19-مارس-2019

من صفحة وزارة الثقافة السودانية (فيسبوك)

تطلّ وزارة الثقافة السودانية على شارع الجامعة، في منتصف العاصمة الخرطوم، وتنفتح على عدة مسميات حكومية، أحيانًا وزارة الثقافة لوحدها، وأحيانًا وزارة الثقافة والإعلام، وأحيانًا أخرى وزارة الثقافة والسياحة والآثار، لكنها تنكمش فتبدو مثل قبعة على رؤوس مثقفين في حالة إنهاكٍ شديد من القراءة والركض، معلقة أرواحهم على أرصفة الانتظار.

اشتهر السمؤال خلف الله بولعه بالمديح الصوفي، وبسمعة جيدة أيضًا في تنظيم المهرجانات والحفلات الغنائية

في الأيام الماضية، تم إعادة تعيين السمؤال خلف الله وزيرًا للثقافة والسياحة والآثار بمسماها الجديد، ومن المفارقات أن السمؤال نفسه كان خلال الأشهر الماضية في جولة خليجية يبحث عن وظيفة لتحسين أوضاعه المعيشية، كما رشح من معلومات!

وعد المهرجان

اشتهر السمؤال خلف الله بولعه بالمديح الصوفي، وبسمعة جيدة أيضًا في تنظيم المهرجانات والحفلات الغنائية، وهي الميزة التي يتشارك فيها مع رئيس الوزراء محمد طاهر إيلا صاحب النسخ السنوية الراتبة من مهرجانات السياحة والتسوق، ليتزامن حضورهما معًا مع إعلان مدينة بورتسودان على البحر الأمر عاصمة للثقافة العربية عام 2019.

اقرأ/ي أيضًا: الأغنيات السودانية.. المرأة في خانة المفعول

وأيضًا مع قطيعة ثقافية ضد النظام انتظمت فيها مجموعة كبيرة مما يسمى بقبيلة المبدعين، فما الذي سيفعله السمؤال خلال الفترة المقبلة، وهل أهملت حكومة البشير الثقافة عن قصد، بل ما هو حصادها طوال ثلاثة عقود ماضية؟

عندما تم تعيين الشاعر صديق المجتبى وزيرًا للثقافة قبل أعوام قال صديقه الشاعر عبد القادر الكتيابي: "إنه الرجل المناسب في المكان المناسب، في الزمان غير المناسب"، ما يعني أن ثمة وقتًا غير مناسب للعمل الثقافي ينظر له الكتيابي غالبًا في سياق تهيئة الظروف، بينما ينظر له كثير من النقاد في أن المشكلة ليست في الوقت المناسب، وإنما في عدم تقدير الأولويات الثقافية، واحترام الفن عمومًا.

فك وتركيب الوزارة

من المهم الإشارة إلى أن حكومة الإنقاذ بقيادة عمر البشير أولت وزارة للثقافة والإعلام في أول الأمر إلى الخبير الاعلامي علي شمو كنوع من تجميل الوزارة بسمعة الرجل، أعقبه العميد سليمان محمد سليمان الذي كان ناطقًا باسم مجلس قيادة الثورة، ومن ثم تم حل المجلس العسكري لتبقى وزارة الثقافة بلا وزير وتؤول لرئاسة الجمهورية لفترة ثلاثة أشهر، بعد ذلك أسندت إلى الشاعر عبد الباسط سبدرات الذي أصبح وزيرًا للثقافة والإعلام.

الثقافة في السودان مثل "شوربة ماجي" في أولويات النظام، لا مهمة لها إلا تحسين طعم الحكومة!

لكنها انطوت مرة أخرى تحت أوراق السياسة، وتولاها القيادي في الحركة الإسلامية غازي صلاح الدين، ومن بعده اللواء الطيب سيخة، وتحولت منذها إلى وزارة مهملة بدا وكأن الهدف منها تحديدًا سحق كل ما يمت للثقافة والمثقفين بصلة، كما يرى البعض، أو كما وصفها أحد الكتّاب بأنها مثل "شوربة ماجي" في أولويات النظام، لا مهمة لها إلا تحسين طعم الحكومة.

مبادرة الإحياء الثقافي

في حوار أجرته صحيفة "الرأي العام"، قال عبدالله حمدنا الله، وهو أحد دعاة أسلمة المشروعات الثقافية حينها، أن الإنقاذ لم تمتلك مشروعًا ثقافيًا على الرغم من وجود مبادرات قام بها أفراد باجتهاداتهم وتوجهاتهم العامة. وأضاف حمدنا الله: "لا أستطيع القول إن هذه المبادرات هي مشروع الإنقاذ الثقافي الذي نادت به، لكن يمكن القول إن أهم هذه المبادرات هو مشروع الإحياء الثقافي، الذي قدمته الهيئة القومية للثقافة والفنون، ومع أهميته إلاّ أنه لم يتنزل على أرض الواقع.

اقرأ/ي أيضًا: الثقافة في السودان.. حكم البيروقراطية والمناورات

ورفض حمدنا الله الزعم بأن المشروع الثقافي الإنقاذي هو مشروع للثقافة الإسلامية، معتبرًا مفهوم الثقافة الإسلامية مستقرًا في أذهان الناس لأنه مكون أساسي من مكونات الثقافة السودانية، أما الحديث عن أن الإنقاذ حاولت احتواء المثقف فقد يكون قولًا صحيحًا، وفقًا لحمدنا الله، لكنه ناقص، فالثقافة السودانية طوال تاريخها كانت تتعرض لمحاولات الاحتواء من السياسي، وكان السياسي مهمومًا طوال الوقت باحتواء المثقف، معتبرًا محاولة احتواء المثقف ظاهرة عربية وليست سودانية فقط.

السموأل خلف الله (فيسبوك)

أسلمة الأغاني

ما لم يشر إليه حمدنا الله أن الحكومة في بداية التسعينات جمدت نشاط المسرح القومي لنحو خمسة أعوام، وأغلقت أيضًا المعهد العالي للموسيقى والمسرح، وجاءت مصاحبة لذلك موجة ضد الأغاني العاطفية، مثل استبدال بعض المفردات في أغانٍ زعمَ عرّابو تلك الفترة أنها تمس العقيدة والمجتمع، كاستخدام مفردات مثل "خمر" أو "كأس" أو" شفاه" وتم منع أغنية "لا وحبك، والوكر المهجور" للفنان عثمان حسين، بجانب الإشارات الحسية للمرأة، كما انتشرت وقتها ما عرف بالأغاني الجهادية التي تعظم الشهداء والحروب مع أعداء النظام بمنحها بعض القداسة.

الصويم والقحل الثقافي

"العطالة تذكرني بجلسات قهوة موقف أبو جنزير الطويلة الجميلة، رفقة طيف فانتازي من البشر". يتذكر الروائي السوداني منصور الصويم سنوات من الجفاف الثقافي الذي أشاعته حكومة البشير حينذاك، مستصحبًا أيام حدائق القبة الخضراء التي وصفها بـ"القاحلة إبان التسعينيات الكئيبة".

هل لعبت وزارة الثقافة دورًا لصالح الكتاب والمثقفين؟ يجيب الصويم بالنفي، قائلًا في إفادة لـ"ألترا صوت" إن الحكومات السابقة بكل وزارات ثقافتها المتتابعة بدت وكأنها في حرب مع الثقافة، في كافة معانيها، والمثقفين، بكافة فئاتهم، حيث يظهر ذلك بشكل جلي في انعدام الرعاية والاهتمام الذي يفترض أن توليه وزارة بهذا المسمى للثقافة. ويرى الصويم أن كل شيء تراجع وتدهور وانتهى بداية من المسرح وليس انتهاء بالنشر ومعارض الكتاب، ناهيك عن صالات العرض التشكيلي وورش الإنماء الإبداعي التي يفترض أن يكون للدولة إسهام فيها.

صديق المجتبى (الجزيرة نت)

الكاتب الصحفي عامر باشاب متفائل بإعادة السمؤال خلف الله إلى وزارة الثقافة، ويعتقد أن الفترة الأولى كانت قصيرة للحكم عليه، ورغم ذلك دبت الحياة في شرايين الثقافة، وشهدت فتوحات إبداعية وفقًا لباشاب، الذي يأمل أن تكون عودة تحقق آمال وطموحات أهل الثقافة والفنون، مشيرًا في منشور على فيسبوك إلى أهمية الشعار الذي رفعه السمؤال في عهدته الأولى "الثقافة تقود الحياة".

https://web.facebook.com/permalink.php?story_fbid=2239160942811900&id=107497575978258&_rdc=2&_rdr

تآكل خشبة المسرح

ضياع المسرح في كل مكوناته هو الزواية التي تشغل بال الناقد الثقافي هيثم الطيب، الذي ظل يراهن على المسرح في عملية الوعي والتغيير.

قال هيثم لـ"ألترا صوت" إن المسرح ربما يكون مُغيبًا بفعل فاعل، وقد تكون الظروف قاهرة وصادمة للمسرح وللمسرحيين، لكن هذا لا يشفع لأهل المسرح أن يظلوا صامتين. مضيفًا: "نحن نهمس لهم بالضرورة أن يكونوا في قوة دافعة تؤكد أحقيتهم في قيادة الحركة الثقافية السودانية".

صناعة الأزمة في المسرح السوداني من فعل السلطة العارفة بدوره التنويري

أشار الطيب إلى أن صناعة الأزمة في المسرح السوداني من فعل السلطة العارفة بدوره التنويري الذي يهزم تطلعاتها في الاستيلاء على المجتمع والبلد، لافتًا إلى أن المسرح يصنع الثورة المنطلقة بالوعي وهي الثورة التي لا تُهزم مطلقًا، ضد من يحاولون تزييف وعي المجتمع وتأطيره وتقييده وقتله سريعًا وبطيئًا. متسائلًا: كيف نقاوم ذلك الفعل السلطوي لترسيخ وعي يمتلئ بالتزييف والمحاصرة لنا؟

اقرأ/ي أيضًا: أغاني الزنق تحتل مِزاج الشارع السوداني

ويضيف: "لا حل لنا إلا بصياغة وعي في اتجاهين، المقاومة ومقومات الحضارة، بجانب فهم البناء لعقل مجتمعي مسرحي لأن السُلطة عندما تقود المسرح، تفعل ذلك لتصنع مجتمعًا يشبهها ويتفاعل معها صوتًا وفكرة ورؤية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

السودان.. أدباء مصححو صحف!

الإعلام الحكومي السوداني.. لا صوت يعلو سلطة "الإنقاذ"