30-نوفمبر-2016

عمل الجيش في الجزائر على تطوير نفسه ماديًا وبشريًا (فاروق بعطيش/أ.ف.ب)

في مقالات سابقة، ذكر "ألترا صوت" الأهمية التي توليها الأسرة الجزائرية لشهادة البكالوريا/الثانوية العامّة، في سياق الاحتفاء بنجاحات متمدرسيها، لكونها العتبة التي تمكن الحاصل عليها من ولوج الفضاء الجامعي، وفق التخصّص الذي يرغب فيه.

رغبة مؤسسة الجيش في تثقيف صفوفها في الجزائر، قابلتها رغبة الآلاف من الجامعيين في تحسين ظروف عيش أسرهم، فاستجابوا لندائها بكثافة

اليوم، بقيت هذه الشهادة محافظة على ألقها الاجتماعي، غير أنها باتت تفضي إلى فضاء آخر، بالإضافة إلى الجامعة، هو فضاء الجيش بكل فروعه، إذ يصبح الحاصل عليها جنديًا مباشرة، مستفيدًا من شهادته تلك في نيل درجة عادة ما تُنال بالأقدمية.

اقرأ/ي أيضًا: الطلبة الجزائريون.. بين ماض ثوري وحاضر خامل

لقد عمل الجيش في الجزائر، بعد التجربة القاسية التي خاضها في محاربة الإرهاب في تسعينيات القرن العشرين، على تطوير نفسه، ماديًا وبشريًا، حتى بات مصنّفًا ضمن أقوى الجيوش في أفريقيا والوطن العربي، خاصّة من زاوية استقطابه للكفاءات العلمية، بعد أن كانت الخدمة العسكرية الواجبة على الشابّ الجزائري هي المصدر الوحيد لتزويد صفوفه بعناصر جديدة مؤقتة.

رغبة مؤسسة الجيش في تثقيف صفوفها، قابلتها رغبة الآلاف من الجامعيين في تحسين ظروف عيش أسرهم، فكانت استجابتهم لنداءات المؤسسة العسكرية مكثفة. يحدّثنا عبد العليم: "نلت شهادة البكالوريا عام 2012، ودرست عامًا في الجامعة متخصّصًا في علوم الفضاء، ثمّ التقيت صديقًا لي كان قد التحق بمؤسسة الجيش قبل سنوات، فقال لي إنني سأهدر سنوات أخرى من عمري في الجامعة، لأجد نفسي في مواجهة البطالة، ودعاني إلى ربح الوقت بالانضمام إلى الجيش".

يواصل عبد العليم سرد سياقات تجربته: "بعد أسابيع قليلة من التدريب الإجباري، أصبحت موظفًا في المؤسسة برتبة وراتب قابلين للزيادة بالأقدمية، بكل ما يترتب عن ذلك من وجاهة اجتماعية، وهو ما كنت لأحصل عليه لو واصلت دراستي الجامعية". ويختم: "ضف إلى ذلك كلّه أنك تجد نفسك في خدمة بلادك وهو شرف لا يقلّ أهمية عن الامتيازات المادية".

في السياق، كان سعيد يرفض الالتحاق بالجيش، حتى في إطار واجب أداء الخدمة الإلزامية، فكان يتهرّب من ذلك بإعادة التسجيل في الجامعة كلما أنهى تخصّصًا ما، ذلك أن الطلبة يحصلون على تأجيل خدمتهم بشكل عفوي، "كنت أقول إن استقطاب مؤسسة الجيش للجامعيين هو استنزاف للمؤسسات المدنية، وتجسيد لسياسة عسكرة المجتمع، ثم تبيّن لي في النهاية أن نظرتي كانت قاصرة، في سياق ضرورة تحديث الجيش الذي لا يتمّ بكوادر غير متعلّمة".

يواصل: "لقد كانت صورة الجيش مشوّشة في أذهان الجزائريين سابقًا، إذ كانت مربوطة بالتعسفات المختلفة، لكن تلك الصورة انزاحت لدى البعض، بفعل أن الإطارات الآمرة في المؤسسة باتت مثقفة ومكونة بشكل جيّد، فقط أتمنّى من الحكومة أن تهتمّ بالحقول المدنية مثلما اهتمّت بالحقل العسكري، حتى لا يصبح الانخراط في الجيش مفروضًا بسبب البطالة".

يرى البعض أن استقطاب مؤسسة الجيش للجامعيين هو استنزاف للمؤسسات المدنية، وتجسيد لسياسة عسكرة المجتمع

اقرأ/ي أيضًا: الآداب والعلوم الإنسانية في الجزائر.. إلى أين؟

شريحة خاصّة من الطلبة وجدت نفسها مضطرّة إلى هذا الخيار، رغم أنها ليست راضية به، لكونه يقمع خيارها المفضل، هي شريحة الطلبة الممارسين للفن، مثل المسرح والسينما والتشكيل والكتابة الأدبية، "ذلك أن طبيعة المؤسسة العسكرية، تفرض التحفظ على المنتسبين إليها، وتمنعهم من ممارسة أي نشاط فني أو إعلامي"، يقول لنا مهدي، "كبر معي طموحي في أن أكون ممثلًا كبيرًا، والتحقت بقسم المسرح في الجامعة، كنوع من التمهيد لذلك، غير أنني اصطدمت بالبطالة المرّة بعد تخرّجي".

يواصل مهدي: "يومياتي القاسية واشمئزاز أسرتي شكّلا ضغطًا علي، فقرّرت في لحظت يأس أن أتقدّم إلى المؤسسة العسكرية، عملًا بمثل شعبي كانت تردّده أمي "أقصد الدار الكبيرة، إذا لم تتعشَّ فستبيت دافئًا"، وقد وجدت العشرات من أمثالي سبقوني إلى هذا الخيار".

يقترح مهدي على وزارة الثقافة أن تعقد اتفاقية مع وزارة الدفاع الجزائرية لاسترجاع هذه الكفاءات الفنية، وزرعها في المراكز الثقافية والفنية المختلفة، حتى تتمّ الاستفادة منها. "وإذا تعذّر هذا، فعلى وزارة الدفاع أن تنتقي هذه العناصر الفنية وتزرعها في الفضاءات القريبة من اهتمامها داخل الثكنات مثل المكتبات"،يقول مهدي.

جدير بالذكر أن تشكيلة الجيش في الجزائر، تعتمد على نوعين من المنخرطين، جندي مؤقت في إطار الخدمة الإلزامية التي تمّ تخفيضها مؤخرًا إلى سنة واحدة، وتشمل المتعلّمين والأمّيين، وجندي متعاقد، لمدة محددة، تمتدّ من خمس سنوات إلى خمس وعشرين سنة، وهو الفرع الذي بات يستقطب الجامعيين خاصّة. "هكذا بات متاحًا لنا أن نتحدث عن المجنّدين بإرادتهم، بعد أن كان حديثنا مقتصرًا على المتهرّبين من ذلك"، حسب الكثيرين.

اقرأ/ي أيضًا: 

أي مستقبل لدراسة العلوم السياسية في الجزائر؟

الكتاب مع طلبة الجزائر في الشارع