12-فبراير-2025
ثورة اليمن

لم يكتمل مسار الثورة اليمنية في التغيير (رويترز)

حلّت الذكرى الرابعة عشرة للثورة اليمنية، أمس الثلاثاء، وعلى الرغم من أنّ مصيرها لم يكن بأحسن حالًا من مصير أخواتها في بلدان الربيع العربي، إلّا أنّ استمرار الحرب للعام العاشر تواليًا مع ما انجرّ عنها من كارثة إنسانية غير مسبوقة، يجعل من مرور كلِّ ذكرى مناسبةً متجددةً لليمنيين لإعادة التفكير في الحدث الثوري الذي تقاذفتْه التجاذبات والتدخّلات الأجنبية إلى أن وضع الحوثيون حدًّا له بانقلابهم وسيطرتهم على العاصمة صنعاء 21 أيلول/سبتمبر 2014. فمنذ تلك اللحظة دخلت البلاد مرحلةَ الحرب وأدارت ظهرها لثورة الشباب اليمني الذي كان يحلم بالانتقال إلى نظام حكمٍ تعددي جديد، يُعيد لليمن اعتبارَه في المنطقة ويقضي على ممارسات استغلال السلطة والفساد الحكومي.

وبينما يسعى البعض ـ بمن فيهم قطاع داخل معسكر الحكومة المعترف بها دوليًا في عدن ـ إلى تحميل الثورة مسؤولية ما وصل إليه اليمن اليوم من انقسام وأزمة اقتصادية وإنسانية، يتبنى آخرون وجهة نظر مغايرة مفادها أن الثورة اليمنية، التي كانت من أكثر الثورات العربية سلمية، قد جرى حرفُ مسارها عام 2012، وبالتالي هي ثورة لم تكتمل، بدليل أن اليمن بات حلبة صراعٍ إقليمي بين إيران وخصومها في الخليج، وتحوّل الأطراف اليمنية الرئيسية إلى أدوات بيد القوى الخارجية المتنافسة. وهذا ما يفسّر استمرار الحرب طيلة عشر سنوات من جهة، وقتامة الواقع الإنساني والاقتصادي من جهة أخرى.

الأمم المتحدة: حوالي 20 مليون يمني يحتاجون إلى المساعدة في عام 2025، كما تشير ذات المعطيات إلى أن 17 مليون يمني يمثلون نصف السكان تقريبا "يواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد

استذكار للمسار

في محاولةٍ لاحتواء الأوضاع في اليمن وإدارة الانتقال بطريقة سلمية، طَرحت أطراف خليجية عام 2012 مبادرةً لحل الأزمة، ونالت المبادرة المذكورة موافقة كلٍّ من حزب المؤتمر الشعبي الحاكم حينها والمعارضة، ممثلةً في أحزاب اللقاء المشترك.

وبموجب تلك المبادرة وآليتها التنفيذية، تنحّى علي عبد الله صالح مكرهًا عن الحكم لصالح نائبه عبد ربه منصور هادي، الذي سُمّي حينها رئيسًا توافقيًا، وبذلك تم قطع الطريق أمام مشروع التوريث الذي عمل عليه علي عبد الله صالح طيلة سنوات، حيث كان يسعى إلى توريث ابنه أحمد السلطة بعد، وذلك ما يفسّر ارتماء صالح في حضن الحوثيين الذين تحالف معهم في وجه خصومهم الداخليين والإقليميين، قبل أن تقوم الجماعة باغتياله في كانون الأول/ديسمبر 2017 بعد خلافات معهم.

لم تُحقق التسوية التي قادت إليها المبادرة الخليجية مطالب الثورة والشباب اليمني عمومًا بإسقاط النظام، فقد نصّت المبادرة الخليجية على مبدأ تقاسم السلطة بين حزب المؤتمر الشعبي والمعارضة، الأمر الذي ضَمِن لصالح وأركان حكمه حصانةً من المساءلة، وفوق ذلك تكشّفت الحقائق عن استمرار سيطرة الرئيس المخلوع على المؤسستين الأمنية والعسكرية.

وقد استغلّ الحوثيون ذلك الأمر لاحقًا في بسط سيطرتهم ونفوذهم على الأجهزة الأمنية والعسكرية أيلول/سبتمبر 2014.

 ومع ذلك، لا يمكن فصل نجاح الحوثيين في السيطرة على مفاصل الدولة عن فشل مؤتمر الحوار الوطني عام 2013 في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه حول "شكل نظام الحكم، ومسألة الحوثيين، والقضية الجنوبية، وخارطة طريق إنهاء المرحلة الانتقالية"، لكنّ انقلاب الحوثيين أضاف إلى المشهد اليمني تعقيدات جديدة لا تزال تداعياتها مستمرة.

الثورة المضادة ومربع العنف المسلح

تسبب انقلاب الحوثيين في اندلاع حربٍ أهلية في آذار/مارس 2015، لا تزال فصولها مستمرة، وبغض النظر عن الأزمة الإنسانية والانهيار الاقتصادي الذي خلفته الحرب، إلا أنها أنتجت أيضًا كيانات عسكرية تتقاسم السيطرة على الأرض.

وعلى الصعيد السياسي، أفرز واقع الحرب حكومتين، الأولى هي حكومة الحوثيين في صنعاء، والثانية هي الحكومة المعترف بها دوليًا ومقرّها في عدن.

طال الانقسام الوضع الاقتصادي، حيث يوجد في اليمن اليوم مصرفان مركزيان، وكان الريال اليمني أحد أبرز ضحايا ذلك الانقسام، فبينما يبلغ سعر الدولار 513 ريالًا في مناطق سيطرة الحوثيين، فإنه يبلغ 2281 ريالًا في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا.

وزاد قيام الحوثيين في عام 2016 بقطع الرواتب من تفاقم انهيار القدرة الشرائية لدى كثير من اليمنيين.

وانعكس تأثير ذلك كله في الجوانب الإنسانية، فبحسب معطيات الأمم المتحدة، فإن حوالي 20 مليون يمني يحتاجون إلى المساعدة في عام 2025، كما تشير نفس المعطيات إلى أن 17 مليون يمني، يمثلون نصف السكان تقريبًا، يواجهون "انعدام الأمن الغذائي الشديد".

يبسط الحوثيون سيطرتهم حاليًا على 25% فقط من الأراضي اليمنية، لكن المناطق التي يسيطرون عليها هي الأكبر من حيث الكثافة السكانية، إذ تقطنها 70% من سكان البلاد.

في المقابل، وعلى الرغم من سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا على غالبية الأراضي، إلا أن الانقسامات داخلها، بما في ذلك الموقف من الثورة، جعلتها ضعيفة وغير قادرة على بسْط سيطرتها الكاملة على اليمن.