28-سبتمبر-2016

صورة من اعتصام الـ18 يوما خلال ثورة الـ25 من يناير

الكل في مصر يتحدث عن الانهيار الاقتصادي الذي بات كطوفان نوح يطال الكل، والكل الذي أقصده هنا هو الطبقة الوسطى وما فوقها بقليل أو تحتها بقليل. أما المطحونون في الأرض من المصريين فهم الطبقة التي تدوسها الأقدام دامية، أرجلهم على الدوام وكأن الجمر الذين يمشون عليه يُجدد كل ساعة ولا ينطفئ أبدًا، وكلما سُدوا طريقًا للفقر بحصى صغيرة فتحها عليهم سماسرة الموت في البلاد نارًا وقودها الفقراء والحجارة.

أما الطبقات الآمنة في مصر طبقة الشرطة وإعلاميي البلاط، والقضاة، وأبنائهم ومن كان منهم تحت الأرض أو عليها فهم برامكة مصر الذين يأكلون خيرها تحت رعاية وتمويل وحماية جيش هدد صاحبه أن يُطلقه على أهل بلد في ست ساعات إن هم فكروا أن يثوروا.

لن تكون الثورة القادمة نبيلة أو رائقة أو فكاهية، بل ستكون الجثة في مرمى الرصاص مباشرة حيث الضرب في المليان كما يقول المصريون وحيث آفة الفوضى أن الضحية والجلاد متساوون أمام القتل

رجل دخل إلى المصريين من باب البذلة العسكرية وهي بذلة لها شرعية في مصر أكبر من شرعية الدم والديمقراطية والشكليات السياسية الأخرى، فأكل وشرب على موائد المصريين وسمح لنفسه بأن يكون صاحب أكبر تفويض على القتل في تاريخ مصر الحديث. وأكبر مستورد للديون في تاريخ مصر بشكل لم يسبق له مثيل (وصل إجمالي الدين العام إلى 2.968 تريليون جنيه مصري).

ويبدو أن الرجل احتاج إلى أن يكون له ظهير وفي وفاء لا نقيصة فيه فتوغل الجيش في عهده توغلًا ضخمًا، فلا أحد يعرف شيئًا عن ميزانيته ولا عن حجم مشروعاته بل إنه تم بيع مشروعات استثمارية للجيش (كما هو الحال في مصنع سيماف الذي بسط الجيش سيطرته عليه عام 2002) ووفقًا للتقديرات فإن القوات المسلحة في مصر تدير ما بين 25-40% من حجم الاقتصاد المصري، لكن لا توجد أرقام رسمية موثقة.

اقرأ/ي أيضًا: 5 تصريحات مثيرة للجدل لـ"السيسي" في "غيط العنب"

ظاهريًا تبدو هذه خطته التي لم يحتج إلى كتابتها في برنامج لأنها لا تهم أحدًا سوى المنتفعين منها وهم الفئات القريبة من دوائر السلطة في مصر، خطته كانت أن يهتم بمن سيدعمون أركان حكمه ويمنعون الناس من الكلام في حق الحكومة ويزيدون أموالهم لا ضير في ذلك.

أما قمع الحريات فلم يكن حتى في أعتى فترات حكم المخلوع مبارك يجرؤ أحد على أن يكون باطله غير قانونى كما تفعل الدولة الآن التي تحاول بشتى الطرق أن يكون "الباطل فيها قانونيًا". فوافقت منذ يومين هيئة مفوضي الدولة على مشروع قرار يراقب ويرصد الآراء على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو المشروع الذي وعدت فيه وزارة الداخلية المواطنين بالمراقبة دون التقييد وكأنها ينقصها المراقبة لتوجيه التهم أو تلفيقها، وهي التي أعدمت شباب تتراوح أعمارهم بين الـ19 و32 في أغسطس/آب الماضي حيث قضت المحكمة العسكرية بإحالة أوراق سبعة أشخاص -أحدهم هارب- إلى المفتي بتهم استهداف حافلة جنود في منطقة الأميرية ونقطة شرطة مسطرد، وقتل ضابطين بمنطقة عرب شركس في محافظة القليوبية. ثم حصل ثلاثة منهم على البراءة بعد تنفيذ حكم الإعدام.

هذا غير أحكام الإعدام التي ينفذها النظام دون محاكمة لأشخاص هي تعرف جيدًا أنه لا رأي عام يقف خلفهم ليثأر لهم أو حتى ليكون اسمهم واجهة من الواجهات التي تثير الجدل في مصر كما حدث في قتلى رابعة وماسبيرو وغيرهم.

والسؤال الذي أطرحه على نفسي ليل نهار هل ستكون الثورة القادمة التي بات غبار حوافر خيولها يُرى من بعيد نبيلة بأي حال من الأحوال؟ هل ستكون سلمية فكاهية يخرج فيها المصريون حاملي نكاتهم وطقوسهم الهازئة من الحكام إلى الشوارع والميادين؟ هل سيعيش فيها المصريون مرة أخرى ثمانية عشر يومًا في يوتوبيا النضال والمقاومة والمساندة والاجتماع حول الهدف الواحد؟ الإجابة هي لا.

لن تكون الثورة القادمة نبيلة أو رائقة أو فكاهية، بل ستكون الجثة في مرمى الرصاص مباشرة حيث الضرب في المليان كما يقول المصريون وحيث آفة الفوضى أن الضحية والجلاد متساوون أمام القتل، وحيث يكون التسامح مجازًا والنبل استعارة مكنية عن رغبات لن تُنفذ أبدًا وأمنيات في أن يفوت قطار اللعنات سريعًا دون أن يحصد في طريقه مصر كلها.

والمشكلة أن السيسي لا يفهم أنه لا يمثل في الحكم طائفة عقدية كما هو الحال مع بشار، فيظن أنه يمثل الأغلبية ويسحق تحت أقدامه الأقليات كلها، وهو كذلك ليس حليفًا مفيدًا لأي طرف في بؤر الصراع الدائر حوله في العالم أو حتى لأي قوى كبرى كما هو الحال مع نظام بشار، بل إن نظامه عالة يستجدي العطف والاهتمام والقروض. ولو أن الجيش نفع مبارك ما حكم عليه التاريخ رغم كل ما جرى بـ" المخلوع"!

اقرأ/ي أيضًا:
مصر.. الدولة تحمّل غرقى رشيد "ذنب" موتهم
أزمة لبن الأطفال بمصر: الوجه القبيح لبزنس الجيش!