17-ديسمبر-2018

يتعرض الناشطون في العراق إلى قمع مزدوج من السلطات والميليشيات (أ.ف.ب)

ألترا صوت - فريق التحرير

لم يحظ العراق باستقرار أمني ملحوظ في واقعه منذ 15 عامًا، عطفًا على عدم الاستقرار الاجتماعي، ولهذا تجد العصابات أرضية خصبة لتنفيذ الجرائم والابتزازات المتعددة التي تقوم بها في مختلف المحافظات على أرض الواقع. وبعد ظهور الإنترنت، ثم مواقع التواصل الاجتماعي، وجدت هذه العصابات نوافذ جديدة لتنفيذ جرائمها، إضافة إلى ظهور عصابات جديدة صنعتها مواقع التواصل الاجتماعي ذاتها. 

لم يواجه مرتكبو الجرائم الإلكترونية في العراق عقوبات بعد حوادث كثيرة وصلت إلى القتل، وذلك نظرًا لضعف الثقافة الإلكترونية في المؤسسات الأمنية، إضافة إلى هيمنة البيروقراطية التقليدية على المؤسسات العامة 

بعد انتشار موقع "فيسبوك" في العراق بشكل واسع جدًا، واستخدامه لغايات متعدّدة، لا تنفك المخاوف من الجريمة الإلكترونية تتصاعد أكثر، إذ يقول مسؤول إعلام الشرطة المجتمعية في بغداد، حسين عامر، في تصريح صحفي، إن "كل شخص يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي قد يكون معرضًا للابتزاز الإلكتروني"، لافتًا إلى أن "الابتزاز يكون عن طريق نشر الصور والمحادثات ومقاطع الفيديو والوثائق الخاصة التي يتم تسريبها بهدف استغلال الضحية بأشكال متنوعة"، فيما يحدّد الأغراض التي تنفذ فيها الجرائم الالكترونية في العراق، ويقول إن منها ما هو "مادي أو انتقامي أو جنسي أو سياسي أو لأغراض التسلية".

لم تقتصر الجريمة الإلكترونية في العراق على صورة واحدة ومحدّدة بالنسبة للجهات الحكومية المسؤولة عن هذا الأمر. حيث يرى مختصون أن هذا النوع من الجرائم يبدأ من الإرهاب الذي يستخدم هذه النوافذ للتخطيط والتنفيذ، وصولًا إلى جرائم الاتجار بالبشر عن طريق الإنترنت، ثم تجارة المخدرات باستخدام الشبكة، وحتى إلى ارتكاب الجريمة المنظمة والقرصنة الإلكترونية وانتحال الصفة عن الأشخاص، وجرائم الاحتيال، إضافة إلى تزوير البيانات وهي من الجرائم المعلوماتية الأكثر انتشارًا.

اقرأ/ي أيضًا: الحشد الشعبي..الميليشيا في مواجهة الدولة

لم يواجه مرتكبو الجرائم الإلكترونية في العراق عقوبات بعد حوادث كثيرة وصلت إلى القتل، وذلك نظرًا لضعف الثقافة الإلكترونية في المؤسسات الأمنية، إضافة إلى هيمنة البيروقراطية التقليدية على المؤسسات العامة. في هذا الصدد، يرى المتحدث باسم السلطة القضائية، القاضي عبد الستار بيرقدار، في مقال نشره في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أن "الجريمة الإلكترونية ظاهرة عالمية تكاد تعانى منها كافة دول العالم ومن بينها العراق، مثل الخداع والاحتيال الذى يبدو فى قدرة مرتكبيها على إقناع ضحاياهم بأن أهدافهم عادية ومشروعة، كما تتسم هذه الجرائم بالتعقيد المتزايد، الأمر الذى يعوق عملية الكشف عنها أو حتى ملاحقة مرتكبيها وعقابهم لقدرتهم الفائقة على إخفائها، وللقصور التشريعي فى مواجهتها".

وأضاف بيرقدار، أن "الآونة الأخيرة شهدت زيادة في الجريمة الإلكترونية وخاصة الإرهاب، الذى ينطوى فى داخله على مخاطر تفوق كافة التصورات فى تهديده للأمن فى المستقبل ويكفي أن نعرف أنه بلمسة واحدة يمكن لشخص أو مجموعة أشخاص أن يكبدوا بعض الأشخاص أو المؤسسات أو حتى الشركات الكبرى خسائر كبيرة، أو يهددوا أمن واستقرار المجتمع"، لافتًا إلى أن "الإرهاب لم يعد مقصورًا على التفجيرات فقط، ولكن الحرب الإلكترونية بات نطاقها أوسع بكثير، فهي قادرة على غزو المؤسسات الإنتاجية والخدمية والمصارف ومحطات البث الإذاعي والتلفزيوني، فضلًا عن زرع أجهزة التجسس أو إحداث جرائم إلكترونية عبر التداخلات اللاسلكية في الشبكات".

لا تقتصر الجرائم الإلكترونية على أشخاص محددين في العراق، إنما تصل أحيانًا إلى عشائر تتحارب فيما بينها، حيث يقوم بعض القائمين على الابتزاز الإلكتروني بنشر صور الفتيات في أوضاع مختلفة، لتقوم العشيرة بعدها بقتل الضحية بدعوى "غسل العار"، وتتحارب مع عشيرة الشاب.

القانون غائب الميليشيات حاضرة

نظرًا لضعف سطوة الدولة والقوات الأمنية على الواقع العراقي، فإن الميليشيات تستغل هذا الضعف للمواجهة المباشرة مع من يكتبون في مواقع التواصل الاجتماعي ضد دورها. في أيار/مايو 2017 اُختطف سبعة ناشطين في منطقة البتاوين وسط بغداد، بسبب انتقاد أحد المخطوفين الأمين العام للفصيل المسلح، عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، في منشور على فيسبوك، وكان النشطاء يسكنون في شقة واحدة للدراسة في بغداد، واختطفوا جميعًا.

تعددّت حالات الخطف في العراق بسبب الكتابة في شبكات الإنترنت، إذ يعتبر انتقاد "الحشد الشعبي"، جريمة لا بد أن يحاسب عليها الإنسان دون الرجوع للدولة، فالفصائل هي من يملك السلاح، ولها سلطة داخل الدولة وخارجها تستطيع فيها أن تغيّب من تشاء وتدخل إلى بيت من تريد. في نفس هذا السياق، اقتحم مجهولون في كانون الأول/ديسمبر 2016 مثلًا منزل الصحفية أفراح شوقي بعد ساعات من نشرها مقال على الإنترنت، حمل عنوان "استهتار السلاح في الحرم المدرسي"، منتقدة فيه "المجاميع التي تعتبر نفسها أكبر من القانون" وتفرض ما تريد بقوة سلاحها المنتشر في المحافظات العراقية. وبالرغم من قول مكتب رئيس الوزراء وقتها، إنه "وجه بملاحقة أية جهة يثبت تورطها بارتكاب هذه الجريمة واستهداف أمن المواطنين وترهيب الصحفيين"، ورغم إطلاق سراح شوقي بعد أسبوع ونقلها على أيدي الأجهزة الأمنية إلى منزلها، لكن أي معلومة عن الخاطف لم تُكشف حتى الآن.

يودي انتقاد السياسيين العراقيين ىفي الفضاء الإلكتروني بصاحبه في كثير من الأحيان إلى المساءلة والملاحقة القانونية تحت بنود سُنت منذ حكم حزب البعث وما زال يُعمل بها إلى الآن

الملاحقة السياسية

انتقاد السياسيين في الفضاء الإلكتروني يؤدي بصاحبه في كثير من الأحيان أيضًا إلى المساءلة والملاحقة القانونية تحت بنود سُنت منذ حكم حزب البعث وما زال يُعمل بها إلى الآن، إذ يلاحق الكثير من الذين يكتبون في الإنترنت وفق المادة 111 لسنة 1969 من قانون العقوبات العراقي، والتي تعرف بمادة التشهير والقذف. ومن يكتب على الإنترنت أي مقالة ينتقد فيها رئيس الجمهورية أو شخصية نافذة في البلاد، فإنه تحت ذريعة هذا القانون قد يُعاقب بالسجن مدى الحياة، كما تنص المادة 225، بالإضافة إلى مصادرة الأموال، بدعوى "الإهانة".

اقرأ/ي أيضًا: العراق.. بيئة خصبة للإفلات من العقاب

في آب/أغسطس 2016، أدين الصحفي العراقي منتظر ناصر مثلًا بتهمة القذف والتشهير في محكمة النشر، التابعة لمجلس القضاء الأعلى، بعد أن نشر تقريرًا يتضمن ملفات فساد مالي وإداري أدان فيه رئيس هيئة الإعلام والاتصالات صفاء الدين ربيع، وهي قضية أطلق عليها آنذاك "الفضيحة الكبرى"، ضمن الملفات التي عرفت وقتها عالميًا بـ"أوراق بنما".

ويواجه النشطاء في العراق تهمة "القذف والتشهير" بشكل متكرر، وهي التهمة التي تأتي غالبًا بعد انتقادات يوجهونها لسياسيين معينين في وسائل التواصل الاجتماعي.

في كلتا الحالتين، يواجه الناشطون العراقيون في وسائل التواصل الاجتماعي بطش القانون، الذي يضعهم أمام احتمال السجن المؤبد مدى الحياة في حال انتقادهم للسلطة،  وكذا بطش غياب القانون، الذي يسمح للميليشيات المتنفذة باعتقال واختطاف، وربما اغتيال، الناقدين.