11-أبريل-2025
عائلات المتهمين بالتورط في قضية التآمر على أمن الدولة (AFP)

عائلات المتهمين بالتورط في قضية التآمر على أمن الدولة (AFP)

عُقدت صباح اليوم الجمعة الجلسة الثانية فيما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، في المحكمة الابتدائية بتونس، وذلك بعد الجلسة الأولى التي جرت في 04 أذار/مارس الماضي، والتي شابتها إخلالات إجرائية بارزة، خصوصًا عدم جلب الموقوفين إلى قاعة المحكمة.

واستند قرار المحكمة إلى فصل من مجلة الإجراءات الجزائية يسمح بإجراء المحاكمات عن بعد باستخدام الوسائط السمعية البصرية، وهو إجراء أُقر منذ جائحة كورونا.

سادت أجواء من الارتباك داخل المحكمة، حيث سُمح في البداية بدخول عدد من المحامين والصحافيين، بينما مُنع آخرون دون تقديم تفسيرات

وقفة احتجاجية أمام المحكمة

قبل انطلاق الجلسة، شهد محيط المحكمة الابتدائية وقفة احتجاجية شارك فيها أفراد من عائلات الموقوفين وعدد من الشخصيات السياسية المعارضة. وعبّر المحتجون عن رفضهم لما اعتبروه محاكمة سياسية، مشددين على افتقار الملف إلى أدلة إدانة حقيقية، ومنددين بتدخل السلطة التنفيذية في مسار العدالة.

وردد المحتجون مجموعة من الشعارات المطالبة بعقد جلسة علنية، وضمان شروط المحاكمة العادلة واستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، من بينها: "المحاكمة العلنية حق موش مزية"، "لا قضاء لا قانون، شرفاء في السجون"، "شادين في سراح المعتقلين"، "حريات حريات، لا قضاء التعليمات"، "القضاء مستقل والعدالة هي الحل"، "الشعب يريد قضاء مستقل"، "يسقط الانقلاب، يسقط قيس سعيّد"، "هايلة البلاد، قمع واستبداد"، و"الحرية الحرية للمعارضة التونسية"، إلى جانب شعارات أخرى تعكس الغضب الشعبي من تسييس القضاء وتضييق الحريات.

فوضى وقيود على الحضور

سادت أجواء من الارتباك داخل المحكمة، حيث سُمح في البداية بدخول عدد من المحامين والصحافيين، بينما مُنع آخرون دون تقديم تفسيرات. من بين الممنوعين: الصحافيون زياد الهاني، الذي اعتبر أن "وكيل الجمهورية الذي يفترض حرصه على حماية القانون والسهر على تنفيذه، هو الذي ينتهكه"، طفي حجي، منية العرفاوي، خولة بوكريم، بالإضافة إلى رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمان الهذيلي. في المقابل، سُمح لممثلي عدد من السفارات الأجنبية (فرنسا، ألمانيا، هولندا، السويد، بريطانيا) بحضور الجلسة، بالإضافة لممثلي المنظمات الدولية.

متهمون في حالة سراح يقاطعون الجلسة

فيما يخص عائلات الموقوفين في القضية، سُمح بحضور فرد واحد فقط من كل عائلة، في حين مُنع المتهمون المحالون في حالة سراح، من بينهم القيادية في جبهة الخلاص الوطني شيماء عيسى، من دخول قاعة الجلسة برفقة أحد أفراد عائلاتهم. وقد أوضحت شيماء عيسى في تصريح إعلامي أمام مقر المحكمة أن "شرط الدخول إلى قاعة المحاكمة بالنسبة للمفرج عنهم هو أن يكونوا بمفردهم."

عدد من المتهمين غير الموقوفين، مثل أحمد نجيب الشابي ورضا الشعيبي، رفضوا حضور الجلسة، واعتبروا أنها صورية. وقال المحامي سمير ديلو إن منوّبه نجيب الشابي قرر عدم الحضور رفضًا لمحاكمة غير شرعية، مضيفًا: "نحن أمام توظيف سافر للقضاء لم يحصل حتى في عهد بن علي أو بورقيبة".

أما المحامي أمين محفوظ، فاعتبر أن الجلسة تشهد على ما وصفه بـ"قبر الحقوق والحريات" في تونس. من جهته، شدد الناشط الحقوقي بسام الطريفي على أن غياب علنية الجلسة، ومنع الصحافيين من الدخول، ينسف أحد أعمدة العدالة.

الجلسة تنطلق على وقع الاحتجاجات والنشيد الوطني

انطلقت الجلسة في الساعة 09:45 صباحًا، تزامنًا مع احتجاجات داخل القاعة من عائلات الموقوفين الذين طالبوا بإحضار أبنائهم، مردّدين شعار "محاكمة علنية حق موش مزية". ما دفع القضاة إلى مغادرة القاعة مؤقتًا. وعند الساعة 11:00، تكررت الاحتجاجات على وقع النشيد الوطني الذي أدّته زوجات عدد من المتهمين من بينهم رضا بالحاج وعبد الحميد الجلاصي وعصام الشابي.

أشارت منية إبراهيم، زوجة الناشط السياسي عبد الحميد الجلاصي الموقوف على ذمة القضية، إلى أن رئيس الجلسة اضطر إلى رفعها مؤقتًا بعد أن طالب الحاضرون بجعلها علنية ورفعوا شعار "جلسة حضورية حق مش مزية". كما تحدثت عن الإجراءات المشددة التي رافقت دخول عدد من ممثلي عائلات الموقوفين إلى قاعة المحكمة.

هيئة الدفاع تُصرّ على حضور المتهمين شخصيًا ورفض المحاكمة عن بعد

أصرت هيئة الدفاع على تعديل محضر الجلسة ليشير إلى أن "المتهمين لم يتم إحضارهم" بدلًا من "لم يحضروا"، مؤكدة أن المتهمين يرفضون المحاكمة عن بعد ويتمسكون بحضورهم المباشر. واعتبر المحامي عبد العزيز الصيد أن غياب المتهمين يُفقد المحاكمة معناها: "ما الذي سندافع عنه إذا لم نر موكلينا؟ هل نُطلب منا أن نكون شهود زور؟"

كما شدد المحامي شوقي الطبيب على مخالفة هذا القرار للفصل 141 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية، الذي ينص على ضرورة موافقة المتهم على المحاكمة عن بعد، واصفًا قرار المحكمة بأنه "يمس من جوهر المحاكمة العادلة".

معركة داخل المحكمة

واصل المحامون ضغطهم لتأجيل الجلسة، مع تأكيدهم التمسك بحقوق الدفاع. المحامية دليلة مصدق، شقيقة المعتقل جوهر بن مبارك، قالت: "الإنسانية ماتت في هذا العهد، القضاء يخاف من المتهمين"، مشيرة إلى دخول خمسة من الموقوفين في إضراب جوع، بينهم شقيقها، احتجاجًا على ظروف المحاكمة.

المحكمة تواجه أزمة شرعية متفاقمة

اختتم المحامي أمين بوكر مداخلته بالتأكيد على أن المحكمة فقدت شرعيتها، قائلًا: "هذه المحاكمة ستُعاد مرّتين على الأقل حتى تستعيد المحكمة شرعيتها القانونية"، في إشارة إلى حجم الإخلالات التي رافقت سيرها.

الموقوف الوحيد الذي حضر الجلسة

يُشار إلى أن حطاب بن سلامة كان الموقوف الوحيد الذي حضر جلستَي 04 أذار/مارس وجلسة اليوم. وتتمثل التهمة الموجهة إليه فقط في توقيف سيارته أمام منزل خيام التركي، أحد المتهمين في القضية، ما يطرح تساؤلات عن مدى جدية الأدلة المقدّمة ضد بقية الموقوفين.

منظمات حقوقية تستنكر سير المحاكمة

وكانت عدة منظمات قد أعربت عن استنكارها لظروف محاكمة الموقوفين في ما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، وخاصة قرار إجراء المحاكمات عن بُعد. من بين هذه المنظمات، فرع منظمة العفو الدولية في تونس، الذي عبّر في بيان صدر مساء أمس الخميس، عن "بالغ قلقه من استمرار محاكمة مجموعة من المعارضين والنشطاء السياسيين والمدنيين عن بُعد، في انتهاك صارخ لضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع".