15-يونيو-2016

طلاب الثانوية العامة في مصر

في اليوم الأول لامتحانات الثانوية العامة في مصر، تصدرت أخبار تسريبات الامتحانات المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تنتقل الحمى الفضائحية إلى جرائد اليوم التالي لتنبري الأقلام، الموالية للنظام بخاصة، متحدثة عن استفحال أزمة الثانوية العامة يومًا بعد يوم، وعن كارثة حقيقية حلّت بالعملية التعليمية، وعن سمعة ومكانة مصر التي نالت منها تلك الأخبار، وعن الأيدي المرتعشة لوزارة التربية والتعليم في التصدي للغشاشين والطابور الخامس الموجود في مؤسساتها، وعن ضرورة لجوء الدولة إلى بسط نفوذها بالقوة للقضاء على الفساد والمفسدين، إلى آخر كل هذا الكلام المجاني والرخيص!

في اليوم الأول لامتحانات الثانوية العامة في مصر، تصدرت أخبار تسريبات الامتحانات وسائل التواصل الاجتماعي

جعجعة بلا طحن، وصراخ في واد سحيق، من دون أن يخبرنا أحدهم عن طرق "معقولة" و"محترمة" للتصدي لهذه الظاهرة التي تزداد "بجاحة" كل عام. لا أحد يطرح حلولًا جذرية للمشكلة من الناحية الفنية، وبدلًا من ذلك يرمي الجميع تقريبًا الكرة في ملعب الأجهزة الأمنية، وكأن هذه الأجهزة الأمنية ناجحة أصلًا في القيام بمهماتها الأصلية حتى تذهب لتكرار ذلك النجاح في ميدان آخر.

وزارة الداخلية، التي هي واحدة من أبرز هذه الأجهزة الأمنية الناجحة للغاية بمنطقها الخاص، بدا وكأنها تختبر "خِفّة دمها"، أو كأنها تستعيد أيام جرائمها أثناء ثورة 25 يناير، فقامت على صفحتها الرسمية على "فيسبوك" بعمل استفتاء جماهيري ينمّ عن العقلية التي تدير بها الأزمات، السؤال/الاستفتاء يقول: هل تؤيد قطع خدمة الإنترنت نهائيًا في مصر أثناء فترة امتحانات الثانوية العامة؟". لا تعليق!!

اقرأ/ي أيضًا: الطلبة الجزائريون.. بين ماض ثوري وحاضر خامل

وبعيدًا عن خِفة الدم القاتلة لوزارة الداخلية المصرية، حتى لحظة كتابة هذه السطور لم تتوصل الحكومة بعد إلى المسؤولين عن تسريب الامتحانات. والحقيقة أنني لا أتذكر على وجه التحديد عدد الأعوام التي تم فيها تسريب امتحانات الثانوية العامة من كثرتها، لذا يصبح من المثير للدهشة، والضحك أيضًا، أن يخرج علينا نائب برلماني ليقول خلال كلمته في الجلسة العمومية لمجلس النواب قبل يومين "إننا نتعرض لمخطط خارجي، والدليل على كلامي هو أن مصدر تسريب امتحان التربية الدينية قادم من تركيا. ولا بد من إقالة القائمين على وضع الامتحانات والمسؤولين عن توزيعها، ففلول الإخوان داخل الإدارات التعليمية لا تزال موجودة وتعمل بنشاط". في مثل هذا التوقيت من العام الماضي كان هناك جدل بيزنطي آخر حول نفس القضية، وإن بحيثيات أقل صخبًا. 

أتذكرُ تصريحًا من العام الماضي لأحد مسؤولي وزارة التربية التعليم يقول فيه أن ما حدث "ليس تسريبًا وإنما غش، بحسب لوائح الوزارة"، وكانت حُجّته في ذلك أن تسريب الامتحانات تم بعد أن تم تسليم أوراق الأسئلة في لجان الامتحانات. 

هنا يجب ذكر أن الامتحان المشار إليه في كلام النائب البرلماني تم تسريبه قبل أداء الطلاب للامتحان نفسه بساعتين، وهناك أحاديث لأولياء أمور طلاب يؤكدون على أن الامتحان تم تسريبه في ليلة الامتحان أي قبل حوالي 12 ساعة. وإن كان ثمة شيء تؤكده العادة شبه الدورية في تسريب امتحانات الثانوية العامة، فهو أنها ليست سوى قمة جبل جليد الفساد المصري الذي نخر عظام منظومة التعليم والامتحانات، على غرار عظام الدولة وجمجمتها، فتحولت الثانوية العامة من ساحة للتفوق العلمي والتحصيل الدراسي إلى وسيلة أخرى لتجسير المحسوبية والفساد لصالح أبناء الكبار على حساب أبناء الناس العاديين، الذين يعتمدون على جهدهم لتحقيق طموحهم في حياة أفضل ومستوى اجتماعي أعلى.

لم تعد امتحانات الثانوية العامة في مصر، بصورتها الحالية، أداة مقبولة في تقييم مستوى الطلاب، لأنهم غالبًا لا يتعلمون شيئًا

ولكن هذا الحديث عن الارتقاء وتحقيق الطموح يقودنا إلى حديث آخر عن جدوى الامتحانات نفسها. لا أدري لم كل هذه الضجة حول تسريب امتحانات ليس لها جدوى؟ امتحانات الثانوية العامة -بصورتها الحالية- لم تعد أداة مقبولة في تقييم مستوى الطلاب، لأنهم غالبًا لا يتعلمون شيئًا. لا يتعلمون أصلًا بالطرق الحديثة المتبعة في بلاد يوجد فيها تعليم حقيقي وتطور حقيقي ومؤسسات حقيقية. يعتمدون على التلقين والحفظ وتخزين المعلومات لكي "يفرغوها" ساعة الامتحان، ثم بعد ذلك لا يبقى شيئًا في عقولهم. لا شيء أبدًا غير طبقات من التخلف تتراكم تحت مسميات كثيرة.

اقرأ/ي أيضًا: طلبة جزائريون.. ظاهرة العمل في العطل

عندما تعترف الوزارة المسؤولة عن العملية التعليمية في بيان رسمي بوجود "تحويلات مشبوهة"، تم فيها نقل طلاب محظوظين إلى لجان امتحانات معينة تسهل فيها عمليات الغش الجماعي، وقبلها عندما يعترف مسؤول في نفس الوزارة عن تحويل 120 طالب وطالبة من أبناء كبار المسؤولين في محافظة أسيوط إلى لجنة امتحانات بعينها وبموافقة وزارية "وفقًا للضوابط والقواعد المعمول بها"، ثم يعتذر رئيس هذه اللجنة عن عدم استمراره في العمل لعجزه عن التصدي لعمليات الغش الجماعي، فهذا يعني أننا أمام عملية غش ترعاها الحكومة نفسها.

لا حديث هنا عن تكافؤ فرص، أو عن تكنولوجيات حديثة تساعد الطلاب الغشاشين، أو طابور خامس من الإخوان مسؤول عن التسريبات، بل نحن أمام جريمة متكاملة الأركان ينطبق عليها المثل الشعبي "حاميها حراميها".

سيجتمع مجلس الوزراء لاحقًا وستحاول الوزارة تدارك الموقف وتقديم المسكنات الوقتية، وسيخرج علينا الهلالي الشربيني، وزير التربية والتعليم، مؤكدًا على أنه بدءًا من العام الدراسي المقبل سيتم إدخال تغييرات على نظام وأسلوب تداول الأسئلة والأجوبة في امتحانات الثانوية العامة، وذلك عبر تشكيل لجنة تضم ممثلين عن أربع وزارات هي: التعليم والدفاع والداخلية والعدل لبحث الإجراءات المطلوب تنفيذها، وأن الحكومة قررت تغيير أسلوب الامتحانات والقبول بالجامعات المصرية، ولكن جميعنا نعلم أن هذا كله "كلام فاضي" لن يغيّر من الوضع شيئًا، طالما ظلّت العقليات المتخلِّفة التي يحكمها الخيال القديم تمسك بزمام الأمور في هذا البلد.

اقرأ/ي أيضًا:

فضيحة التسريبات تهز امتحان البكالوريا في الجزائر

"المدنيات".. نكبة تعليمية في فلسطين