28-مارس-2017

غرافيتي في بيروت (Getty)

لا يختلف اثنان على أن وسائل الإعلام في لبنان هي منابر الأحزاب والسياسيين. قنوات تلفزيونية، إذاعات، مواقع إخبارية إلكترونية كلها في عداد أدوات التواصل مع الجمهور ووسائل الحشد والتجييش ليس في فترات الصراع والتنافر فحسب بل في أوقات الهدنة المستقطعة (على قلّتها) أيضًا.

في القنوات اللبنانية، تروج برامج "التوك شو" لقرارات مرجعياتها السياسية ولذلك تكون عادة المشاهدة محصورة بالمهتمين من الموالين

وبرامج الحوار السياسي أو ما يعرف بـ "التوك شو" "وجبة" ثابتة ودسمة على كل محطة ينطلق معها الأسبوع، كاستهلال يواكب الحراك السياسي، أو ينتهي به ليحلّل ويناقش محصّلة التطورات. فيما تختار قنوات أخرى منتصف الأسبوع لتعرض برنامجها السياسي الحواري لمتابعة آخر الأحداث واستباق أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: برامج الـ"Make Over".. هوس الجمال والتنميط

و"التوك شو" السياسي في لبنان له من كلمة show كل معناها وحذافيرها، إذ يعرض المواقف ويستعرض وجهة النظر الخاصة بالمحطة ويتفنن بطريقة تقديمها إلى المشاهد مع ما يقتضيه ذلك من "ملح وبهار" عبر التقارير المصوّرة والضيوف المنتقين بحسب الهدف والحاجة فضلًا عن مقدّمة خاصة بكل حلقة مُعدّة هي الأخرى على نار هادئة لتؤدي الغرض المطلوب، ويزكّيها في ذلك أداء المحاور وأسئلته التي تهدف فيما تهدف إليه إلى تسخين الحلقة واستقطاب المشاهدين لإيصال الرسائل المطلوبة إلى أوسع شريحة ممكنة.

وتبقى كلمة "توك" أي حديث ملتبسة، فهي، في أجواء هذه البرامج المحليّة والظروف السياسية "الملتهبة" بين الفرقاء المتخاصمين، تتراوح ما بين التخاطب الذي يصل إلى حدّ السباب والاشتباك الذي يبلغ مستوى التضارب.

هذا في الجملة، أما في المفرّق فلكل برنامج طابعه وطبيعته. لعلّ الأشهر في هذا الإطار هو برنامج "كلام الناس" لمقدّمه الإعلامي مارسيل غانم وفريق الإعداد ذي الخبرة في متابعة كل جديد وابتكار الأفكار في زمن "الركود" السياسي أي عندما يترافق الشلل المؤسساتي مع انكفاء التصريحات وتراجع الخطابات وغيابها. غير أن برنامج "كلام الناس" الذي يبث على "المؤسسة اللبنانية للإرسال" منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن لم ينقل كلام الناس إلا فيما ندر، بل شكّل في حلقاته الأسبوعية "كلام السياسيين" وخطاباتهم وأفكارهم التي يضخّونها إلى الناس بالحسنى تارةً وبالاحتدام أطوارًا.

مع أهمية الإشارة إلى أن عدد مشاهدي هذا البرنامج في تراجع، وذلك لتشابه البرامج المماثلة والمستنسخة من جهة وللملل الذي أصاب المشاهد من السياسة ككل فوجد ما يفيده أكثر بعيدًا عن التلفزيون أو في برامج أخرى ترفيهية بالدرجة الأولى.

على شاشة "المرّ" تغيب الموضوعية عن برنامج "بموضوعية" الذي يقدّمه وليد عبّود. فميول الإعلامي السياسية واضحة، برأي الكثيرين، لجهة انحيازه إلى خط 14 آذار، وهو يخسر الحلقة تلو الأخرى عددًا من مشاهدي برنامجه لتكرار ضيوفه الذين يحرص على أن يكونوا في غالب الأحيان سريعي الانفعال لافتعال "الهرج والمرج"، ربما، أو الوصول إليه مع كميات إضافية من الزيت يصبّها بين الحين والآخر على النار. وعبّود الذي يطلّ على اللبنانيين أسبوعيًا لم يبلغ أداؤه المستوى المطلوب من السلاسة، الأمر الذي يدفع الكثيرين إلى الانتقال من قناة "MTV" إلى أخرى.. بكبسة زر.

اقرأ/ي أيضًا: ميشال أبو سليمان: "الدعسة" الناقصة بألف

التلفزيون الناطق باسم التيار "الوطني الحرّ" وسياسته البرتقالية يعرض برنامج "بلا حصانة" من تقديم جان عزيز.. وكغيره من البرامج تتناوب حلقاته الأسبوعية على "تسويق" مواقف الخط السياسي الذي يتبناه ويتلقى تمويله منه. من هنا يرفع البرنامج "الحصانة إزاء مقاربته لقضايا الساعة عند الكلام والاتهام عن خصوم الخط السياسي المناوئ للمحطة وأصحابها وقيادات التيار البرتقالي. ولأن اللبنانيين كما السياسيين منقسمين بين مؤيّد لهذا الخط ومعارض لذاك، فإن مشاهدي "بلا حصانة" وكل برامج "أو. تي. في" هم من العونيين الذين يسمعون عبر هذا المنبر ما يطربهم ويرضيهم.

معلوم أن شاشة الجديد مع ما يُسمى بـ "خط الممانعة" إلّا أنها تخرج في كثير من الأحيان عن مهادنتها لهذا الطرف أو ذاك

على الشاشة "الزرقاء" التابعة لتيار "المستقبل" تُطلّ بولا يعقوبيان مساء كل أربعاء في برنامج "إنترفيوز" الذي تتلوّن فقراته تبعًا لمجريات الأحداث. وهي باتت مؤخرًا تتنوّع نظرًا لضيوفها والمواضيع المطروحة بين السياسة والفنّ وآخر أخبار المجتمع. غير أن "السقف" الإعلامي المسموح به لجهة استقبال الضيوف وطرح الأسئلة لا يخرج عن التوجيه المسبق والمتناسب مع الخيارات السياسية لتيار رئيس الحكومة سعد الحريري. وكحال "أو. تي. في" فإن مشاهدي "إنترفيوز" هم على وجه الدقّة من جمهور "المستقبل"، اللّهم إلا إذا كان الضيف من "الصف الأول" فيُجبر على وطأة التطورات كثر على توجيه مؤشر جهاز التحكم نحو تلفزيون "المستقبل".

أما قناة "الجديد" فلها حكاية أخرى في التعاطي مع السياسة من جهة ومع الجمهور من جهة أخرى. معلوم أن شاشة "تحسين خيّاط" مع ما يُسمى بـ "خط الممانعة" المتعدد التفسير والوجهات، إلّا أنها تخرج في كثير من الأحيان على مهادنتها لهذا الطرف أو ذاك. حتى من يُعتبرون "أصدقاءها" لذا فهي فيما تبدّل صداقاتها تبدّل جمهورها أيضًا كحالها مؤخرًا مع جمهور "حركة أمل" فتتعرض للمقاطعة.

لكن فيما يتعلّق ببرنامج الـ "توك شو" الخاص بالمحطة فإن "الأسبوع في ساعة" مع جورج صليبي يختصر مساء الأحد معظم أحداث الأسبوع، ولأن المحطة خبيرة، وفق لسان حال الناس، بـ "بث السموم" فإن كثرًا يُعرضون عن برنامج صليبي رغم أنه يبدو أقل استفزازًا من بعض مقدمي نشرة أخبار المحطة ويجهد لـ "تسديد" الأسئلة على ضيوفه وإن مال، بحسب التوجيهات، إلى هذا الطرف على حساب ذاك.

للمحطات الأخرى كـ "المنار" لصاحبها "حزب الله"، و"أن. بي. أن" الناطقة باسم "حركة أمل" برامجها السياسية أيضًا والتي تروّج لقرارات مرجعياتها السياسيّة، إلا أن مشاهدتها محصورة بالمهتمين من الموالين، على أن أسهم المشاهدة ترتفع في أعقاب الأزمات السياسية والخضات الأمنية.

إذًا على الشاشات "كلٌ يغني على ليلاه"، ليس في المساء فحسب بل في الصباح أيضًا عبر حوارات يوميّة مع شخصية هنا وأخرى هناك.. ليعلو "النشاز" الإعلامي والسياسي.

اقرأ/ي أيضًا:

صراع "أمل" - "الجديد".. تناقضات عصابة الممانعة

غادة عيد.. "الجعجعة" لا تحارب الفساد