24-ديسمبر-2015

جندي إسرائيلي (Getty)

منذ بداية موجة الهجمات الحالية، قتل جنود الاحتلال والمستوطنون أكثر من مئة وثلاثين فلسطينيًّا بينهم أطفال ونساء، وأصابوا آخرين، في كل تلك الحالات التي اعتبرها الفلسطينيون إعدامات ميدانية لم يتم فتح أي تحقيق من جانب إسرائيل، باستثناء حالتين: الحالة الأولى التي فُتح فيها تحقيق هي تنكيل عدد من الإسرائيليين بطالب لجوء أرتيري حتى الموت بعد أن ظنوا أنه فلسطيني شارك في هجوم بئر السبع، وجاء ذلك استجابة لمطالبة من بلاده. والملف الآخر هو تحقيق مع شرطي أطلق النار حتى الموت على طفلة كانت تحمل مقص شعر، رغم أنها لم تشكل خطرًا على حياته أو سلامته الجسدية، مع إمكانية إطلاق النار على قدميها لو ظن أنها تشكل خطرًا.

 فليدمان: الجمعيات الحقوقية الإسرائيلية تخشى معارضة التوجه الإسرائيلي لـ"تحييد المخربين" لأنها تعتمد في تمويلها على التبرعات من الإسرائيليين

المحامي الإسرائيلي الشهير، أفغيدور فليدمان، قبل عدة أسابيع خلال لقاء تلفزيوني بثته القناة العاشرة الإسرائيلية قدم توصيفًا للحالات التي تم فيها "إعدام فلسطينيين" طبقًا للمصطلح الذي يتدواله الفلسطينيون، أو "تحييد المخربين" كما يحلو للإعلام الإسرائيلي تسميته، بالقول: "هذه هذه الحوادث كثيرة، أنت ترى مشاهد تُظهر شخصًا مُلقى على الارض، ربما يكون قد حاول تنفيذ هجوم وقد يكون نفذ هجومًا، ولكنه في تلك اللحظة خائر القوى، وهو ينزف، ويأتي أشخاص إسرائيليون، جزء منهم مجرد مارة من الشارع، وجزء منهم رجال شرطة، وجزء منهم جنود، ويصبون على ذلك الشخص جام غضبهم، فيطلقون النار عليه مرارًا وتكرارًا".

خلال الانتفاضة الأولى وحتى في الانتفاضة الثانية، كان يتم فتح تحقيق في كل حالة يقتل فيها جنديٌّ إسرائيلي مواطنًا فلسطينيًا تنفيذًا لتعليمات واضحة صادرة عن النيابة العامة العسكرية الاسرائيلية، تقضي بالتحقيق بكل حالة يقتل خلال جندي مواطنًا. ولكن تلك التحقيقات بحسب شهادات الأطباء لم تكن نزيهة وإنما كانت تتم لإخفاء معالم الجرائم. ولكي تصور إسرائيلُ نفسَها على أنها دولة تملك أجهزة قادرة على التحقيق بشبهات ارتكاب جرائم الحرب من جانب جيشها، منعًا لتقديم شكاوى بحق قادتها أمام محاكم بعض الدول التي تسمح قوانينها بمحاكمة مشتبه بهم بتنفيذ جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية لم يتم التحقيق معهم في دولهم.

البرفيسورة، مئيرة فايس، التي عملت سابقًا بمعهد الطب العدلي الإسرائيلي، خلال الانتفاضة الأولى استذكرت دور الأطباء في تغطية جرائم الجيش في لقاء بثته القناة العاشرة الإسرائيلية بتاريخ 21. 3. 2014 "أنا شاهدت منظومة تضليل كاملة، تمحورت حول فلسطيني، كانت رواية جيش الدفاع تقول إنه حاول إطلاق النار على الجنود، فأطلقوا عليه النار من الجانب، وبحسب ادعاء الفلسطينين، تم قتله في وقت متأخر جدًا من القبض عليه، أي أنه ثمة روايتان لتلك الحادثة. رغم أن جميع الأطباء شاهدوا خلال عملية التشريح، أن جرح دخول الرصاصة موجود خلف الرأس، لم يوثقوا ذلك، وتم التعتيم على الأمر".

بعد استعراض شهادة فايس، يغدو التعويل على تحقيق إسرائيلي، ضربًا من العبث، ومع ذلك، فإن التساؤل المركزي يظل قائمًا وملحًا، لماذا لم تقدم جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية أي طلب للتحقيق في حالات قتل الفلسطينيين بعد شل قدرتهم على الحركة، وبعد أن توقفوا عن تشكيل أي خطر على حياة أو سلامة الإسرائيليين سواء كانوا جنودًا أم مستوطنين؟

المحامي فليدمان أجاب على هذا السؤال بالإشارة إلى أن جمعيات حقوق الإنسان الإسرائيلية تخشى معارضة التوجه السائد المساند في إسرائيل لـ "تحييد المخربين" لأن جزءًا من تلك المنظمات والجمعيات تعتمد في تمويلها على التبرعات من الإسرائيليين. وبهذا فإن تلك الجمعيات تكون قد قدّمت التمويل على حقوق الإنسان.

ليس من المستغرب امتناع أعضاء الكنيست اليهود المنادين بحقوق الإنسان، عن مطالبة المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية بفتح تحقيقات، فالإقدام على تلك الخطوة سيحرمهم في الانتخابات المقبلة من أصوات الكثير من الإسرائيليين المحسوبين على "معسكر السلام" والذين يؤيدون أيضًا "تحييد المخربين" أي قتل الفلسطينيين بدون محاكمة ولو لم يشكلوا خطرًا على حياة الإسرائيليين.

معظم الجمعيات الحقوقية الفلسطينية تحصل على تمويلها من الخارج، والممولون الأجانب لن يسمحوا بفتح تحقيقات ضد من نفذوا إعدامات خارج نطاق المحاكمة

أعضاء الكنيست العرب الذين يمثلون "الأقلية الفلسطينية" في الأرض المحتلة سنة 1948، لم يطالبوا بفتح تحقيقات حتى عندما تعلق الأمر بمقتل فلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية، ناهيك عن المطالبة بفتح تحقيقات بمقتل أبناء شعبهم في القدس أو الضفة الغربية.

حتى الآن قتل العشرات من الفلسطينين منذ بداية الأحداث، ولم يتم إجراء أي تشريح للجثث سواء معهد الطب العدلي الإسرائيلي أو في معهد الطب العدلي الفلسطيني، ولم يتم فحص كيف ماتوا، وهل ماتوا نتيجة تعرضهم للضرب بيد جموع الإسرائيليين بعد إصابتهم بجراح، أم أنهم لقوا حتفهم بسبب إصابتهم بالرصاص، والجمعيات الحقوقية الفلسطينية لم تقدم أي طلب للسلطات الإسرائيلية أو للجمعيات الحقوقية الإسرائيلية التي تحتفظ بعضها بشراكات معها لفتح تحقيقات، أو للمشاركة في أي عملية تشريح.

معظم الجمعيات الحقوقية الفلسطينية تحصل على تمويلها من الخارج، وبالإمكان الاستنتاج أن الممولين الأجانب لن يقبلوا بالسماح بفتح تحقيقات ضد جنود أو مستوطنين نفذوا إعدامات خارج نطاق المحاكمة، وإن أقدمت منظمة حقوقية فلسطينية على ذلك فإنها ستضع نفسها على القوائم السوداء للممولين ولن يكون بمقدورها لاحقًا الحصول على تمويل لمشاريع تمكين المرأة وتعزيز ثقافة الحلول السلمية للصراعات وتعزيز ثقافة قبول الآخر.

اقرأ/ي أيضًا: 

تشاك هاجل..كنا سنضرب الأسد

يوسف زيدان..خدمات صهيونية بالمجان