01-يونيو-2017

مدنيون نازحون من حلب بعد سيطرة النظام عليها (مصطفى سلطان/الأناضول)

بالسيطرة على أحياء حمص القديمة والمناطق المتاخمة للحدود السورية اللبنانية في منطقة القلمون، تحصل النظام السوري والمليشيات الأجنبية الموالية له، على دفعة معنوية، لكنّهم سرعان ما اصطدموا بمكاسب جديدة حققتها فصائل المعارضة في شمال سوريا، وظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وانتشار عناصره في مختلف المناطق، إضافة إلى ظهور فصائل إسلامية متشددة، أرخت جميعها ثقلًا كبيرًا على النظام السوري، جعلته يعمد إلى سياسة الحصار بشكل أكبر، وتسليم بعض المناطق نتيجة انسحاب قواته أمام ضربات المعارضة.

بعد التدخل الروسي اتبع النظام سياسة الحصار ثم "التسويات"، والتي بموجبها تخرج فصائل المعارضة من مناطقها مقابل إيقاف القصف والحصار

وبعد التدخل الروسي بدأ النظام السوري يتبع سياسة اتفاقيات تعرف بـ"التسوية"، وهي إيقاف القصف مقابل خروج فصائل المعارضة من المناطق إلى شمال سوريا، على أن توفر لهم طرق آمنة. وأمام كثافة الغارات الجوية وضغط المدنيين، تقبل الفصائل العرض المقدم لها، ما جعل النظام منذ آب/أغسطس 2016 يستعيد السيطرة على كافة المدن والبلدات في ريف دمشق، والشطر الشرقي لمدينة حلب.

1. الغوطة الشرقية.. واستغلال اقتتال الفصائل

استغل النظام السوري اقتتال فصائل المعارضة فيما بينها منذ كانون الأول/ديسمبر 2015، ليبدأ، بعد حصوله على الدعم العسكري الروسي، بالسيطرة على مناطق عديدة في منطقة "الغوطة الشرقية" بريف دمشق، حيث سيطرت قوات الأسد والمليشيات الداعمة له، بداية على بلدة "مرج السلطان"، وتقدم بعدها تباعًا إلى دير العصافير وزبدين وحوش الدوير والبياض وحرستا القنطرة وبالا والركابية وحوش الحمصي وحوش الفارة وحوش نصري والبحارية والميدعاني، حيثُ تقلصت المساحة التي تسيطر عليها المعارضة السورية إلى أقل من نصف المساحة.

اقرأ/ي أيضًا: دمشق أمام هجوم المعارضة.. خرائط نحو حصار النظام

2. داريا.. أول مدينة يُهجر جميع سكانها

فرض النظام السوري سيطرته بشكل كامل على مدينة داريا بريف دمشق الغربي بعد حصار دام أربعة أعوام، حاول النظام قبل أن يفرض حصاره استعادة المدينة لكنه فشل في ذلك، حيثُ تعرضت المدينة في 28 آب/أغسطس 2012 لمجزرة راح ضحيتها أكثر من 300 مدني، بعد اقتحامها من قبل قوات النظام، قبل أن تستعيدها المعارضة مرة اُخرى، حيثُ صورهم إعلام النظام على أنهم "عناصر إرهابية".

وبدأ النظام السوري بدعم من الميليشيات الإيرانية والمقاتلات الروسية في حزيران/يونيو 2016، حملة عسكرية عنيفة ألقى خلالها أكثر من 90 برميلًا متفجرًا يوميًا على مختلف الجبهات المشتعلة في المدينة، واستمرت الحملة العسكرية حتى 26 آب/أغسطس 2016، عندما وافقت فصائل المعارضة على الخروج إلى شمال سوريا مع عوائلها ومن يرغب من المدنيين. وكانت استعادة داريا نقطة حوّل جديدة سمحت بسقوط باقي المناطق لاحقًا.

3. قدسيا والهامة..  تأمين أطراف العاصمة

بعد استعادة داريا، توجه النظام السوري لمنطقتي قدسيا والهامة، على أطراف دمشق، وكانت السيطرة عليهما تعني إطباق الحصار بشكل كامل على قرى وادي بردي بريف دمشق الغربي، ليبدأ النظام حملة قصف عنيفة بالبراميل المتفجرة أدت لدمار هائل في البنية التحتية، وخروج كافة المرافق الصحية عن الخدمة. 

خريطة توضح مناطق النفوذ في سوريا حتى كانون الأول/ديسمبر 2016
خريطة توضح مناطق النفوذ في سوريا حتى كانون الأول/ديسمبر 2016

وتفاديًا لسقوط المزيد من الضحايا، قررت المعارضة الموافقة على الخروج في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2016 إلى الشمال السوري، فيما تقول الإحصائيات إن أكثر من 2500 شخص توجهوا في الحافلات إلى محافظة إدلب.

4. معضمية الشام.. نزوح النازحين

قبل أن يسيطر النظام السوري على داريا، استطاعت فصائل المعارضة أن تفتح ممرًا يصل ببلدة معضمية الشام المتاخمة لها، لكن سرعان ما قطع النظام الطريق الواصل بينهما، وبعد أقل من شهرين على تنفيذ عملية التهجير في داريا، فرض النظام اتفاقًا مماثلًا على مقاتلي المعارضة في معضمية الشام، ليخرج منها ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص إلى شمالي سوريا، مشتملين سكانها والنازحين إليها، وذلك في 19 تشرين الأول/أكتوبر، لتبدأ بعدها عملية السيطرة على باقي المناطق والبلدات في ريف دمشق الغربي.

بنفس سياسة الحصار والقصف، سيطر النظام على مناطق كثيرة، محدثًا في كل مرة تغييرًا ديموغرافيًا بالتهجير القسري تحت مسمى "التسوية"

5. ريف دمشق الغربي.. تحت قبضة النظام

استطاع النظام السوري بسيطرته على معضمية الشام، الاقتراب أكثر من مخيم خان الشيخ للاجئين الفلسطينيين، وكذا بلدتي زاكية وكناكر. وبالاعتماد على نفس الخطة العسكرية، تمكن النظام من فرض شروطه على فصائل المعارضة، بعد أن أفشلوا جميع محاولات الاقتحام، ليخرج أكثر من 4 آلاف شخص من البلدات الثلاث، مع عدد محدود من بلدة "سعسع"، ضمنهم مقاتلي المعارضة مع سلاحهم الخفيف إلى شمال سوريا، الذي تحول كمركز للمهجرين قسريًا من مناطق سكنهم. وخرجت أولى القوافل المُهجرة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2016.

اقرأ/ي أيضًا: انسحاب جديد لداعش بالاتفاق مع نظام الأسد.. من جنوب دمشق نحو عاصمة الخلافة

6. التل.. تأمين ريف دمشق الشمالي

استطاع النظام في الثاني من كانون الأول/ديسمبر 2016، أي بعد يوم واحد من انتهاء تهجير سكان بلدات ريف دمشق الغربي، من السيطرة على مدينة "التل" بريف دمشق الشمالي، المحاذية لـ"ضاحية الأسد"، بعد حصار دام أربعة أعوام على الأقل، إذ فُرضت اتفاقية تسوية تنص على خروج مقاتلي المعارضة مع عوائلهم إلى شمال سوريا، أسوًة بباقي المناطق. 

وبذلك يكون النظام قد أمّن محيط دمشق بشكل كامل، وأخضع باقي المدن لحصار يهددها بمصير مشابهة، إذ لم يبق غير النشابية وكفربنطا وحرستا وعربين ودوما في منطقة الغوطة الشرقية، هي فقط المدن الخارجة عن سيطرته، ومعها بلدات ببيلا وبيت سحم ويلدا، الملاصقة للحجر الأسود والتضامن ومخيم اليرموك، وهي المناطق التي يتقاسم السيطرة عليها داعش وهيئة تحرير الشام، وجميعها خاضعة لحصار خانق.

7. أحياء حلب الشرقية.. المعارضة تفقد ورقتها الأخيرة

آخر فصول التهجير القسري التي أنهى فيها النظام السوري عملية التغيير الديموغرافي، كانت في الشطر الشرقي لمدينة حلب الذي كان خاضعًا لسيطرة فصائل المعارضة منذ عام 2012، وخلال الأعوام التي أعقبت سيطرة المعارضة عليها، تعرضت فيها الأحياء لحملات عسكرية عنيفة، استمر فيها القصف الجوي لأيام متوالية، موقعة آلاف القتلى والجرحى. 

بعد معارك وصفت بالأعنف، تمكن النظام من فرض السيطرة على حلب الشرقية، لتخسر المعارضة ورقتها الأخيرة وتهجّر قسرًا إلى حلب الغربية

وعلى مدار الأعوام التي كانت متواجدة فيها المعارضة بالشطر الشرقي لحلب، حاولت استخدامها كورقة ضغط على النظام السوري، كونها تعد العاصمة الاقتصادية للبلاد، وثاني أكبر المدن السورية، إلا أن انحسار مساحتها في الأحياء الشرقية العشوائية لم يمكنها من أن تستخدمها بالشكل المطلوب.

اقرأ/ي أيضًا: حلب.. المعارضة تخسر ملحمتها الكبرى

وفي أيلول/سبتمبر 2016، استقدم النظام السوري تعزيزات عسكرية مدعومة بعناصر من المليشيات الأجنبية، تمهيدًا لفرض حصار على الشطر الشرقي من حلب، مدعومًا بغطاء جوي روسي مكثف. وبعد معارك وصفت بالأعنف، تمكن النظام من السيطرة على أكثر من 60% من مناطق المعارضة، ووافقت المعارضة في 15 كانون الأول/ديسمبر على خروج مقاتليها مع عوائلهم إلى ريف حلب الغربي، ولا توجد إحصائية تحدد رسميًا حجم الأعداد الخارجة من الأحياء الشرقية، إلا أنها قدرت بأكثر من 40 ألف شخص.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف وقع التغيير الديموغرافي "القسري" في سوريا؟ (1-3)

لأجل من قُتلت سوريا؟