04-أبريل-2016

عودة وزير الطاقة والمناجم الجزائري الأسبق شكيب خليل إلى الجزائر(جو كلامار/أ.ف.ب)

يصنع وزير الطاقة والمناجم الجزائري الأسبق شكيب خليل هذه الأيام "الحدث" في الجزائر، وقد بات النجم الإعلامي الأول دون منازع ، حيث أثار ظهوره مؤخرًا عبر وسائل الإعلام الجزائرية جدلًا كبيرًا، كما طرح تكريمه من طرف شيوخ وأعيان زاوية "الشيخ أمحمد بن مزروق"، ببلدية "بنهار" بمحافظة "الجلفة"، غرب العاصمة الجزائرية، أسئلة عديدة، فالوزير الغائب عن الجزائر منذ ثلاث سنوات عاد إليها من الباب الواسع بعد هروبه إلى أمريكا إثر توجيه اتهامات له بالضلوع في قضايا فساد هزت عرش الشركة الجزائرية للمحروقات "سونطراك"، اتهامات تحاول اليوم عديد المنابر الإعلامية المحلية والسياسية تبرئته منها وإعادة تلميع صورته.

عاد شكيب خليل إلى الجزائر بعد هروبه إثر توجيه اتهامات له بالضلوع في قضايا فساد هزت عرش الشركة الجزائرية للمحروقات "سونطراك" منذ سنوات

عودة خليل من منبر "زوايا الصالحين" خلق الكثير من اللغط في الجزائر، بل ذهب الكثيرون إلى وصف ذلك بأن المسؤول يحاول "غسل عظامه" كما يقال في الجزائر من "دنس الفساد"، فيما حلل الكثيرون كلمته التي ألقاها من الزاوية وأمام جمع المصلين، وقال فيها إنه: "سيلبي نداء الوطن إن دعت الضرورة لذلك"، مضيفًا أن" الأزمة الاقتصادية الحالية لا تؤثر على الجزائر وأن السنة القادمة ستكون بردًا وسلامًا على الجزائر بعودة استقرار سوق النفط".

اقرأ/ي أيضًا: "سونطراك 1".. مفتاح فضائح الفساد في الجزائر

أسئلة كثيرة تدور في الساحة السياسية الجزائرية عقب الظهور الإعلامي للوزير السابق، بعد عودته في شهر آذار/مارس الماضي إلى الجزائر، حيث ترى أحزاب الموالاة أن الوزير السابق لم يدن إلى حد اللحظة وظهوره وحديثه عن مستقبل الجزائر "أمر عادي بالنسبة لرجل خدم البلاد وظلم من طرف أشخاص في قلب جهاز المخابرات"، فيما تشم أحزاب المعارضة رائحة عودة وزير الطاقة السابق إلى دواليب الحكم ومفاصل القرار من الباب الواسع.

سياسيًا، عودة وزير الطاقة والمناجم الجزائري الأسبق إلى الجزائر بعد ثلاث سنوات قضاها في أمريكا لا تزال تحيًر المعارضة، خاصة وأن الرجل أقيل من طرف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، بعد ملف ثقيل من الاتهامات وجهت له في قضايا الفساد في كبرى الشركات الحكومية "سونطراك"، كما أنها تضع العدالة الجزائرية في قفص الاتهام.

وعليه طرحت عديد الأسئلة المتعلقة أساسًا بعودة "متهم" دون تدخل من العدالة الجزائرية أو حتى إعلان عن تبرئته من "التهم"، خاصة وأن ملف سوابقه، بحسب الجهات الأمنية الجزائرية، يتعلق بضلوعه في صفقات فساد في شركة "سونطراك" وفي شركات أجنبية، وطالت حتى عائلته ما أدى به إلى الهروب منذ سنوات. إلى وقت قريب، طوى القضاء الجزائري ملف قضية "سونطراك 1" واقترب من فتح ملف "سونطراك 2" أمام العدالة، وهو الملف الذي تورط الوزير فيه في عدة قضايا فساد مع شركة "سايبام" الإيطالية، والملف لم يغلق إلى حد الآن.

بحسب عديد القراءات، عودة خليل مرتبطة بحل جهاز الأمن العسكري من طرف الرئيس الجزائري، حيث يعتقد المحلل السياسي والمتابع لملف قضية "سونطراك" حمزة بكاي في تصريح لـ"الترا صوت" أنها "تأتي في إطار زوبعة كبرى في الساحة السياسية وعلى صفحات الجرائد ومعركة طاحنة بين الجناحين في السلطة في الجزائر"، أي جناح الرئاسة وجناح جهاز الأمن العسكري، الذي تم حله في كانون الثاني/يناير 2016 من طرف القاضي الأول للبلاد، وإقالة هذا الأخير لمدير الاستعلامات الجنرال محمد مدين، المدعو الجنرال توفيق، واستقواء جناح على آخر، مضيفًا أن "ملف شبهة تورط خليل في أي فساد قد يغلق نهائيًا".

ترى أحزاب الموالاة في الجزائر أن خليل لم يدن إلى حد اللحظة وتحركاته عادية فيما تتوقع أحزاب المعارضة عودة وزير الطاقة السابق إلى دواليب الحكم

اقرأ/ي أيضًا: نعيمة صالحي.. الواجهة النسوية الصاعدة في الجزائر

كما ذهب المحلل السياسي إلى اعتبار أن "كل المؤشرات تبين أن شكيب خليل كان ينتظر القرار السياسي للعودة إلى البلاد"، لافتًا إلى تصريحات الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعيداني قبل عودة الوزير بأيام فقط والتي ألمح فيها إلى ضرورة إعادة الاعتبار للكوادر الجزائرية في الخارج وخاصة شكيب خليل لأنه "كفاءة كبرى من الخسارة أن تضيعه الجزائر، في ظل حاجتها إليه في الوضع الراهن"، حسب ما ورد على لسان سعيداني.

قراءة أخرى ترى أن عودة الوزير السابق "سياسية مائة بالمائة"، لأن هذا الأخير كان ينتظر "الضوء الأخضر" من الجزائر، بعيدًا عن أروقة العدالة والقضاء وهو ما تؤكده، ما أسماه المتتبعون للشأن السياسي في الجزائر، حملة "عودة الكوادر المظلومة إلى البلاد"، والتي قادتها الأحزاب الموالية للنظام الجزائري بداية من جبهة التحرير الوطني ثم رئيس حزب "أمل الجزائر" عمار غول، الذي دعا إلى الإسراع في إعادة الاعتبار لـ"الإطارات المظلومة"، معتبرًا، في تصريحات للصحافة المحلية، أن الجزائر خسرت الوزير الأسبق للطاقة، وهو ما يدل على أن المناخ السياسي على العموم كان مهيأ لعودة "ابن الجزائر" من الباب الواسع معززًا مكرمًا.

ورفض الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، ثاني قوة سياسية في البلاد، أحمد أويحي التعليق على موضوع عودة الوزير الأسبق، معتبرًا أن العدالة في الجزائر هي "السيدة وصاحبة القرار". أما الرأي العام في الجزائر وبعض الفاعلين فيه، فقد وصفوا العودة والاستقبال الرسمي للوزير وتكريمه أيضًا من طرف شيوخ زاوية في "الجلفة" بـ"الأمر غير المفهوم"، فيما راحت مختلف القراءات نحو وصف ما حصل بـ"الصفقة المنتهية" بعد نجاح الرئيس بوتفليقة في تفكيك جهاز المخابرات وإنهاء سيطرته وتدخله في شؤون الدولة.

في المقابل، أحزاب المعارضة وعلى رأسها حركة مجتمع السلم الجزائرية (تيار إسلامي) اعتبرت في عودة خليل "تعميقًا للهوة بين الشعب والسلطة في الجزائر، كما تمهد بحسب رئيس الحركة عبد الرزاق مقري نحو فقدان الثقة بين القاعدة الشعبية والقمة".

وتظل عودة وزير الطاقة الأسبق إلى الجزائر "غامضة" خصوصًا وأن الجميع كان ينتظر أن يتم استدعاؤه للعدالة، وهو ما طرحه المتابع للشأن الاقتصادي عبد المجيد بوسري لـ"الترا صوت"، قائلًا: "الوزير لم يمر عبر أروقة العدالة لأن فضائح سونطراك أخرجت للعلن في وقت كان الوزير يمارس فيه مهامه كمسؤول أول عن قطاع الطاقة والمحروقات في البلد وشركة سونطراك كانت تسير تحت مسؤوليته". وتشير مصادر قضائية جزائرية متطابقة إلى أنه لا يوجد ما يدين وزير الطاقة والمناجم الأسبق على اعتبار أن ملفه يظل على مستوى التحقيق في القطب الجزائي لمكافحة الفساد في الجزائر ولم يتم تحويله إلى المحكمة العليا وهو ما يمنحه "قرينة البراءة" والاحتفاظ بكامل حقوقه كأي مواطن جزائري.

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر.. حراك اجتماعي متصاعد

تجارب فرنسا النووية.. جرح الجزائر الغائر