20-نوفمبر-2019

البغدادي والجولاني (ألترا صوت)

بعد نحو 5 سنوات من إعلان نفسه خليفةً للمسلمين، قُتل أبو بكر البغدادي في عملية عسكرية أمريكية استهدفت مكان إقامته شمال محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقًا)، أشدّ وألدّ أعداء البغدادي ودولته.

يدفعنا مقتل البغدادي إلى السؤال عن سبب أفول "داعش" رغم إمكانياتها الضخمة، وبقاء "النصرة" التي شارفت على الزوال بعد حربها الخاسرة معها؟

لعلّ مقتل الشخصية التي استطاعت شقّ وحدة الصفّ الجهادي، في منطقة خاضعة لسيطرة أبو محمد الجولاني، يدفعنا للتساؤل عن سبب أفول "داعش" رغم إمكانياتها الضخمة، وبقاء "النصرة" التي شارفت على الزوال بعد حربها الخاسرة معها؟

اقرأ/ي أيضًا: هل سيخلع الجولاني العمامة حقًّا؟

في هذه الورقة البسيطة، سنحاول الإجابة على تساؤلنا هذا من خلال توضيح نقاط الخلاف بينهما، داعش والنصرة، أيديولوجيًا وتنظيميًا وإداريًا وفقهيًا.

لا يبدو صائبًا القول إنّ السلفية الجهادية السورية، بعد تجربة الطليعة المقاتلة التي ظهرت في أواخر السبعينات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، كانت متواجدة في بيئة تُمكّنها من العمل على بناء تجربة خاصّة وقادرة على التأثير في المجتمعات المحلّية السورية التي لم توفّر ولأسباب مختلفة، حاضنة شعبية للتجارب الجهادية ذات التوجهات الأممية.

في المقابل، يُمكن القول إنّ السلفية الجهادية السورية استعادت بعضًا من نشاطها في سنوات الاحتلال الأمريكي للعراق. أي حينما تحوّلت الحدود السورية – العراقية عامي 2005-2008، إلى نقطة وصول رئيسية للجهاديين إلى العراق.

ساهمت ظروف تلك المرحلة في إحياء السلفية الجهادية السورية، بالإضافة إلى إيجاد جيلٍ جديد من الجهاديين الطامحين إلى منح النشاط السلفي السوريّ طابًعا مؤسّساتيًا وحركيًّا يُلغي سريّته. إلّا أنّ ذلك لم يتحقّق إلّا بعد انطلاق الثورة السورية، وانتقالها باتّجاه العمل العسكري المسلّح الذي أوجد البيئة اللازمة لظهورها، أي الجماعات السلفية التي مثّلت القوى الجديدة الصاعدة في سوريا. لا سيما بعد تشكيل البنى الاجتماعية ما دون الوطنية ملاذًا للفرد. بالإضافة إلى الظروف التي كانت فيها المجتمعات المحلّية مُستعدّة للالتفاف حول أي جهةٍ تواجه النظام وعنفه، بغضّ النظر عن هويتها.

ينفي ما ذكرناه وجود حاضنة شعبية للسلفية الجهادية في البيئة السورية. ويؤكّد في المقابل أنّ الحاضنة الشعبية كانت حاضنةً للاحتجاج بشكلٍ عام، ولأي جهةٍ قادرة على مواجهة السلطة. وبما أنّ الحركات السياسية الوطنية كانت أضعف من أن تملأ الفراغ الذي خلّفه غياب الدولة، سارعت الجماعات الإسلامية، بما في ذلك السلفية الجهادية، إلى فعل ذلك. ولا نُغفل هنا فكرة أنّ بعض التنظيمات فرضت نفسها على هذه المجتمعات بالقوة مثل تنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة فيما بعد.

استعادت السلفية الجهادية السورية بعضًا من نشاطها في سنوات الاحتلال الأمريكي للعراق

في سياق هذه التحوّلات، شرعت القاعدة تبحث مع فرعها العراقي، دولة العراق، مسألة إنشاء فرعٍ لها في سوريا تحت إشرافها، أي الدولة، شرط ألّا يُعلن عن هويته، بُغية تجنّب الأخطاء التي وقع فيها الفرع العراقي، وتيسير العمل بعيدًا عن أجهزة الاستخبارات، وبناء علاقة قوية مع الفصائل المسلّحة، والمجتمعات المحلّية. والنتيجة مشروع قدّمه الجولاني إلى البغدادي كانت ثمرته ولادة جبهة النصرة من رحم دولة العراق الإسلامية، لا القاعدة.

اقرأ/ي أيضًا: بعد مقتل البغدادي في سوريا.. هل انتهى تنظيم الدولة الإسلامية؟

في شريط مرئي قدّمته مؤسّسة المنارة البيضاء الإعلامية، بتاريخ 23 كانون الأول/ يناير، أعلن أبو محمد الجولاني تأسيسه "جبهة النصرة لأهل الشام: من مجاهدي الشام في ساحات الجهاد". وذلك في كلمةٍ قصيرة أظهرت تنظيمه ملتبسًا لجهة الأيديولوجية والمرجعية الفقهية. قريبًا من نهج القاعدة ومُتمايزًا عنه. يميل لدولة العراق ويفترق عنها. الأمر الذي أتاح للجولاني استقلالية وصلت إلى حدّ افتراقه عنهما، لصالح مشروع جديد تكون فيه اليد العليا له. وقبل توضيح سيرورة تمايز النصرة عن القاعدة والدولة، يجب أن نوضّح طبيعة الخلافات بينهما أوّلًا.

قبل إعلان أبو مصعب الزرقاوي بيعته لتنظيم القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن في تاريخ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2004، عمل الجهادي الأردني بضعة سنواتٍ تحت راية "التوحيد والجهاد" التي أُلغيت وحلّت مكانها "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين". بيعة الزرقاوي لم تُلزمهُ بالولاء للقاعدة وتبنّي نهجها، حيث واصل العمل على بناء تجربته الخاصّة والطامحة لزعامة التيّار السلفي، مُستغلًّا ضعف قيادة القاعدة وحصوله على سمعة طيبة في الأوساط الجهادية ساوت بينه وبينهم لجهة المكانة. وسعيًا منها لوقف توسّعه، قبلت القاعدة بيعته، ونزلت عند مطالبه بأن يظلّ تنظيمه مُحافظًا على مرجعياته الفقهية التي كانت محطّ خلاف بينها وبينه.

مقاتلو النصرة (Getty)

بيعة الزرقاوي للقاعدة لم تُنه حالة الخلافات القائمة بينهما، لا سيما وأنّ البيعة بدت سقفًا حاولت القاعدة تحديدًا حلّ خلافاتها معه أسفلها. أمّا الخلافات، فقد توزّعت على مسألة تعيين العدو، والعلاقة بالمجتمعات المحلّية، والمرجعيات الفقهية والفكرية أيضًا. فالزرقاوي بنى تنظيمه على أساسات هوياتية مذهبية، مُستغلًّا المناخات التي وفّرتها السياسات الأمريكية التي أنتجت حكومة أو نظامًا قائمًا على المحاصصة الطائفية، تفوّقت فيه الشيعية السياسية على المكون السنّي الذي بدا قلقًا ومستاءً كذلك من حالة التهميش التي حوّلت المجتمعات السنّية إلى حاضنة لأي احتجاجاتٍ أو جهةٍ تقف في وجه الحكومة المركزية.

لا يتوافق ما ذكرناه مع سلوك القاعدة، لا سيما مسألة التحشيد الطائفي، ورغبة الزرقاوي في إشعال حرب طائفية يقف فيها السنّة خلفه كونه الوحيد الذي يُحارب الشيعة. وبينما كانت القاعدة مُحافظة على سياسة استهداف العدو البعيد: أمريكا. كانت الأولوية عنده، أي الزرقاوي، استهداف الشيعة العدو القريب. وإذ بالخلاف يلدُ خلافًا جديدًا حول الاستراتيجيات والعلاقة بالمحيط الاجتماعي نتيجة توسعة دائرة الاستهداف لتشمل المدنيين، سنّة وشيعة. واتّباعه تكتيكات عنيفة طالت جماعات إسلامية تحالف معها التنظيم وانقلب عليها لاحقًا سعيًا منه لفرض رؤيته زعامته عليها.

بيعة الزرقاوي للقاعدة لم تُنه حالة الخلافات القائمة بينهما، لا سيما وأنّ البيعة بدت سقفًا حاولت القاعدة تحديدًا حلّ خلافاتها معه أسفلها

محاولة تطبيق مبدأ الطاعة العمياء والبغي على الجماعات الإسلامية وتكفيرها، أوجدت المناخات المطلوبة لظهور الصحوات وفرملة عجلة تمدّد دولة العراق الإسلامية. بمعنى أنّ فشل التجربة الجهادية، وفقًا لرؤية قادة القاعدة، يعود إلى علاقة الجهاديين بالمحيط الاجتماعي. وتأسيسًا على ذلك، قدّم عطية الله الليبي نهجًا يُصحّح الخطاب الجهادي بحيث يتلاقى ومصلحة الناس، ويبتعد عن الغلوّ والتكفير، ويتقبّل المتخالفين معه ما لم يٌشاركوا في قتال الجماعة، وذلك سعيًا لبناء حاضنة اجتماعية لها.

اقرأ/ي أيضًا: التجربة السياسية لحركة أحرار الشام الإسلامية

لا تتلاقى استراتيجية القاعدة الجديدة واستراتيجية جماعة الزرقاوي بمختلف مسمّياتها، والمبنية على خلفيات فقهية متشدّدة مصدرها أبو عبد الله المُهاجر الذي بنى الزرقاوي عقيدة جماعته القتالية والجهادية على أفكاره التي وردت في "مسائل في فقه الجهاد". وبينما كانت القاعدة تسعى إلى تطبيق استراتيجيتها الجديدة، كانت دولة العراق ذاهبة نحو المزيد من التمذهب الذي تحكمه الهوية. وعدا عمّا سبق، كانت مسألة الدولة الإسلامية محطّة خلافٍ جديدة بين القاعدة وفرعها الذي أصبح جزءًا منها، دون مُبايعة الأخيرة للقاعدة التي رأت في الدولة طموحًا لا يتوقّف عند الاستقلالية التنظيمية والفكرية، وإنّما عند زعامة التيّار الجهادي كاملًا.

نشأت جبهة النصرة بهوية أيديولوجية ناقصة، عادت عليها بالفائدة أحيانًا، وبالضرر أحيانًا أخرى. فالجبهة في عملية تكوينها الأولى، توزّعت على نهجين مختلفين؛ نهج القاعدة المتكيّف أيديولوجيًا مع الثورات العربية وفقًا لما تحتمه المصلحة السياسية، ونهج دولة العراق المتمسّك بالهوية المذهبية والطائفية. وحاولت كذلك الجمع بين أولوية قتال العدو البعيد وفاءً لنهج القاعدة، وأولوية قتال العدو القريب وُمعاداة إيران والشيعة، تيّمنًا بنهج دولة العراق. وإذ بجماعة الجولاني تدخل أزمةً بنيوية عانت منها أيديولوجيًا واستراتيجيًا وإداريًا.

الجولاني نفسه لم يكن بعيدًا عن أزمة تنظيمه، ويُمكن القول إنّه من المشاركين في رسم ملامحها، منذ إرساله طلبًا للبغدادي بمنحه صلاحياتٍ واسعة في عملية تشكيله، بعد إدراكه استحالة تطبيق النموذج العراقي في سوريا. وكانت الصلاحيات التي نالها الجولاني قد أتاحت له تشكيل النصرة بطريقةٍ تفوّق فيه منهج القاعدة الذي تبنّاه وفقًا لما تقتضيه مصلحته على نهج دولة العراق، دون أن يكون للأمر علاقة بالولاء. فالجولاني رأى في طرح عطية الله الليبي سبيلًا لبناء مشروعه، ووسيلة لتنصيبه زعيمًا عليه أيضًا.

رؤية الجولاني الجديدة كانت بحاجة إلى غطاءٍ شرعي يُدعِّمها، وجده الجهادي السوريّ في أطروحات أبو مصعب السوري المناقضة لأطروحات دولة العراق الإسلامية، والتي باتت السلطة المرجعية لجبهة النصرة، وذلك لجُملة أسباب منها قابلية رؤيته للتطبيق في سوريا، وملائمتها للنزعة البراغماتية عند الجولاني، وسياسات التكيّف، والانتماء إلى هويّة سورية مشتركة.

ظلّت جبهة النصرة، منذ تأسيسها وحتّى إعلانها "الإمارة"، تعاف السلطة وتقترب من المجتمعات المحلّية وتبني علاقة جيدة ببقية التنظيمات المقاتلة. استراتيجيات كانت كافيةً لإشعال الخلاف بين الجولاني والبغدادي الذي تمرّد عليه مندوبه في سوريا، فلجئ إلى إعلان ضمّه جبهة النصرة إلى دولته، وولادة "الدولة الإسلامية في العراق والشام".

كلمة الجولاني الذي ردّ فيها على البغدادي رافضًا الاندماج في دولته، ومُعلنًا ارتباطه بالقاعدة ومُبايعته للظواهري، عمّقت من أزمة الجبهة التي باتت بحاجة إلى شرعية تستند إليها في مواجهة خصومها، عسكريًا وشرعيًا، وجدها الجولاني هذه المرّة عند القاعدة التي لم تكفِ مُبايعتها لوقف الانشقاقات في صفوف تنظيمه والالتحاق بدولة البغدادي الجديدة، لا سيما بعد سقوط المنطقة الشرقية. ولكنّها، البيعة، كانت كافيةً لتُحدِّد استراتيجيته الجديدة لمرحلة ما بعد الخسارة ونقاشات إعلان "الإمارة". حيث باتت سلفية الجبهة الجهادية ظاهرة. وأخذ أسلوب تعاطيها مع الفصائل منحىً صارمًا ومُشابهًا لأسلوب دولة البغدادي، حيث هاجمت الجبهة واستهدفت فصائل مختلفة إلى أن أطبقت سيطرتها على الشمال السوريّ.

نشأت جبهة النصرة بهوية أيديولوجية ناقصة، عادت عليها بالفائدة أحيانًا، والضرر أحيانًا أخرى

مُبايعة القاعدة لم تُنهِ أزمات الجبهة، ولكنّها حالت دون انهيارها، حيث وفّرت مرجعية أعادت لم شملها وجذب مقاتليها. وفي الوقت نفسه، أدخلت الجولاني في ورطة التصنيفات والعزلة الداخلية، باعتباره بات مرتبطًا علانية بالقاعدة، وأنّ الارتباط نفسه تهديدًا لمستقبل الجبهة. ذلك أنّ الجولاني وبعد تصفيته لعددٍ من الفصائل الوطنية، وانخراط فصائل أخرى في العملية السياسية، وهبوط شعبيته في المجتمعات المحلّية، رأى أنّ هناك محاولات لتطويقه وعزله تمهيدًا لمحاربته، وأنّ الحلّ يكمن في جعل خطاب الجبهة قريبًا من الحاضنة الشعبية، بمفردات وطنية وثورية، تُساعده في مشروعه للاندماج ببقية الفصائل في جسم عسكري واحد، يورّط الفصائل، ويفرض الجبهة أمرًا واقعًا بحيث تكون الدول مجبرة على التعامل معه.

اقرأ/ي أيضًا: بنية ومصادر تمويل داعش

التحوّلات الجديدة في خطاب الجولاني لم تكن كافية لإقناع الفصائل بمشروع الاندماج الذي رفضته بسبب ارتباط النصرة بالقاعدة، واعتداءاتها على الفصائل والحواضن الثورية. وتأسيسًا على ذلك، أعلن الجولاني في 28 تموز/ يوليو 2016 إلغاء العمل باسم جبهة النصرة، وتأسيس جبهة فتح الشام مُنهيًا ارتباطه بالقاعدة، ومُتخفّفًا من أعباء الأيديولوجية السلفية، مقابل ارتفاع منسوب التباس هوية الجبهة، ودون تحقيق الهدف الأساسي من فك الارتباط، أي الاندماج ببقية الفصائل، والتخلّص من دمغة "الإرهاب".

صورة من وزارة الدفاع الأمريكية لمقر البغدادي (Getty)

فشل الجولاني في مسعاه دفعه لتبنّي استراتيجية قائمة على منافسة الفصائل على شرعية تمثيل الثورة، من خلال المزايدة واستقطاب مقاتليها وحواضنها الثورية على أساس أنّ قبولها العملية السياسية خيانة للثورة، ولكن دون فائدة في ظلّ هجمات الجبهة على الفصائل نفسها والتمثّلات المدنية للثورة. الهجمات نفسها ستكون حلًّا بديلًا للجولاني الذي سيفرض تنظيمه الجديد "هيئة تحرير الشام"، قوّة وحيدة في الشمال بعد القضاء على بعض الفصائل وتحجيم أخرى. وبحسمه مسألة الحكم المحلّي، عاد الجولاني إلى تبنّي الخطاب الثوري الذي رأى فيه ضمانة لبقاء تنظيمه، بالإضافة إلى كسب ثقة المجتمع الدولي، وممارسة العمل السياسي، والدخول في أي حلول سياسية لا يريد أن يكون خارجها.

أراد الجولاني إذًا إثبات تنظيمه كقوّة وحيدة على الأرض لا يصحّ التفاوض مع غيره، مُستغلًّا قدرته على عرقلة أي مشروع سياسي يضعه في دائرة الاستهداف. ولكنّه، وبعد فرض سيطرته على المنطقة بداية 2019، سيصطدم مشروعه بالحملة الروسية على حماة في السادس من أيار/ مايو 2019، والتي انتهت بسيطرتها على ريف حماة الشمالي وصولًا إلى خان شيخون. ذلك أنّ الحملة عرّت ادّعاء الجولاني بأنّ تنظيمه القوة العسكرية التي تتولى حماية المنطقة، بعد الأداء الباهت للهيئة، والذي كانت نتيجته، عدا عن الاحتقان الشعبي المتزايد، ضعف قدرة الهيئة على فرض نفسها محليًا، وضعف صورتها كقوة وحيدة ومؤثرة أمام الخارج.

أراد الجولاني إثبات تنظيمه كقوّة وحيدة على الأرض لا يصحّ التفاوض مع غيره، مُستغلًّا قدرته على عرقلة أي مشروع سياسي يضعه في دائرة الاستهداف

تأسيسًا على ما سبق، يكون الجولاني قد استنفذ كلّ الأوراق المتاحة لضمان استمرار تنظيمه وسيطرته في إدلب. ربّما باستثناء ورقة أخيرة لا تضمن له في كلّ الأحوال سقفًا عاليًا من المطالب، وهي ورقة الجهاديين الأجانب والحالة الجهادية التي يصوّر نفسه ضابطًا لها في مناطقه التي تشهد حالة احتقان شعبية تقوّض سلطته تدريجيًا، بالإضافة إلى موجة الانشقاقات الداخلية المتتالية في صفوف تنظيمه على مستوى القادة.

اقرأ/ي أيضًا: 3 كتب بالعربية تناولت "داعش"

تمكّن البغدادي ودولته بسيطرته على مناطق واسعة من العراق وسوريا، ونيله زخمًا عالميًا شقّ الصف الجهادي، من هزيمة جبهة النصرة التي انحسرت وتحجّمت آنذاك. ولكنّ الدولة الإسلامية سرّعت بسياساتها واستراتيجياتها، من نهايتها بعد خمس سنواتٍ على تأسيسها. بينما أطالت سياسات الجولاني البراغماتية والقائمة على أساس المصلحة، من عمر تنظيمه وإبعاده عن دائرة الاستهداف التي وضعت فيها "داعش". بمعنى أنّ البغدادي الذي ربح الحرب الأهلية الجهادية خسر معركة البقاء لصالح الجولاني دون أن يكون منتصرًا، وإنّما، بناءً على حالة تنظيمه، قد تأخّرت هزيمته فقط.

 

اقرأ/ي أيضًا:

انفوجرافيك: كيف يتواصل الجهاديون على الإنترنت؟

هل يتصادم الجهاديون في الشمال السوري؟