03-يوليو-2017

يتخوف المصريون المقيمون في قطر من العودة إلى مسقط رأسهم (جو كلامار/أ.ف.ب)

داخل مقر وكالة الأنباء القطرية، حيث تمَّت فبركة تصريحات منسوبة للأمير تميم بن حمد، وقف الصحفي المصري، خالد حسن (اسم مستعار)، بانتظار التطورات في شأنه هو وزملائه المصريين العاملين في الوكالة. لم يشعر في البداية أن الاختراق الذي جرى، ودسّ تصريحات مسمومة أربكت عدّة علاقات دولية، يمثل خطرًا على مستقبله أو حياته المهنية، أو عمله بالدوحة، إلَّا أن قطع العلاقات، الذي ورَّطت مصر نفسها فيه، بأوامر سعوديّة - إماراتية، وضعه في قلب الأزمة.

صحفي مصري في قطر: أعاني من ملاحقات أمنية في مصر، وصعوبة في التفتيش لدى دخولي مطار القاهرة، أعامل وكأنني جاسوس

يقول لـ"الترا صوت": "جئت هنا، ببساطة، بحثًا عن عمل. لا علاقة لي بالأزمة الخليجية، ولا بقطع العلاقات الدبلوماسيّة". خائفًا، لا يعرف ما الذي سيلاحقه حين يعود إلى القاهرة في إجازته السنوية: "إذا كان كل مصري يعمل في قطر يشعر بمصيبة، أشعر أنا بمصيبتين".

لماذا؟.. كانت إجابته: "أنا أعمل في قطر، وأعمل صحفيًا، والمصيبة الكبرى أنني أعمل في الوكالة التي استغلتها السعودية والإمارات لاصطياد قطر، واللعب في الماء العكر ثم دخلت مصر على خط الأزمة.. وهذا يمثِّل عليّ عبئًا أكبر".

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: أزمة العلاقات الخليجية القطرية.. في أسباب الحملة ودوافعها

لم يكن لديه تفسيرات لكثير ممّا يقوله، فهو قلقٌ من المستقبل فقط، وهذا كل ما في الأمر، لكن تخوّفه كان على عكس التوقعات: "أعاني من ملاحقات أمنية، وصعوبة في التفتيش لدى دخولي مطار القاهرة لمجرّد أنني عائد من الدوحة، فالأمن - دائمًا - يفقدني شعوري بأني مصري، ومن حقي أن أعود إلى بلدي دون معاملتي معاملة الجواسيس".

"لا أعاني أي مشكلة في الدوحة في المقابل، المشكلة كلها حين أعود إلى القاهرة".. يضع خالد النقاط على الحروف، ويضيف: "منذ اللحظة، التي أعلنت فيها مصر قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، تجنَّبت نزول الشارع، أو الإعلان عن هُويتي في إشارات المرور، اكتفيت بغلق زجاج السيَّارة".

لكن خالد غيَّر موقفه بعد يومٍ واحد: "بالأمس، جلست على المقهى المجاور، صنعنا دائرة أنا ومجموعة من المصريين، كشفنا مخاوفنا، كنَّا متوترين للغاية، فاكتشفنا أن لا أحد بالمقهى كله يتحدث عن (قطيعة الخليج). الكل مشغول بحياته. لم تتغيّر معاملة القطريين لنا".

حدثت القطيعة فجرًا. لم تكن بلاد العرب مستهدفة بالتوقيت، إنما كان الوقت المناسب لتعرفَ أمريكا بها، فهو موعد استيقاظ الرئيس الأمريكي، ترامب، الذي منح الضوء الأخضر للانقضاض على الدوحة بعدما رفضت دفع ما سُمِّي بـ"فدية الحماية"، التي قدَّمتها السعودية 390 مليار دولار.

أفاق خالد من نومه، هو الآخر، على رسالة: "السعودية والإمارات ومصر تقاطع قطر دبلوماسيًا". بدأ التفكير في كل شيء: "كيف أتواصل مع السفارة؟ كيف أجدد جواز السفر؟ هل سيتم ترحيلنا؟.. إلى أي مدى سنتأثَّر؟". يروي ما جرى لـ"الترا صوت": "ارتديت ملابسي بسرعة، وذهبت إلى مقر عملي بوكالة الأنباء القطرية لأجد أمرًا في مكتب الاستقبال بأنّ المدير ينتظرني. قال لي: "لا تقلق على مصيركم، أنتم زملاؤنا وفي أمان".

حملة طمأنة سادت جميع مؤسسات الدوحة للمصريين، الكلّ أعلن أنه لا مساس بالعمالة المصرية، لا أحد سيضرّكم، لا أذى بانتظاركم.

كان حسن البنا، مصري مقيم بقطر، شاهدًا على البعض ممَّا جرى: "الطمأنة داخل المؤسسات جعلت المصريين يشعرون بالأمان، فلا خطر على أرزاقهم".

حاولت وزيرة الهجرة المصرية أن تطمئن المصريين على الجانب الآخر، فاخترعت خطًا ساخنًا للشكاوى، وأطلقت عدّة تصريحات عنترية مفادها أنه لا مساس بـ300 ألف مصري في الدوحة، لكن ذلك لم يحل دون وقوع ارتباك بين أفراد الجالية المصريّة.

وفق قول البنا فإن "لا أحد قلق الآن، البعض قال إن قطر ستطرد المصريين، لكن المعاملة في المؤسسات الرسميّة والشارع تؤكد العكس، وهذا الكلام غير مطروح الآن، ولن يحدث بشكل أو بآخر.. نثق في ذلك".

اقرأ/ي أيضًا: أبوظبي على لسان سفيرها في موسكو: حرية الصحافة والتعبير ليست لنا

إثر قطع العلاقات من الجانب المصري، قال البعض إن قطر ستطرد المصريين لكن المعاملة في المؤسسات والشارع تؤكد العكس

عدد من المصريين حجزوا على طيران القطرية لقضاء إجازاتهم بالقاهرة، صادف ذلك مَنْع هبوط طائرات الدوحة على الأراضي المصرية.. شعروا بأنهم في ورطة، لكن شركة الطيران طمأنتهم من الدوحة بأنها ستقلّهم، على حسابها الخاص، إلى الدوحة، ومن هناك إلى القاهرة على طائرة "مصر للطيران".

ما الذي جرى؟.. في الكويت، حين عرف طاقم مصر للطيران أن المصريين كانوا على متن الطيران القطري، امتنعوا عن نقلهم، فعادوا إلى الدوحة مرة أخرى. تتردد هذه الحكاية بين المصريين بكثرة، أخذت حيزًا واسعًا من حواراتهم بالدوحة، فالخوف بات من العودة، وليس البقاء.

يجيب مصري يعمل بإحدى المنظمات الخيرية بالدوحة: "الذين لا يعملون بالإعلام يفكرون فقط في كيفية تجديد جواز السفر من سفارة اليونان، وتخليص الأوراق والتوثيق، أغلبها أشياء تتعلّق بالإجراءات، وهل سيطول غلاء أسعار تذاكر الطيران؟.. هذا ما يشغلهم، أمَّا فكرة الطرد أو العودة، فليست مطروحة".

وما موقف العاملين بالإعلام من المصريين، في الجزيرة والمؤسسات الإعلامية القطرية؟.. هؤلاء كانوا الأشد قلقًا خلال الأيام الماضية، لكن المعروف أنه لا مساس بقناة بـ"قوة تأثير الجزيرة"، أو العاملين بها، يقول: "الأزمة ستصل إلى حل، هذا ما نعرفه فقط، ولا نفكر في غيره. بعض المصريين وعدتهم قطر بالحماية من النظام المصري، لأنه قد لفقت ضدهم قضايا والسجن ينتظرهم بالقاهرة، وهؤلاء لن يعودوا إلى القاهرة ولو على جثثهم، وقطر منحتهم الأمان، وهم يثقون في أنها لن تسلّمهم".

اعتبر المصريون صورة الأمير تميم وهو يقبّل رأس الشيخ القرضاوي رسالة طمأنة من الأمير شخصيًا، لكن لا يزال "القلق يحاصرهم" من مواقف وتصرفات أخرى ربما "ترتكبها" مصر، بوحي من السعودية والإمارات، تجاههم بعد رفض قطر شروط الدولتين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مونديال 2022 لن يخرج من الدوحة.. رغم أكاذيب الإمارات والسعودية

خفايا السعي المحموم لإنهاء "كابوس" الجزيرة والإعلام المموّل قطريًا