12-أبريل-2017

يهتم الجزائري بالموز والثوم، اللذين شهدا ارتفاعًا في سعرهما، أكثر من الانتخابات (فايز نورالدين/أ.ف.ب)

إذا عرضت على الجزائري أمرًا مشكوكًا فيه، سيقول لك "إنك تضع ذئبًا تحت القفّة"، كناية عن العضّ الذي قد يطاله، إن هو رفع القفّة المشكوك في أمرها، ويبدو أنه المثال الأنسب لتوصيف علاقة قطاع واسع من الجزائريين بالحملة الانتخابية الخاصّة بالانتخابات التشريعية في الجزائر والتي ستجرى يوم 4 أيار/مايو القادم، حيث نبرة الإعراض والاستهزاء لدى المؤهلين للانتخاب، وهم 23 مليون ناخب من بين 40 مليون مواطن، أعلى من نبرة الإقبال والاحتفاء، ممّا جعل السلطات في حالة مسبقة من الارتباك، خوفًا من نسبة مشاركة متدنّية.

تخوف في الجزائر من مقاطعة طيف واسع للانتخابات التشريعية القادمة في ظل تواصل نبرة الاستهزاء والسخرية في صفوف الشباب خاصة

هذا الخوف الحكومي، دفع ببعض وجوه السلطة إلى اعتبار كلّ دعوة إلى المقاطعة وجهًا من وجوه الخيانة الوطنية، مثلما ذهبت إليه وزيرة الثقافة السّابقة وعضو الثلث الرّئاسي في مجلس الأمّة زهية بن عروس، كما صارت الملصقات والومضات الإشهارية الداعية إلى المشاركة الواسعة، أكثر كثافة من تلك التي تقدّم الوجوه المترشّحة وبرامجها.

اقرأ/ي أيضًا: الحملة الانتخابية في الجزائر.. بداية "باهتة" وقلق من المقاطعة

ومن تجليات هذا الحرص الحكومي أن الحملة حملت شعارين دفعة واحدة هما "سمّع صوتك" و"كلنا معنيون"، كما تمّ توقيف النشاطات الثقافية والفنية والرّياضية، وتسخير القاعات الموجودة في المحافظات الثماني والأربعين، لتجمّعات المترشّحين المستقلين والمتحزّبين، مع التأكيد أن الانتخابات ستكون نزيهة، بإشراف "الهيئة العليا المستقلّة لمراقبة الانتخابات".

مع اليوم الأوّل من الحملة، استيقظ الجزائريون على تحوّل المحالّ التجارية التي كانت مغلقة، بسبب عجز أصحابها عن تجهيزها، إلى مقرات للمترشحين، وقد علقت صورهم وشعاراتهم على واجهاتها. يقول الشّاب سعد الدّين إن ذلك واحد من الأدلّة على خواء الخطابات الحزبية، "لو قامت هذه الأحزاب سابقًا بدورها في مساعدة المواطنين، لكانت هذه المحالّ اليوم تقوم بوظيفة تجارية لا وظيفة سياسية. إنهم يقتاتون على حاجة المواطن لا على خدمته".

وقفنا ساعتين أمام اثنين من هذه المحال، في مدينة بودواو، 38 كيلومترًا إلى الشرق من الجزائر العاصمة، ولاحظنا اقتصار الإقبال عليها على حاشية المترشحين، فيما كان الشباب إمّا يمرّون بالقرب منها مستهزئين، وإمّا غير مبالين تمامًا. يقول ياسين أحمد (34 عامًا) لـ"الترا صوت" إنه ليس بحاجة إلى أن يقرأ ما تقدّمه هذه المداومات الحزبية من منشورات ترويجية، "لأنني أحكّم الواقع لا الأوراق أو الكلام". يشرح أكثر: "معظم هؤلاء المترشحين يقدّمون أنفسهم على أنهم أبناء المدينة، لكن لم يحدث أن صادفتهم في يومياتي قبل الحملة، ولن أراهم بعد الانتخاب، فلماذا أنتخب من لا أراه في واقعي؟"

طالب الحقوق إسماعيل معزوزي قال إن من بين تجليات الكذب في هذه الانتخابات، أن المترشح فيها يعد المواطنين بمشاريع تنموية معيّنة، بينما مهمّة النائب البرلماني أصلًا هي إنجاز مشاريع قوانين، "وهم بهذا لا يفرّقون بين السلطة التشريعية والسّلطة التنفيذية التي هي الحكومة، متاجرين بحاجة النّاس إلى التنمية". فيما قال الكاتب ورئيس "منتدى المواطنة" كمال قرور إن "الأحزاب الجزائرية انتقلت من المطالبة بالديمقراطية التشاركية إلى المطالبة بالفساد التشاركي".

اقرأ/ي أيضًا: سؤال الإعلام في الانتخابات التشريعية في الجزائر

حضر "الترا صوت" نقاشًا استعمل فيه القاموس البذيء، بين ممثلي حزب مترشح نزلوا إلى الشارع العاصمي لتقديم مرشحيهم، ونخبة من الشّباب العاطل عن العمل. قال الكهل المتحزّب إنهم سيدخلون البرلمان ليوقفوا الفساد الممنهج، فردّ عليه الشابّ العاطل عن العمل: "الأولى أن تدخلوا المقبرة، فأنتم موجودون في البرلمان منذ فترتين ولم يحدث أن انتعش الفساد مثلما انتعش فيهما، فلماذا لم تنسحبوا لتوقعوا السلطة في الحرج؟ إنكم تبررون دخولكم البرلمان بخدمتنا، ثم تبررون استمراركم فيه بالحفاظ على تماسك اللحمة الوطنية". فما كان من الوفد الحزبي إلا أن انسحب، تحت تصفير وتهكمات الشباب.

مع انطلاق الحملة الانتخابية في الجزائر تحضرًا للتشريعيات، ينشط المترشحون باستحياء في مواقع التواصل التي تزخر بالسخرية والتهكم

عاينّا المساحات المخصّصة لتعليق الملصقات الحزبية، في مفاصل من محافظات الجزائر العاصمة وبومرداس، 60 كيلومترًا شرقًا، وتيارت، 600 كيلومتر إلى الجنوب الغربي، فلم نجد ملصقة واحدة سلمت من التمزيق أو التشويه، سواء تعلقت المعلّقة بأحزاب المعارضة أو أحزاب الموالاة، بل إن بعضها كتبت عليها شعارات من النوع الذي يفرّق بين الأخ وأخيه والأب وابنه، أو رسمت عليها أشياء تدلّ على أنّ الجزائري يريد الموز أو الثّوم اللذين شهدا ارتفاعًا كبيرًا في سعرهما هذه الأيام.

يرفض الجامعي طارق. ن من مدينة السوقر هذا السّلوك، ويقول إن الرفض يجب أن يظهر بشكل حضاري، "لا تنتخب إذا كنت متحفظًا على ذلك، لكن لا تصادر حقي في أن أطلع على الوجوه المترشحة بتمزيقك للملصقات، أو عرقلتك للتجمّعات، فالحرية لا تعني الفوضى والاعتداء على حقوق الآخرين". ويشير الجامعي الجزائري إلى أن الانتخابات فقدت معناها بغياب الوعي المدني، "فالجزائري إمّا يقاطع ويترك الفرصة متاحة للانتهازيين، وإما ينتخب على أساس يتعلّق بالقبيلة لا بالكفاءة".

هذا التفاعل في الواقع، امتدّ إلى الافتراضي في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بين حملة يخوضها المترشحون على استحياء، وسخريات يطلقها رواد الموقع بكلّ جرأة. من ذلك ما كتبه فيصل شيخ معلقًا على إمام مترشح قال إنه سيدخل البرلمان ليخدم الإسلام: "عزيزي الشيخ الإمام، أتمنّى لك ما هو فوق المناصب، ولك أن تخدم نفسك وأهلك، لكن ما قلته لا يدخل دماغي". أمّا إلياس يخلف، فقد حوّر أغنية فيروز على لسان الانتخابات: "زوّروني في السنة مرة، حرام تنسوني بالمرّة".

فيما انتشرت ملصقة تشبه ملصقات المترشحين، تقدّم وجوه فيلم "كرنفال في دشرة" الذي تناول عام 1994 ظاهرة جرأة الأمّيين على الترشح للانتخابات، وبقي ممثّلوه، على رأسهم عثمان عريوات الذي اختفى من السّاحة بسبب الفيلم، راسخين في أذهان الجزائريين. أمّا الشاعر عبد القادر مكاريا، فقد تساءل: "هل يُعقل أنه في جزائر 2017 أن تخلو القوائم من النخبة؟ اتقوا الله في هذا الوطن، ولنحاول أن نرفع من مستوى خلافاتنا واختلافاتنا".

في ظلّ هذه التفاعلات الواقعية والافتراضية، والتي تدلّ على أن الجزائري بات ينظر إلى الانتخابات على أنها بلا طائل، قال جمال ولد عباس رئيس حزب "جبهة التحرير الوطني"، الذي يهيمن على البرلمان الحالي، ويرأسه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة شرفيًا، إن مترشحيه ليسوا بحاجة إلى حملة انتخابية، "لأن الشّعب سينتخبهم بشكل عفوي"، ممّا عدّه شطر من المعارضة مؤشرًا مسبقًا على أن الانتخابات سوف تكون مغشوشة. فيما قال حسن عريبي، أحد أبرز مرشحي التيار الإسلامي، إن "السلطة أعطت لهم ضماناتٍ بأنها سوف لن تكون كذلك".

 

اقرأ/ي أيضًا:

المال السياسي بعبع الانتخابات البرلمانية الجزائرية

الجزائر..الإسلاميون يبحثون عن حلفاء في الانتخابات