21-يناير-2019

كانت واقعة الجن "شركس" تعبيرًا عن حال الإعلام الجزائري (يوتيوب)

اكتسح التّفسير الغيبيّ للأشياء والقضايا والظّواهر والأحداث والحوادث يوميات الجزائريين في السّنوات الأخيرة. وباتت الرّقية ملجأ قطاع واسع منهم في الأمور، التّي تقتضي طبيبًا أو نفسانيًّا، حتّى أنّ بعضهم ربط سقوط الشابّ عيّاش محمودي في بئر ارتوازية، وعجز رجال الحماية المدنيّة عن إنقاذه، بكونه ضحيّة جنّية وراحوا يمارسون الرّقية على البئر.

اكتسح التّفسير الغيبيّ للأشياء والقضايا والظّواهر والأحداث يوميات الجزائريين في السّنوات الأخيرة، وبات ملجأ قطاع واسع منهم 

يقرأ الباحث مهدي حاجّي لـ"ألترا صوت" هذا التوجّه بصفته ثمرة طبيعيّة لهيمنة الفكر السّلفي الوهّابي السّعوديّ على الشّارع الجزائريّ، "بعد تساهل السّلطات معه، في ظلّ مجاملتها له حتّى تعزّز مشروع المصالحة الوطنيّة من جهة، وتستفيد من تحريمه للخروج على الحاكم من جهة ثانية، لافتقادها الإحساس بالشّرعيّة الدّيمقراطيّة".

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر.. في ذكرى أم الثورات

لقد حقّقت السّلطة السّياسيّة في الجزائر هدفيها السّياسيين، يقول محدّث "الترا صوت"، لكن مقابل ثمن خطير ساهم في انتشار السّؤال الدّيني عوضًا عن السّؤال العلمي، بما أسّس لمجتمع يتصرّف على أساس الشّكليات ويحتكم إلى ثقافة التّحريم والغيب ومصادرة الحرّيات الشّخصية.

قبل أيّام، بثّت قناة "النّهار" الخاصّة حلقة من برنامج "ما وراء الجدران" ظهرت فيها الفتاة فوزيّة، التّي يقول أهلها إنّها مسكونة من طرف جنّي أفسد عليها حياتها. وقد أطلق عليه رجل الدّين شمس الدّين الجزائريّ المعروف في الأوساط الشّبابيّة بـ"شميسو"، اسم "شركس" لأنّه في رأيه جاء إلى الجزائر من المشرق.

راح "شميسو" يخاطب الجنيّ شركس على المباشر، ويهدّده بأن يحرقه بالقرآن إن هو رفض الخروج من جسد فوزيّة، التّي ظهرت في حالة ارتعاش وتيه. سأل الشّيخ شميسو الجنيّ شركس: "ألم تجد جنّية لترتبط بها حتّى سكنت إنسيّة؟ أقسم بالله إنّني سأحرقك بالقرآن إن لم تخرج يا عدوّ الله".

ما أن بُثّت الحلقة حتّى تحوّلت إلى حديث رئيسيّ في المجالس الواقعيّة والافتراضيّة للجزائريين. وأصبح الجنيّ شركس ينافس في الحضور الرّئيس بوتفليقة، الذي فاجأ الجميع بدعوة الهيئة النّاخبة، بعد غموض دام شهورًا، وأزاح حادثة وفاة مغنّي الرّاي الشّاب هوّاري المنار من واجهة التّداول، وتمخّضت عن ذلك نكات وتعابير ساخرة ومقالات ومنشورات وأسماء مستعارة تحمل اسم شركس.

يقول الشّاعر رشيد بلمومن لـ"ألترا صوت" إنّ التقاط الجزائريين، خاصّة الشّباب منهم، لقضية الجنّيّ شركس وتمييعها بالتّعليقات والتّعابير المبتكرة هو موقف رافض للتّسطيح، الذي أصبح رائجًا باسم الدّين، "وهو دليل على أنّ هناك قطاعًا معتبرًا من الشّعب يفكّر بطريقة سليمة ويتطلّع إلى حياة يحكمها العقل والمنطق والعلم، لكنّ منطق المتاجرة بالغيبيات لدى كثير من المنابر الإعلاميّة جعل هذا المعطى مغيّبًا".

إنّ التقاط الجزائريين، خاصّة الشّباب منهم، لقضية الجنّيّ شركس وتمييعها بالتّعليقات والتّعابير المبتكرة هو موقف رافض للتّسطيح، الذي أصبح رائجًا باسم الدّين

في السّياق، كتب النّاشط صالح كحّول في تدوينة فيسبوكيّة: "شركس يسكن إعلامنا قبل أن يسكن هذه المرأة المسكينة؛ وإعلامنا صار كلّ همّه التّرويج للخرافات والمهازل والرّذيلة بغطاء الكلام عن المسكوت عنه أو التابوهات؛ ولم تكن هذه الحصّة وحدها من ركبت هذا القطار لضمان متابعة أكبر لبرامجها وحصصها". يضيف: "شركس اليوم هو من يدير إعلامنا خفيةً؛ تتخبّط لتأثيره برامج قنواتنا بشقّيها؛ تنبعث من سيناريوهاتها رائحة الجهل والخرافة؛ وما هذا بغريب عنها وحال من يديرها ويوجّهها من رأي الرّاقي والشّيخ شميسو".

اقرأ/ي أيضًا: صراع القنوات التلفزيونية في الجزائر.. شغب البدايات

وفي تدوينة ساخرة كتب الكاتب السّاخر مصطفى بونيف: "لا يمكن استدعاء الهيئة الناخبة، مادام شركس لم يخرج من رأس تلك المخلوقة". فيما كتبت النّاشطة سارة خليفة: "من الرّائع أن يحبّك أحدهم. وحين لا تجد ذلك تدّعي أنّ الجنّ يفعل. تلك السّيّدة ناقصة حنان. بئس الرّجال الذّين جنّنوا المخلوقات".