07-ديسمبر-2018

أحمد المدير، صحفي سوداني معتقل في السعودية دون إبداء أسباب (فيسبوك)

في 23 تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم، ودّع الصحفي السوداني أحمد مدير، زملاءه في قناة المجد الفضائية، وحزم حقائبه متجهًا صوب مطار الملك خالد، على أمل أن تكتحل عيناه أخيرًا برؤية بلاده. وكان أحمد مدير قد أنهى للتو سنوات غربة مديدة في المملكة العربية السعودية، إلا أن قدرًا غير سعيدًا كانت تخبئه له الأيام، من ذات الدولة السعودية التي عمل فيها بجد وتفانٍ، فوصلت حقائبه للخرطوم ولم يصل هو.

اعتقلت السلطات السعودية الإعلامي السوداني أحمد المدير في 23 تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم، دون أن توضح أسباب اعتقاله إلى الآن

في تمام الساعة التاسعة من صباح الجمعة، 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، وقبل أن يصعد أحمد مدير إلى متن الطائرة التي كانت سوف تقله إلى بلاده، تعرض إلى الإيقاف من قبل مجموعة ترتدي الزي المدني، واقتادته بعد ذلك إلى مكان مجهول، ومن ثم انقطعت أخباره بالمرة، ما سبب حالة من القلق والخوف الشديد وسط أفراد أسرته وأصدقائه، وفشلت كل المحاولات لمعرفة أسباب ومكان احتجاز مدير، كعادة الغموض الذي يلف مصير كل من يقع تحت يد السُلطات الأمنية السعودية.

اقرأ/ي أيضًا: ناشطون سودانيون ملاحقون من السُلطات السعودية.. استبداد بالوكالة

معتقل لأسباب أمنية

"معتقل لأسباب أمنية". هذه العبارة وحدها فقط هي التي تبرعت بها سلطات مطار الملك خالد، للمتسائلين عن حقيقة ما جرى للإعلامي السوداني أحمد مدير، قبل أن تكف تمامًا بعدها عن الحديث بشأنه لأي مستفسر، وهو ما حدا بالكثيرين عن التساؤل إذ ما كان لأحمد مدير أي تقاطعات سابقة مع السلطات السعودية، لكن بعض المقربين منه نفوا تماماً لـ"ألترا صوت" أي نشاط سياسي لأحمد مدير، أو مشاكل في العمل، هذا إلى جانب ما كان يتصف به من استقامة في العمل، وبدليل تكريمه بلقب الموظف المثالي للعام 2018، أن آخر منشور كتبه على صفحته بفيسبوك امتدح فيه زملاءه.

وكان أحمد مدير من بين الذين قاتلوا في جنوب السودان إبان الحرب التي انتهت بتوقيع اتفاقية سلام عام 2005. وقد تخرج في كلية الإعلام بجامعة أم درمان الإسلامية، وعمل في بعض المواقع الحكومية. 

وارتفع صوت أحمد مدير ضمن شباب الحركة الإسلامية الذين طالبوا بالتغيير، ونشط أيضًا في مبادرة "السائحون" التي نادت بالاصلاح في الدولة والحزب الحاكم السوداني، قبل أن يهاجر إلى السعودية ملتحقًا بشبكة قنوات المجد، وهي شبكة قنوات سعودية ذات محتوى ديني. 

أسئلة مشروعة حول الصمت الرسمي

انتقد الناطق الرسمي السابق وعضو لجنة مبادرة "السائحون"، أبو بكر محمد يوسف، صمت السلطات السودانية إزاء قضية أحمد مدير، وتساءل عن قيمة الجواز السوداني إذا كان لا يحمي حامله ولا يحول بينه والاعتداء على حريته. 

وقال أبوبكر لـ"ألترا صوت"، إن "كثيرًا من الأسئلة المؤلمة والمشروعة تفرض نفسها كل ما حملت الأنباء خبر اعتقال مواطن سوداني بلا جريرة ودون إخطار حكومته"، مبديًا استغرابه من عدم تحرك السفارة السودانية في السعودية لمعرفة أسباب اعتقال مدير إلى الآن. 

وأضاف: "أكثر من أسبوعين وما يزال الإعلامي السوداني أحمد مدير معتقلًا لدى الأمن السعودي، دون أن تتحصل أسرته وأهله وأصدقاؤه علي دواعي اعتقاله".

من جانبه دفع الكاتب الصحفي محمد حامد جمعة، برسالة إلى وزير الخارجية السوداني، الدرديري محمد أحمد، وإلى نقيب الصحفيين الصادق الرزيقي، مذكرًا إياهم بما جرى للزميل أحمد مدير. وكتب جمعة على صفحته بفيسبوك: "أرجو التنبيه إلى أن هنالك صحفي سوداني اسمه أحمد مدير يعمل -أو كان يعمل- بقناة المجد السعودية، اعتُقل بواسطة السُلطات السعودية بمطار الملك خالد أثناء إجراءات عودته النهائية للسودان".

ولفت جمعة إلى أن طول مدة اعتقال أحمد مدير تُسقط أي احتمال لأن يكون السبب متعلقًا بوجود مخالفة في أنظمة الهجرة، أو أنه أوقف بغرض التسليم للسلطات السودانية لأي سبب. وأشار إلى أنه في مقابل البيان الذي أصدرته الخارجية السودانية والاتحاد المهني للصحفيين السودانيين، فإن "أدنى مرعيات الأخلاق والذوق تقول إن المدير أحق ببيان"، على حد تعبيره.

حملة تضامن واسعة

وفي هذا السياق أطلق عدد من الناشطين وأصدقاء أحمد مدير مطالب بإطلاق سراحه أو تقديمه إلى محاكمة إذا ما كان مذنبًا. وانتظمت حملة تفاعلية على مواقع التواصل الاجتماعي تناشد بوضع حد لمثل هذه المواقف المتكررة من قبل السلطات السعودية، والإفصاح عن أسباب احتجاز أحمد مدير. فغرد مدير قناة "سودانية 24" الطاهر حسن التوم، مناشدًا السلطات السعودية بتوضيح أسباب ومكان اعتقال مدير.

ليست المرة الأولى

جدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تعتقل فيها السُلطات السعودية إعلاميًا سودانيًا، ففي عام 2015 اعتقل الأمن السعودي المدون السوداني الشاب ومؤسس موقع "الراكوبة" الإلكتروني الشهير في السودان، وليد الحسين، دون توجيه تهمة محددة.

سبق للسعودية أن اعتقلت صحفيًا سودانيًا هو الصحفي وليد الحسين، والذي ظل معتقلًا أكثر من عام دون أي اتهام محدد

وقضى الحسين أكثر من عام في سجون السعودية قبل أن تطلق سراحه، وترحله. وفيما أشارت بعض التقارير وقتها إلى أن السلطات السعودية اعتقلت وليد بإيعاز من حكومة الخرطوم، لأن "الراكوبة" عُرف كموقع معارض للنظام الحاكم، نفت سفارة السودان في الرياض أي تنسيق بالخصوص، واكتفت السعودية بالصمت. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

السفير السعودي بالخرطوم.. "دبلوماسية" الغزوات على الصحافة!

شهر أسود على الصحافة السودانية.. قانون غامض وإيقافات غير مبررة