1. قول

التونسيات.. لا جدران مع الفضاء العام

10 مايو 2016
تونسية ترفع علامة النصر في المنتدى الاجتماعي العالمي في تونس (Getty)
خولة الفرشيشيخولة الفرشيشي

في الماضي لم يعرف عن المرأة التونسية دخولها إلى المقابر بجانب الرجال في موكب الدفن، الذي عادة ما يكون ذكوريًا، استجابة للثقافة الدينية التي لم تحرم في نص صريح تشييع النساء للأموات، بل كانت جائزة في إطار شروط معينة، كأن تتأخر المرأة للستر، وأن يكون سيرهن وراء الرجال حتى لا يقع الاحتكاك بهم وتحدث الفتنة.

تخطت المرأة التونسية كلّ عراقيل ومعوقات مساواتها بالرجل، وتخلت عن كل ما يفصلها عن المجال العام

منذ اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، انقلبت الصورة النمطية عن مواكب الدفن، وأصبحت المرأة التونسية حاضرة بكثافة، سافرة أو محجبة تمشي إلى جانب الرجال، في مواكب تشييع رموز البلاد ومناضليها إلى مثواهم الأخير.

اقرأ/ي أيضًا: وداعًا حلب

منذ أسابيع قليلة عادت الصورة الجديدة عن حضور النساء في مواكب الدفن مع رحيل الشاعر محمد الصغيّر أولاد أحمد، الذي طغى فيه حضور النساء اعترافًا منهن بنضاله ودفاعه عن المرأة التونسية، لا سيّما أنه صاحب القصيدة الشهيرة "نساء بلادي نساء ونصف"، ووصل الأمر أن تؤبنه امرأة في سابقة أولى من نوعها، وهي صديقته ورفيقته الأستاذة حياة حمدي الوسلاتي، وتقوم بعد دفنه بردم التراب وهي تمسك بالرفش فوق قبره، في إشارة رمزية أنّ المرأة التونسية قد تخطت كلّ عراقيل ومعوقات مساواتها بالرجل، وتخليها عن المحاذير الجمعية التي فصلت المرأة عن الإطار العام، كما حضرت النساء، في مناسبة أليمة أخرى، هي رحيل المناضل اليساري أحمد بن إبراهيم.

المتأمل في صورة اليوم يعيدنا إلى صراع ثلاثينيات القرن الماضي، الذي خاضه المفكر والمناضل الطاهر الحداد صاحب كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" ضدّ رجعية شيوخ الزيتونة الذين كفروه واتهموه بالفجور، بعد دعوته الصريحة إلى تعليم النساء، وخروجهن إلى العمل إلى جانب الرجال، لتنصف المرأة التونسية بشكل أو بآخر مفكرًا لم ينل حظه في حياته، ومات منبوذًا ووحيدًا، وتعيده إلى الأذهان على أنّه أوّل المحدثين والداعين إلى تحرير المرأة التونسية، بعد أن هضم حقه مرتين، مرة حينما كُفر من شيوخ الزيتونة، ومرّة أخرى حينما استحوذ الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة على كلّ الألقاب المرتبطة بتحرير المرأة التونسية.

تحرير المرأة التونسية، وإن كان إيجابيًا مقارنة بما تعيشه شقيقاتها في المنطقة، لم يكن وليد الصدفة، حتى وإن لم يصل إلى درجة التحرير الكامل، لما تعيشه المرأة التونسية من غبن وتسلط في بعض النصوص القانونية. لم يكن وضع المرأة التونسية اليوم نتاج صدفة أو هبة حكومية، بل كان نتاج عقود من النضال في تحرير العقلية التونسية، سواء كان في تجارب فكرية ومدنية ولدت في عهد الاستعمار، أو في محاولات الدولة الوطنية التي استلهمت من مشروع الطاهر الحدّاد مبادئ المساواة مع الرجل.

بعد عقود طويلة لم تنته محاولات الأصولية وشيوخها عن محاصرة المرأة، ومحاولة ضبطها لسلطة الرجل بسلطة النصّ الديني

بعد عقود طويلة لم تنته محاولات الأصولية وشيوخها عن محاصرة المرأة، ومحاولة ضبطها لسلطة الرجل بسلطة النصّ الديني، آخرها الحديث عن مبادرة المساواة في الإرث، مبادرة لم تأخذ حظها كثيرًا في الأوساط الشعبية، وانحصرت تمامًا في أوساط النخب الحداثية والديمقراطية، وتنكرت لها أحزاب تحسب على هذه الأوساط، ليصل الأمر بمؤسسة الإفتاء أن تتدخل في هذا الموضوع والتي كان عملها رمزي في غالب الأحيان قبل أن تدخل غمار السياسة في مناسبات قليلة ماضية. 

اقرأ/ي أيضًا: أين مفتاح الشارع؟

إذ أعلن مفتي الجمهورية الشيخ عثمان بطيخ في تصريح واضح لا لبس فيه رفضه الكامل لهذا المشروع بقوله أنّ الآية القرآنية واضحة، ولا مجال للاجتهاد لأنّ المسألة محسومة، رغم أنّ تونس مرتبطة باتفاقية سيداو وقد رفعت تحفظاتها بشأن مواد وفصول متعلقة بصلب هذه الاتفاقية ومنها المساواة في الإرث.

تصريح مفتي الجمهورية يحيلنا إلى سؤال حارق: هل أنّ تونس دولة تخطت سلطة المؤسسة الدينية نحو ترسيخ دولة المواطنة والمؤسسات؟ أم أنّ الديني ما زال مرتبطًا بالسياسي ويلعب دورًا حاسمًا؟ تصريح لم يجرؤ عليه حزب النهضة ذو المرجعية الدينية، حتى لا يتهم بالرجعية بعد أن نجح في ترسيخ صورة جديدة عنه كحركة تونسية معاصرة، لا تقطع مع حقوق الإنسان ولا ترفضها.

جدل هذه الأيّام يعيدنا إلى الصراع القديم منذ ثلاثينيات القرن الماضي بين مشروعين: مشروع حداثي يقطع بالكامل مع ما يعيق تحرر المرأة، ويؤسس لتجربة تونسية فريدة من نوعها، ومشروع ما زال يجذب إلى الوراء للمحافظة عن سلطة الدين الذي لا يقطع مع هوية تونس، حتى وإن كرست تفوق الرجال على النساء.

اقرأ/ي أيضًا:

حلب-القاهرة.. امتيازات القتل

أراجيح الهاشتاغات

كلمات مفتاحية
قصف طهران

إيران: بين صراع الهيمنة وتداعيات الوعي الإقليمي

هل اتخذ قرار إسقاط النظام الإيراني فعليًا، أم أن ما يجري لا يعدو كونه ورقة ضغط لإجباره على تقديم تنازلات؟ سؤال يتردد دون أن يجد إجابة حاسمة، منذ الضربة الإسرائيلية فجر يوم الجمعة، 13 حزيران/يونيو.

انتفاضة لبنان 2019

مرايا الانتماء الجريح.. زمن الهوية المتشظية

كيف ننتمي إلى مكانٍ يرفض أن يشبهنا؟" سؤالٌ يطاردنا، أنساه فيعود من جديد ليفرض حضوره القلق في ظلّ أنظمةٍ لا تتوانى عن طحن أحلام شعوبها وتشويهِ معنى الانتماء

مخيم اليرموك

المخيم الذي فينا: سردية اللاجئ بين الذاكرة والمنفى

حين شُيّدت الخيام الأولى في عتمة التهجير، لم يكن أحد يظن أن القماش سيصير إسمنتًا، وأن المؤقت سيفرد ظله الثقيل على أكثر من سبعين عامًا من النفي المستمر

ترامب/غيتي
سياق متصل

مرحلة جديدة من التصعيد.. ترامب يعلن قصف منشآت نووية إيرانية

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن الجيش الأميركي نفذ فجر الأحد، هجمات جوية استهدفت منشآت نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفها

دونالد ترامب
سياق متصل

حلقة ترامب الضيقة.. انقسام بشأن توجيه ضربة عسكرية لإيران

لجأ ترامب إلى مجموعة صغيرة من المساعدين، أقل شهرة لكن أكثر خبرة، تضم نائب الرئيس جي دي فانس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ومدير وكالة المخابرات المركزية جون راتكليف، وقائد القيادة المركزية الأميركية مايكل كوريلا

محمود خليل
حقوق وحريات

محمود خليل حرًّا: رمزية الانتصار في معركة حرية التعبير بالولايات المتحدة

بعد أكثر من 100 يوم قضاها في الاحتجاز، أُفرج عن الناشط الفلسطيني محمود خليل، أحد أبرز وجوه الحراك الطلابي المؤيد لفلسطين في جامعة كولومبيا، في خطوة شكّلت منعطفًا في قضية باتت تُجسّد حجم الضغوط السياسية على حرية التعبير داخل الحرم الجامعي الأميركي

بدر شاكر السياب (شبكات تواصل اجتماعي)
أدب

شهادة| عندما استقبل المترجم دنيس جونسون ديفز "السيَّاب" بلندن

شهادة نادرة عن لقاء جمع بين الشاعر بدر شاكر السيّاب والمترجم دنيس جونسون ديفز