الجزائر ترفع إنفاقها العسكري وتوقّع اتفاق دفاع مشترك مع تونس
9 أكتوبر 2025
اتخذ الإنفاق العسكري الجزائري منحًى تصاعديًا منذ عام 2015، إذ ارتفعت ميزانية الدفاع من نحو 10 مليارات دولار قبل عشر سنوات إلى حوالي 25 مليار دولار في مشروع موازنة عام 2026، أي ما يعادل خُمس إجمالي الموازنة العامة البالغة 135 مليار دولار. وتُعدّ هذه الميزانية المخصصة للجيش الأكبر من نوعها في القارة الإفريقية.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد صرّح في وقت سابق بأن "الجزائر مستهدفة عسكريًا"، مؤكدًا أن "الاقتصاد القوي لا يقوم إلا بوجود جيش قوي". غير أن هذا الإنفاق الضخم يثير جدلًا سياسيًا داخليًا حول مبرراته، في ظل استحقاقات اقتصادية واجتماعية أكثر إلحاحًا، إلى جانب قضايا الفساد التي طالت، قبل عام 2019، عددًا من كبار الضباط، سُجن بعضهم بينما فرّ آخرون إلى الخارج بتهم تتعلق بالفساد واستغلال النفوذ. ويطرح ذلك تحديًا آخر يتمثل في غياب الرقابة الفعالة على الإنفاق العسكري وضرورة إخضاعه للتدقيق المالي.
وبالتزامن مع تخصيص موازنة كبيرة للدفاع، وقّعت تونس والجزائر اتفاقًا عسكريًا وصفته الأوساط العسكرية في البلدين بـ"الفارق" في تاريخ علاقاتهما الثنائية. ورغم عدم الإفصاح عن تفاصيل الاتفاق، فإنّ مراقبين يربطونه بالتحديات الأمنية المتزايدة في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، مثل مكافحة الإرهاب وتجارة السلاح والهجرة، فضلًا عن التوترات الإقليمية المحتملة في ليبيا ومالي.
ووفقًا لصحيفة "جون أفريك"، فإنّ الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على "أسطول الصمود العالمي" في المياه التونسية عجّلت بتوقيع هذا الاتفاق العسكري بين البلدين.
أخَذ سقف الإنفاق العسكري الجزائري منحًى متصاعدًا منذ عام 2015، حيث ارتفعت ميزانية الدفاع من حوالي 10 مليارات دولار إلى حوالي 25 مليار دولار في مشروع ميزانية عام 2026 المقبل
ولفت خبراء عسكريون جزائريون إلى أنّ الجزائر تتّصل بحدود تمتد لنحو 4900 كيلومتر مع "دول أو مناطق غير مستقرة أو عدائية"، وهو ما يفرض عليها، وفق وجهة النظر هذه، زيادة الإنفاق العسكري لتأمين الحدود الطويلة وتطوير قدرات الجيش.
موازنة دفاعية ضخمة
تشير تفاصيل ميزانية الجيش الجزائري إلى تخصيص نحو 6.6 مليارات دولار للجانب اللوجستي، بزيادة تُقدّر بثلاثة مليارات دولار تقريبًا مقارنة بموازنة عام 2024. ويشمل بند اللوجستيات في الجيوش عادةً "وسائل النقل والتخزين، وأنظمة إدارة المعلومات، والمستودعات، وقطع الغيار، بالإضافة إلى الذخائر والمؤن والمعدات الطبية والوقود والآليات المتخصصة"، أي كل ما يلزم لتشغيل الوحدات العسكرية ميدانيًا.
أما البند الآخر الذي استحوذ على جزء كبير من ميزانية الدفاع، فهو تعزيز الصناعة العسكرية المحلية، نظرًا لفاتورة الاستيراد الباهظة، بحسب الخبير في الشؤون الأمنية عمار سبغة. فقد رُصد لبند ما يُعرف بـ"برنامج الدفاع الوطني" نحو 4.68 مليارات دولار، ويغطي هذا البند "تمويل أنشطة التدريب والتكوين، واقتناء العتاد والتجهيزات الحديثة، وأعمال الصيانة والدعم الفني للوحدات القتالية والمصالح المركزية".
وتُعدّ روسيا أكبر مورّد للسلاح إلى الجزائر، غير أن أوساطًا عسكرية جزائرية تشير إلى تراجع "المنتج الحربي الروسي" المخصص للتصدير بسبب الحرب في أوكرانيا. وبدلًا من التوجّه نحو موردين جدد، تفضّل الجزائر، وفق مراقبين، تطوير صناعتها العسكرية المحلية لتقليل التبعية الخارجية.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد قال في لقائه الأخير مع مستثمرين ومنتجين إنّ حماية الأمن القومي الجزائري تستدعي "تحقيق التفوّق العسكري" في المنطقة، إضافة إلى "امتلاك أفضل القدرات في ضوء التحولات الجارية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط".
وبعد سلسلة قضايا الفساد التي طالت قطاعات عسكرية حساسة، صدر في نهاية عام 2024 مرسوم رئاسي يقضي بتكليف "هيئة مراقبة مالية" تابعة لوزارة الدفاع بتولي مهمة الرقابة والتدقيق المالي في موازنات وحسابات الجيش، والقيام بعمليات التفتيش المالي لجميع المؤسسات والهيئات التابعة للمؤسسة العسكرية، وذلك بالتنسيق مع مجلس المحاسبة الحكومي.
رسم ملامح تعاون استراتيجي بين تونس والجزائر عسكريًا
وقّعت الجزائر وتونس، أمس الأربعاء، اتفاقية جديدة للتعاون في مجال الدفاع. ووقّع الاتفاقية عن الجانب التونسي وزير الدفاع خالد السهيلي، وعن الجانب الجزائري قائد أركان الجيش الفريق السعيد شنقريحة، وذلك على هامش زيارة الوزير التونسي إلى الجزائر على رأس وفد عسكري رفيع المستوى.
ورغم عدم الكشف عن تفاصيل الاتفاق، تشير بعض المصادر إلى أنه قد يشمل مجالات "التنسيق والتدريب وتبادل المعلومات وإجراء مناورات عسكرية مشتركة"، في إطار تعزيز الشراكة الدفاعية بين البلدين.
يُذكر أن تونس والجزائر ترتبطان بشريط حدودي يمتد لنحو ألف كيلومتر، وظلّ التعاون الأمني والعسكري بينهما قائمًا منذ سنوات، خصوصًا في ملاحقة التنظيمات المسلحة وتجار السلاح وشبكات التهريب.
ويرى الفريق السعيد شنقريحة أن "التحديات الأمنية المشتركة، والعلاقات المتميزة بين الجزائر وتونس، تتيح رسم طابع استراتيجي للتعاون بين البلدين"، مشيرًا إلى أن "التحديات الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية التي تواجه المنطقة تفرض اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تعزيز العمل المشترك وفق رؤية متبصّرة ترتكز على الحوار والتنسيق وتبادل الخبرات في مجالات الاهتمام المشترك".
وأضاف شنقريحة أن "الجزائر تحرص على توطيد علاقاتها الثنائية مع تونس في شتى الميادين، لاسيما في مجالي الدفاع والأمن، لأننا نؤمن بأن أمن بلدينا واستقرارهما يحتاجان إلى أعلى مستوى من التنسيق والتشاور".
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أكد في تصريحات سابقة أن "أمن تونس من أمن الجزائر"، مشددًا على أن "الأمن بين البلدين مسألة مترابطة، فما يمس تونس يمس الجزائر".