23-يونيو-2016

الواقع السوري يظهر معارضة أمريكا وروسيا لكافة حركات التحرر والثورات في العالم العربي(Getty)

بعد دخول سوريا عامها السادس مع الثورة، اتضحت صورة الواقع السوري أكثر، فالحرب الدّائرة اليوم على الميدان السوري، بين نظامٍ يرفض التّخلي عن مكاسبه، مدعومًا بميليشياتٍ طائفية لبنانية-عراقية-أفغانية، وبمدٍّ مالي ودبلوماسي إيراني-روسي، ومعارضةٍ متعدّدة الأطراف والولاءات، بين علمانية وإسلامية، إسلامية معتدلة وراديكالية وغيرها، تجتمع على حقيقةٍ واحدة، وهي ملايين الضحايا والجرحى واللاجئين.

لا تزال المدن الرئيسية، أو معظمها إذا ما استثنينا دير الزور والرّقة، تحت سيطرة النظام السوري، بينما تسيطر المعارضة على جزء كبير من الأرياف

اقرأ/ي أيضًا: الأسد.. مصيرٌ تصنعه تحالفات روسيا 

لا تزال المدن الرّئيسية، أو معظمها إذا ما استثنينا دير الزّور والرّقة، تحت سيطرة النّظام السّوري وحكم الأسد، بينما تسيطر المعارضة على جزءٍ كبيرْ من الأرياف السّورية، ويتقاسم الطّرفان السّيطرة على النّسبة ذاتها من المعابر الحدودية المتاحة، في حين يسيطر ما يعرف بتنظيم "الدّولة الإسلامية" على الخط الحدودي الذي يصل سوريا بالعراق من ناحية الرّقة-الموصل.

مناطق سيطرة كلا الطّرفين تخضع لمعايير وخطوط حمرٍ أمريكية وروسية، بهدف الحفاظ على التّوازن في الميدان، فلا يُسمح للنظام بالسّيطرة على مناطق أكبر، دخول حلب مثلًا، ولا يسمح للمعارضة بالاقتراب من دمشق، عاصمة قلب النّظام إضافةً إلى السّاحل. يتمسك اللاعبان الأساسيان، أي الرّوسي والأمريكي بالتّوازن الميداني، للحفاظ على مكاسبهم وتمرير اتفاقاتٍ تسهل استيراد بديلٍ لاتفاقية سايكس بيكو منتهية الصّلاحية، تحت مظلّاتٍ عديدةٍ كمؤتمر جينيف والرّياض ولوزان وغيرها.

أصبح من المتعارف عليه، أن للرأي العام العالمي، واللاعبين الكبار في لعبة الأمم، القدرة على التّأثير على الواقع السوري، بينما العاجز الوحيد عن تقرير مصيره، هو الشّعب السّوري، مؤيدًا كان أم معارضًا، فالمؤيد محكومٌ كما النّظام، بالحسابات الرّوسية وبعدها الإيرانية، التي تضع قواعد عريضةً له، فإيران لن تسمح برحيل الأسد دون أن تحصد المزيد من المكاسب، فبعد رفع العقوبات، تسعى لتثبيت أقدامها في منطقة الشّرق الأوسط، وخلق مناطق نفوذٍ لها، حيث نجحت في لبنان والعراق، عبر جنرالها العابر للحدود، قاسم سليماني، وروسيا لن تعطي الضّوء الأخضر للأسد بالرّحيل قبل أن تضمن حصصها النّفطية، خاصةّ بعد خسارتها ليبيا نفطيًا.

الواقع السوري اليوم، يظهر بشكلٍ جليّ معارضة الغرب بشكلٍ عام، وأمريكا وروسيا بشكلٍ خاصة لكافة حركات التّحرر والثورات في العالم العربي

اقرأ/ي أيضًا: أمريكا والأزمة السورية.. رصيد من العنتريات الفارغة 

أمّا المعارض السّوري، فلا حول له ولا قوة، تنظيم "الدّولة الإسلامية" يتقدّم في مناطق سيطرة الجيش الحرّ، والنّصرة تنصرف إلى تقييد الرّأي العام والمواطنين في معرّة النّعمان مثلًا، التّنظيمات الإسلامية تسعى لإقرار وتمرير مشروع إسلامي ودولة تحكمها الشّريعة الإسلامية وتتقاتل فيما بينها، فالمعارض، إن لم يقتل بنيران النّظام أو براميله، سيجد رصاص المعارضة الإسلامية واشتباكات الفصائل وسيلةً للقضاء عليه، أو سيجد نفسه مضطرًا للهجرة إلى لبنان أو تركيا، أو خوض غمار البحر نحو أوروبا.

الواقع السّوري اليوم، يظهر بشكلٍ جليّ معارضة الغرب بشكلٍ عام، وأمريكا وروسيا بشكلٍ خاصة لكافة حركات التّحرر والثّورات في العالم العربي، فبعد نشوب الثّورات التي فاجأت القطبين العالميين، وضعت الخطط من قبلهم لإفشالها، ودخل اللاعبون الصّغار على الخط، فاستفاد التركي والإيراني من ذلك، وبنوا مناطق نفوذٍ وحصدوا نقاط قوّة.

بالمحصلة، الحرب السّورية أفادت الكلّ وقضت على السّوريين، كما حوّلت بلدهم إلى بلدٍ منكوب، تهدأ فيه الاشتباكات عند قرار الرّوس والأمريكان إرساء الهدنة، وتشتعل الجبهات عند إيعاز أحد القطبين لأدواته بإشعالها طمعًا بمكسبٍ جديد، فالهدنة السّورية، أو مفهوم الهدنة المستجدّ، ليس إلّا استراحة ما بين الشّوطين للمتفاوضين، كي يجنوا مكاسب أكثر، ويطرقوا أنخاب الحصص، المملوءة بدم الشّعب السّوري.

اقرأ/ي أيضًا:

أين العراق من محور روسيا؟

القوات الكردية.. حليف أمريكا الجديد في سوريا