي. تمامًا كما يمكن أن يكون الأبطال على مقربة في أي نقطة زمكنة في الكوكب.

في مساحة شاسعة من إشكالية اختيار الإجابة لمكمنها، أن الإنسان غالبًا ما يعتقد بكلية العلم، لا معرفته هو بالضرورة، وبكلية الميتافيزيقيا دون أن تصير علمًا، مغيبًا لكلية الكل مثلًا. في الأثناء، غالبًا أيضًا، ما يغيب عن خلفية شاشة مساحة التفكير اللانهائية في رسم حدود التضييق على ذاتها، أن لا ضمان حقيقي بأن هذا الافتراض أو تلك المحاولة في التساؤل أو التنمر في الإجابة أصيلة حقًا، أي ما الذي يضمن للإنسان أن هذه الفكرة تحديدًا التي تمر الأن في تفكيره هي وليدة تفكيره هو؟.

في سنة 1983، ومع آثار جولات رونالد ريغان الخرائبية في بلاده وفي الكوكب، قدمت عدسة براين دي بالما تشكيلًا لأحد نصوص أوليفر ستون النادرة حقًا. المقصود رائعتهما السينمائية التي تشارك بطولتها بألفة وحشية آل باتشينو مع ميشيل فيفر.عندها، بل ومنذ إطلاق الشريط في الصالات وخارجها، تحول فيلم Scarface إلى قطب دفع في الشارع الأمريكي خصيصًا، في وقت كانت البطولة قد ذوت فيه بعض الشيء. فحضر الوجه ذو الندبة حتى في لكنة أبناء الهامش، الواسع والموسع، كما على قمصانهم وقلائدهم ووشومهم. كل هذا بسيميائية لا تصب إلى في الرفض وفهم أوان الرفض وضروراته.

بعد قرابة 4 عقود من الوقت، وفي كوكب لا تقل ظروفه انحطاطًا خرائبيًا، أقدم أليكس بينا رفقة موسيقى مانيل ساناشتيبان على خلق مسلسل La casa de papel ببراعة تطبيقية وحسية نادرة أيضًا، لكن هذا شأن يتعلق بتقييم المشاهدين بالتأكيد، كل على حدة.

بيدرو ألونزو في دور برلين

صحيح أن كلًا من عمل براين دي بالما "الوجه ذو الندبة"، وعمل أليكس بينا "بيت الأوراق" يحملان تأويلات ودروس واستفهامات شاهقة، رفقة أسئلة قبلية وحمولة بصرية لا يستهان بالمخيال الذي أوجدها، ولا حتى بالـ"صنايعية" الذين ترجموها واقعًا مرئيا.

كما هو صحيح أن تجارب التحقيق بالتعذيب والاستجواب وما شكلتهما من مفاجئة في العملين، قد لا تخطر ببال كثر ممن لم يجلسوا يومًا في أحد الأقبية ناظرين إلى أعماق وحوش تبتغي المعلومة أو التوريط/الانتقام. وإن لم تقترب، هذه التجارب المصورة، دائمًا من الواقع الحقيقي لا البصري فقط، الذي يمكن له أن يتفوق على أي خيال ممكن. إلا أنها، أي تجارب التحقيق في العملين، تستبطن إمكانية الإفادة اللامحدودة، أقله في باب معرفة أن على من يقع موقع الضحية في عملية مشابهة أن يتوقع كل شيء، لكن أولًا يفترض الإقرار الواعي أن من بين إجابات الحياة، قد يكون الموت.

آل باتشينو في دور توني مونتانا

أما سيرورة تلق الضربات والرد عليها ومناورتها، وما يجلبه كل هذا من أدرنالين لذيذ ومتسارع أغلب أوقات العرض، فيبدو أن فعلها يأتي محايثًا لحركة الواقع وما فيها من أدرنالين متولد أثناء مغالبة وجه السلطة الحقيقي، الظاهر بوضوح في العملين لمن أراد رصده، ومراكمة النضال المستمرة، بما فيها من هزائم متوقعة.

بعيدًا جدًا عن تحليل معدل المشاهدات ونسبه، العملاق للمناسبة، يبقى سؤال، لماذا تحمل قطاعات واسعة من ساكنة الكوكب أعمالًا شبيهة وتصهر وعيها عليها؟ ربما في استمرار البحث عن بطل والانتقام من وجه السلطة الحقيقي تجريب أولي للإجابة. لكن ما دون أدوات الاستفهام والاستخبار والتذكير والتحريض التراكمي في العملين لن يهتدى إلى ما يعول عليه، هذا أن الإجابة ممكنة هنا بنسبة ما، لكن الحل يبقى هناك، أمام الوجه الحقيقي للسلطة وفي عقر دارها لا في ملعبها. لتكن لعبة الحلول لا الإجابات والقواعد لا القوانين بكامل عتادها. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الدلعونا وأزمة العصر

الميتافيزيقيا إن صارت علمًا