25-أغسطس-2017

تراجع نتائج الجنوب التعليمية هل تعكس تمييزًا تجاهه؟ (فاروق بعطيش/أ.ف.ب)

لا تزال شهادة البكالوريا/ الثانوية العامّة تمثّل المحكّ الرّئيسي في تقييم القطاع التربوي على مستوى المحافظات الثماني والأربعين في الجزائر، رغم وجود شهادات أخرى، ثلاث قبلها وثلاث بعدها. فالمدير الناجح هو الذي تحرز مؤسسته التربوية نسبة عالية من الناجحين، والمعلم الناجح هو الذي يفتكّ أكبر عدد من طلّابه هذه الشهادة، والطالب الناجح هو الذي يحصّل معدّلًا محترمًا يؤهله لأن يختار التخصّص الذي يشاء في الجامعة.

تحتل المحافظات الجنوبية في الجزائر ذيل الترتيب في نسب النجاح في البكالوريا لسنوات متتالية مما أثار شكوك وتساؤل الكثير من أبنائها

اقرأ/ي أيضًا: طلبة جزائريون.. أن تدرس أكثر من تخصّص

منذ عقد من الزّمن تقريبًا، تصرّ المحافظات الشمالية، خاصّة الأمازيغية منها، على أن تتصدّر قائمة المحافظات ذات النسب الأعلى في عدد الناجحين، في مقابل بقاء المحافظات الجنوبية في ذيل الترتيب، حتى بات الانطباع السّائد لدى الشارع أن الذكاء والشغف بالعلم والإقبال عليه حكر على طلاب الشمال، الأمازيغ منهم خاصّة.

ففي الوقت الذي نجد فيه المحافظات الأمازيغية الشمالية تحتل المراتب الثلاث الأولى، وهي محافظات تيزي وزو وسطيف وبومرداس، نجد المراتب الستّ الأخيرة من نصيب محافظات جنوبية هي بشار والجلفة وغرداية والأغواط وورقلة وتمنراست.

دفع هذا المعطى المتكرّر ببعض هيئات المجتمع المدني إلى التساؤل عن سبب هذا الفارق الشاسع بين الشمال والجنوب، مادامت الإمكانات المتاحة في قطاع التربية هي نفسها، فيما ذهبت بعض الأطراف إلى اتهام الحكومة بالتواطؤ في هذا الباب، لتكريس حقيقة مفادها أن الجنوب لا يصلح إلا للسياحة واستخراج النفط ورفع نسبة المشاركة في الانتخابات السياسية المختلفة.

من هنا، بعث نخبة من المثقفين والإعلاميين المنحدرين من الجنوب الجزائري، منهم الإعلامي سليمان بخليلي والشاعر سليمان جوّادي والكاتب ميلود خيزار والمربي حمزة بلحاج صالح والسياسي عبد الرحمن هنانو والناشط عبد العالي مزغيش، رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ونواب البرلمان بغرفتيه والمدير العام لمنظمة اليونيسكو والمجتمع المدني الجزائري طالبوا فيه بفتح تحقيق بيداغوجي وإداري وقضائي "لمعرفة الأسباب الموضوعية الحقيقيّة لهذه الكارثة المستمرّة منذ الاستقلال الوطني. والتي من نتائجها، حرمان أبناء هذه المناطق من حقهم الشرعي في التعليم و التأهيل والاندماج في حركة التنمية الوطنية وتحقيق الذات". وتضيف الرّسالة: "يبدو أن السلطات الجزائرية لم تدرك أو لا تريد أن تدرك نتائج تراكمات هذا الغبن الذي يشعرنا بوجود "عنصرية تعليمية" تجاه أبنائنا".

طالب مثقفون جزائريون بفتح تحقيق لمعرفة الأسباب وراء تدهور نتائج النجاح في جنوب البلاد وإن كان الأمر مسيسًا

ولاحظ أصحاب الرسالة عدم احترام وزارة التربية للخصوصيات الجغرافية والمناخية للجنوب، من زاوية رزنامة الامتحانات الدورية والمسابقات والعطل والهياكل والتأطير، "بما أخلّ بديمقراطية التعليم الذي تتفاخر به". داعين إلى مباشرة برنامج إصلاحي عاجل لردم "الهوة السحيقة" بين الشمال والجنوب بخصوص التعليم.

اقرأ/ي أيضًا: من جنوب الجزائر إلى شماله.. سفر في أحضان المرض

من جهته، يقول الأكاديمي والباحث في علم الاجتماع ناصر جابي إنه لابد من التريث والتأكيد على الحاجة إلى دراسة دقيقة، حتى يمكن الكلام عن "تسييس النتائج". يتساءل جابي: "لماذا منطقة القبائل الأمازيغية بالذات؟ الأمر يبدو بسيطًا ومتناغمًا مع التاريخ الثقافي للمنطقة، التي كانت بؤرة إنتاج واسع للعديد من المعلمين تاريخيًا، بالفرنسية بالنظر إلى الاحتكاك التاريخي بالفرنسيين، والعربية بالنظر إلى شبكة الزوايا الدينية والقرآنية. فمن منا لم يدرّسه معلم قبائلي؟".

فمنطقة القبائل، يواصل الباحث الجزائري، استفادت أكثر من غيرها من المنظومة التعليمية الفرنسية، كما استفاد أبناؤها من الهجرة خارج وداخل الجزائر للعمل والاستفادة من التعليم لاحقًا. كما استفادت من قربها من العاصمة التي دخلها أبناؤها مبكرًا واستفادوا من فرص التعليم داخلها. يضيف: "هناك نقطة مهمة بحسب الدراسات السوسيولوجية التي اهتمت بالمدرسة الجزائرية هي أن القبائل لم يكونوا قريبين سوسيولوجيًا من المدرسة فقط، بل كانوا قريبين منها جغرافيًا أكثر. فالمدرسة هي التي أتت إلى جبال منطقة القبائل منذ السنوات الأولى للاحتلال".

"نحن إذًا أمام تراكم تعليمي يضاهي أو يتفوّق على ما هو موجود في مدن أخرى بما فيها تلك المدن المعروفة باستفادتها من التعليم كتلمسان وقسنطينة. علمًا أن منطقة القبائل يمكن أن ينطبق عليها منطق المدينة أكثر من منطق الريف خاصة في السنوات الأخيرة. فهذه المجموعة الهائلة من القرى الصغيرة والمدن المتوسطة، بكثافتها الديموغرافية الكبيرة تستفيد بقوة من موقعها الجغرافي القريب من المدن الكبرى وعلى رأسها العاصمة التي دخلت معها في نسيج كثيف من التواصل اليومي عن طريق وسائل النقل الحديثة بما فيها القطار الذي زاد من حدة هذا التواصل".

ويشير ناصر جابي الذي استقال قبل فترة قصيرة من الجامعة الجزائرية إلى أن منطقة القبائل تتميّز بنسيجها الجمعوي الفاعل وحضور أبنائها داخل الأحزاب ومراكز القرار السياسي والاقتصادي وطنيًا.

"في المقابل نجد أن الولايات الأقل استفادة من نتائج البكالوريا هي تلك الولايات التي تعرف بضعف رصيدها العلمي التاريخي وضعف استفادتها من التعليم حتى بعد الاستقلال. وهي نفس الولايات التي تزيد فيها نسب الأمية وعدم التحكم في اللغات الأجنبية والبطالة وتعدد الزوجات وكثرة المشاركة في الانتخابات".

من هنا، يقول ناصر جابي، وهو صاحب كتاب "لماذا تأخر الربيع الجزائري؟" إن خارطة الجزائر الاجتماعية، تؤكد أننا أمام قيم تنشئة مختلفة تكون أكثر إلحاحًا على النجاح والمثابرة والجد في مناطق معينة عكس الأخرى. "وهو ما يظهر على أكثر من صعيد مثل التعليم والعمل. وإلاً بماذا نفسر النجاحات الاقتصادية لأبناء وادي سوف وسطيف والبرج وبني ميزاب؟ في مقابل ركود أبناء مناطق أخرى لا زالت تعيش على ماضيها الفعلي أو المتخيل؟".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجنوب الجزائري صيفًا.. موسم الهجرة شمالًا

البطالة تدفع شباب الجزائر إلى الصحراء