26-فبراير-2017

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير (بول ريكاردس/أ.ف.ب/Getty)

أثارت زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للعاصمة العراقية بغداد زوبعة داخل المشهد السياسي العراقي الذي انقسم بين مبارك للزيارة وبين مستنكر على خلفية اتهامات من بعض القوى السياسية العراقية، خاصة المقربة من إيران، للمملكة العربية السعودية بدعم الإرهاب في العراق، كما جاءت مواقف بعض النواب والسياسيين المستنكرين للزيارة نفاقًا لإيران ومزايدات على موقفها من الرياض على الرغم من أن تلك العلاقة بدأت تشهد انفراجًا، ولو محدودًا، خلال الأيام القليلة الماضية.

يرى بعض المحللين أن السعودية تريد أن تهرب من حالة الابتزاز الأمريكي بالتقارب مع إيران عن طريق العراق التي تراها مؤهلة لهذا الدور

وفتحت زيارة الجبير إلى العراق باب التكهنات على مصراعيه في بغداد والمحيط الإقليمي على خلفية التطورات المتسارعة في المنطقة والعالم والتي تشهد تغييرًا في مواقف واشنطن من مجمل أزمات المنطقة بعد وصول الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

اقرأ/ي أيضًا: العراق .. حرب النفط والمخدرات في البصرة

وبرز رأي في العراق أن السعودية تريد أن تهرب من حالة الابتزاز الأمريكي بالتقارب مع إيران عن طريق البوابة العراقية التي تراها مناسبة، لاسيما بعد تصريح وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، واستعداده بلعب هذا الدور، مع علم السعودية بمدى قرب الأخير لإيران.

كما تأتي هذه الخطوة تعزيزًا للتحرك الكويتي العماني في هذا الإطار، لا سيما وأن طهران أبقت بابها الدبلوماسي مع الرياض مواربًا بعد تصريح وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف خلال كلمته في منتدى دافوس، الذي قال فيها، إنه لا يرى سببًا للعداء بين إيران والسعودية، معتبرًا أنه بإمكان البلدين التعاون معًا لحل أزمات المنطقة، ومنها سوريا واليمن والبحرين، منوهًا بتعاونهما في حل أزمة الرئاسة اللبنانية.

وقال عمّار السواد، الكاتب والصحفي العراقي، أن "سياسة العصا والجزرة، أو منهجية الضرائب السياسية الأمريكية في ضفتي الخليج، بدأت بتحقيق نتائجها"، لافتًا إلى أن هذه السياسة "من نتائجها، زيارة عادل الجبير إلى بغداد بعد 27 سنة من آخر زيارة لوزير سعودي" إلى بغداد.

وأضاف السواد أن "الضغوط الأمريكية على السعودية في عصر بوش الابن وأوباما، لم تدفع الرياض إلى القيام بهذه الخطوة. لكن البورصة السياسية الأمريكية الجديدة، غيرت المعادلة، وهي أيضًا كانت عاملًا حاسمًا في دعوة طهران للرياض إلى الحوار غير المشروط".

غير أن آراء أخرى أحالت الزيارة إلى استعادة العراق لبعض من موقعه الإقليمي بعد الانتصارات التي حققتها القوات الأمنية العراقية على تنظيم "داعش"، وقرب تحرير كامل مدينة الموصل من التنظيم الذي سيطر على المدينة في حزيران/يونيو 2014، ما يعني أن المؤسسة العسكرية العراقية استعادت قوتها وباتت قادرة على استعادة هيبة الدولة والمحافظة على حدودها الخارجية.

وقال إحسان الشمري رئيس مركز التفكير السياسي، والمقرّب من الحكومة العراقيّة، إن "الزيارة تهدف إلى إعادة العلاقات بشكل أكثر ثباتًا من السابق"، موضحًا أن "المنطقة تمضي نحو التسوية، والسعودية تعتبر العراق طرفًا مهمًا لتكسبه إلى جانبها"، قبل أن يضيف أن رئيس الوزراء حيدر العبادي لم يعرف عنه انخراطه في سياسة المحاور المعادية للسعودية.

وعلى الرغم من زيارة الجبير إلى بغداد اخترقت جدار العزلة العربية التي يعانيها العراق منذ نيسان/أبريل عام 2003، بيد أن جناح نائب الرئيس العراقي نوري المالكي، المعروف بتبعيته المباشرة لإيران، شنّ حملة مكثفة على الزيارة وعلى السعودية، متهمًا الرياض بالعمل على تخفيف وطأة هزيمة "داعش".

اقرأ/ي أيضًا: الشرطة العراقية تقمع آلاف المتظاهرين في بغداد

وقال النائب كاظم الصيادي، المشهور بتصريحاته الممجدة للمالكي الذي رفضت السعودية استقباله، أن زيارة الجبير إلى العراق جاءت بأجندات خارجية، لافتًا إلى أن "الغرض من هذه الزيارة التنسيق لتهريب قيادات داعش من العراق".

وأضاف الصيادي، أنه من المخجل على رئيس الوزراء حيدر العبادي استقبال وزير دولة لطالما كانت من المصدرين للإرهاب والسبب الأكبر في دعم داعش"، وفق الصيادي.

نوري المالكي، المعروف بتبعيته المباشرة لإيران، شن حملة مكثفة على زيارة وزير الخارجية السعودي للعراق، متهمًا الرياض بالعمل على تخفيف هزيمة داعش

بالمقابل، بدا الجناح السنّي في العراق أكثر اطمئنانًا للزيارة، وقال مصدر في تحالف القوى، الذي يجمع الأحزاب السنيّة في البرلمان الاتحادي العراقي، أن "أسباب زيارة مسؤول بمستوى وزير خارجية السعودية تؤكد أن موضوع العراق بدأ يأخذ اهتمامًا دوليًا، ولم يعد شأنًا داخليًا".

وأضاف أن "هناك اهتمامًا سعوديًا كبيرًا في مرحلة بعد تنظيم داعش لإبعاد العراق عن النفوذ الإيراني والذي يتخوف الخليج من أن تصله نيرانها"، مشددًا على أن "هذه الزيارة هي بداية لتقليم أظافر إيران في العراق، وتقدم دعمًا كبيرًا لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي في حربه ضد الإرهاب، ثم أنها بمثابة ضوء أخضر للدعم العربي".

وحملت زيارة الجبير إلى العراق حزمة من العروض تقدّمها فتح المعابر الحدودية وتفعيل الطيران المدني بين البلدين بالإضافة إلى عروض السعودية في المساعدة في إعادة إعمار المناطق التي دمرها الإرهاب، والتي يبدو أن الجناح المعتدل في الحكومة والبرلمان العراقيين ممثلين برئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد تلقفها وترجمها من خلال الاهتمام بالضيف السعودي الذي التقى معظم القيادات الرسمية العراقية والتي توجت بمأدبة غداء خاصة أقامها العبادي على شرف الجبير الذي يعد أول مسؤول سعودي رفيع يزور العراق منذ غزو العراق للكويت عام 1990.

لكن هشام الهاشمي، الخبير في شؤون الإرهاب، أكد أن الزيارة جاءت "بعد تنسيق مخابراتي مع الحكومة العراقية"، لافتًا إلى أنها جاءت "لإعادة التعاون الأمني والعسكري لقتال (داعش)".

اقرأ/ي أيضًا: 

الحكم للمسئوولين وأقاربهم في العراق