16-سبتمبر-2020

مكتب الأمم المتحدة في جنيف (Getty)

ربما ليس من اليأس أن نفكر أن النظام العالمي بصيغته الراهنة الراسخة لا يسمح بثورات كبيرة من شأنها تغيير/ أو إفساح المجال لتغيير الصيغة التي اتفق عليها للهيمنة على العالم، وربما يفسر هذا النهايات الدموية والزلزالية لغالبية ثورات الربيع العربي أيضًا، بالدلالة الأكثر إيلامًا وفجائعية؛ الثورة السورية! فأن يبقى شعب يُقتل ويٌهجَّر ويٌرمى بأسلحة محرمة دوليًا لمدة عشر سنوات على مرأى شعوب العالم ودولها وحكوماتها فليس هذا لمجرد أن حاكمه متوحش!

أن يبقى شعب يُقتل ويٌهجَّر مدة عشر سنوات على مرأى شعوب العالم ودولها وحكوماتها فليس هذا لمجرد أن حاكمه متوحش!

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945، اجتمعت الدول المنتصرة وقررت الهيمنة على العالم إرغاميًا، فأنشأت منظمة على شكل دولة فوق الدول؛ هيئة الأمم المتحدة، ووضعت قوانين وتشريعات يمكن تطبيقها وقت الحاجة بالقوة العسكرية عبر التكاتف الأممي والمشاركة العالمية. والمقصود بالتكاتف الأممي والعالمي هو تكاتف الدول الخمس المنتصرة، وهي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وإرغام باقي دول العالم المنضوية فيها على المشاركة! كذلك فإن استخدام القوة العسكرية مرهون بتوافق مصالح الدول الخمس وتقاطعها، وقد رسمت العالم وفق مصالحها ورؤيتها لما يجب أن يكون عليه، أي أن يكون عالمًا خاضعًا لهيمنتها. فوضعت أنظمة سياسية في بلدان، ورسمت سياستها الداخلية والخارجية، وشجعت أنظمة أخرى في بلدان أخرى ودعمتها.

اقرأ/ي أيضًا: السفارات الافتراضية وتطبيع إسرائيل "عربيًا"

وقد حافظت على سياستها هذه وقوانينها على الرغم من المتغيرات الكثيرة، فقد بقيت روسيا في مجلس الأمن على الرغم من انهيارها وتفككها الاقتصادي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، كما بقيت ألمانيا خارج مجلس الأمن على الرغم من تفوقها الاقتصادي وانخراطها مع "المجتمع الدولي" في سياساته، وما زالت تعتبر وفق القانون الدولي الذي هو قانون المنتصرين دولة مهزومة. إن تغيير أنظمة وقوانين هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن يؤدي إلى على تغييرات بنيوية أخرى في سياساتها، الأمر الذي لا تريده الدول المهيمنة لأن من شأن ذلك أن يغير من طبيعة العلاقات الدولية وطبيعة العالم الذي صاغته، ما يعني أن أي تغيير في العالم يعني حدوث خلل في صورته المرسومة هذه.

وكان لنشوء "إسرائيل" المدعوم من الدول القوية والمتحكمة كافة، وعلى اختلاف مراحلها دور أساس في الحفاظ على هذا النظام  العالمي كما هو! يتضح ذلك من الظروف والحيثيات المعروفة التي سبقت ورافقت نشوء تلك "الدولة".  

وللحفاظ على ماء وجه تلك الدول كان أن شرعت ما سُمي "حق الفيتو" الذي يبيح لدولة أو أكثر استخدامه لتعطيل قرار من هذه الدول، وقد بدا عبر التاريخ أن هذا الحق إنما هو في العمق ليس لتعطيل قرار الأمم، بل لتطبيقه وترسيخه، فبدا مثل الباب الخلفي لها، أو مخرج الطوارئ، فهي تتذرع بوجوده عندما تريد الحفاظ على واقع ما كما هو. نتذكر أن الولايات المتحدة استخدمته مرارًا لمنع إدانة "إسرائيل" في انتهاكاتها حقوق الفلسطينيين، وقد بدا ذلك مريحًا للدول الأخرى، فقد شكل ذلك ذريعة قانونية لعدم قيامها باتخاذ إي إجراء آخر... الحال يشبه حق الفيتو الذي استخدمته روسا كثيرًا لمنع اتخاذ قرار ضد النظام السوري منذ اندلاع الثورة (آذار/مارس 2011)، وقد بدا ذلك حجة قانونية كبيرة أمام الدول الأخرى لعدم قيامها بأي إجراء ضد النظام.. مع العلم أننا نتذكر أن إجماع مجلس الأمن على قرار واحد أو عدم إجماعه سيان بالنسبة لهذه الدول ذاتها.. فقد تحركت دول مرات عديدة خارج ذلك الإجماع.

أمام هذا ندرك أن ثمة "تكالبًا" دوليًا لمنع ثورات العرب وشعوب المنطقة من الانتصار وتحقيق غاياتها المتعارضة، جذريًا، مع سياسات الدول القوية، تلك الثورات التي تهدف إلى إرساء نظام ديمقراطي تعددي يهدد باستمرار السياسات الإرغامية العالمية التي تفرضها على الشعوب عبر تلك الأنظمة السياسية التي ما انفكت تنفذ هذه السياسات بالقوة الأمنية والأحكام العرفية وتعميم الفساد...

ثمة تكالب دولي لمنع ثورات العرب وشعوب المنطقة من الانتصار وتحقيق غاياتها المتعارضة، جذريًا، مع سياسات الدول القوية

وعلى اعتبار أن الثورة السوري هي الأكثر إضرارًا بهذا الـ System العالمي، خاصة بمجاورة "إسرائيل"، فإن المجتمع الدولي لم يتوقف عن إيجاد الوسيلة تلو الأخرى للقضاء عليها، من ضمنها، شرعنة الاحتلال الروسي، ومقايضة الاتفاق النووي الإيراني بسوريا، وتكفل النظامين الدمويين بالقضاء على هذه الثورة،، وحماية نظام البراميل من السقوط! حتى لو كلف ذلك جميع السوريين!

اقرأ/ي أيضًا: من هو الفلسطيني؟

من شأن الثورات أن تؤدي إلى تغيير صورة العالم كما رسمته تلك الدول، وهذا ما لم ولن يُسمح به. لكن يبقى السؤال: هل يستطيع هذا النظلم العالمي، بشكل نهائي، الوقوف بوجه شعوب قررت، بشكل نهائي، تغيير واقعها؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

تحالف الشرّ

التطبيع الإماراتي.. أبعد من خيانة فلسطين