10-يوليو-2016

نوال السعدون/ العراق

كذبة العالم

على هذا العالم أفتح عينيَّ كل يوم، لأنظر للصورة من زاوية جديدة: في الشارع طفل، أمام الطفل رصيف، وراء الرصيف جدار، وراءه سر، وتحيط السر حماقة. تصدم الطفلَ سيارةٌ خرجتْ من بين الحماقات، تفتَّح السرُ كوردة دامية وأُفشيَّ عطرًا حول الطفل الملقى على الرصيف، السائق مضى خلف جدار وأصبح سرًا آخر، سيسير يومًا على الرصيف وتصدمه دراجة نارية.

على هذا العالم أفتح عينيَّ كل يوم، لأتعلم الكذبة؛ أن العالم واسع: على شاطئين متقابلين، شجرتا جوز هند متشابهتان بكل شيء سوى فرق السن، بين الشاطئين محيط ماء ألَّفته قطرةٌ استنسخت نفسها، تعوم فيها حكايات أطفال خيالية صدقتها القطرة فامتلأت بها، الشجرة الأولى كانت بذرة، كبرت وألقت إلى القطرات بذرة منها حملتها إلى الشاطئ الآخر. هذا العالم واسع بقدر قطرة ماء وبذرة.

على هذا العالم أفتح عينيَّ كل يوم، وأحدثه: هذا الضوء في الأمس كان هناك، وسيكون هناك غد، كما أنا هنا الآن وبعد قليل في المطبخ، لو كان لي لسانك لكنت ملايينًا من الأشخاص يقطعون الأرض: واحد لم يعد من السوق، سطى على متجر الحلي، وسافر إلى أستراليا، آخر انتحر قبل أعوام طويلة، والطالب الذي كان مجتهدا بقيَّ مجتهدًا ودخل كلية الطب وتزوج امرأة غنية وجميلة، أنا صادق لأن لا نسخة مني سوى التي تحدثك الآن، وأنت صامت مخادع، لسانك يرسم الصورة وعليَّ أن أفتح عينيَّ عليك كل يوم لأعرف الخدعة.

صلاة المسافة

لهذه الصورة أصلي كما صليت لقبلها، لألق الشوق والوجع في العينين الناعستين، ولقفزة الطفل وسع المحجرين بهجة، ولحنق الحدقة اللامعة، وسكرة الجفنين الدائخين. لهذه الصورة أصلي ولما بعد الصورة، طية اللحاف وعرق الرقبة الذي التصق بخصلة، وطرف الثوب العالق بين الفراش وخشب السرير.

وأصلي لأربع أصابع تبعج الوجنة اتكاءً، ولقلادة مراهقة تغالي في تدليها، تلك النجمة السوداء سجدتي، على العنق هناك.. نعم يا ليلي الأبيض. وأنا شعرة الجفن الساقطة يسار أرنبة الأنف في دعاء الأمس، وأنا الجرح الصغير على السبابة اليمنى في دعاء اليوم.

اقرأ اليأس في الصوت قصيدة قبل المغيب، الشعر صلاة من لا معبد له، وقصائد الصمت التي يغنيها الشهيق والزفير أسمعها وأبكي، قلت الشعر صلاة وقرأته حتى بأثر القدمين على عتبة الباحة الخلفية، نغمت رقصة حبل الغسيل على إيقاع القلب وغنيت في قلبي، صوت القلب لا ينشز ولا يعرف السوء في اهتزاز أطراف حروفه.

أيتها الصورة ومن خلفك الصوت، شبح جميل أحبه كل صباح، وحضن كلما أغمضت عينيَّ مزجتكما معا. أيتها الفتاة خلف الصوت الذي أمامه الصورة، أيتها البعيدة أنا عطش وروحي تفطرت في العراء، مدي يدك متوغلة في شعري مرة ليضيء رأسي، وافركي بإبهامك تراب الروح لتنبت فيه الحياة، أيتها الصورة ومن خلفك الصوت أحبك، أيتها البعيدة من هنا خطوة إثر خطوة حتى هناك.

اقرأ/ي أيضًا:

الموتى أيضًا يصرخون

فان غوخ في قريتنا