14-يناير-2017

يعد مايك فغالي من ابرز المنجمين على قنوات التلفزيون (مواقع التواصل الاجتماعي)

أعادت الألفية الثانية تشكيل مفهوم العرّافين بطريقة مختلفة. منحته صياغة تستسيغها العقول، وتألفها كأنها عمل يمتهنه من يعيش مثلنا، ويلبس مثلنا، وينصرف صباحًا إلى عمله مثلنا، لكن بقدرات وطاقات مختلفة. غير مرئية، وغير حسيّة. يخشى البعض تأويلها إلى ما ورائيات لا تدركها العقول، فيردد الآية "كذب المنجمون ولو صدقوا". العقدان الأخيران بدّلا مظهر العرّافة من بدوية موشومة الذقن مٌكحّلة العينين تُمسك اليد بإحكام لتقرأ خطوطها لقاء "إكراميّة" زهيدة جدًا، إلى "نجم" إعلامي مشهور يحقق الأرباح الطائلة من كتبه المنشورة وتوقّعاته "المتوقَّعة" أصلًا وإطلالاته التلفزيونية في شتى أنواع المناسبات. حتى أن معظمهم يحجز لنفسه فقرة يومية على إحدى القنوات الأرضية أو الفضائية لـ "يطمئن" من يطلب خدماته "عن بعد" عبر الهاتف إلى حاضره ومستقبله مع مرور سريع على ماضيه. فيعجب الكثيرون، بعضهم يصدّق ويُجهر وبعضهم الآخر ينبهر دون أن يصدّق ذلك لأن "كذب المنجمون ولو صدقوا".

يعدّ مايك فغالي أبرز المنجمين على القنوات اللبنانية المروجة للشعوذة على الهواء مباشرة

لا تُنافس التلفزيونات اللبنانية بعضها البعض في فقرات التنجيم. فلكل عراف/عرافة زبائنه الذين يقتنعون بتنبؤاته. فقلة على سبيل المثال تُنوّع بين عام وآخر، فتتبع كتاب توقعات ماغي فرح بآخر لكارمن شماس. الاستمرارية مسألة ضرورية. ليست شرطًا، ولكن "تسليم الذقن" استسلام فيه من الوفاء للعرّافين ما ينم عن غسل للعقول والإرادات أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: شاشة "ال بي سي".. آركان حرب بيار الضاهر الانعزالية

مايك فغالي، يُشكّل ظاهرةً لافتةً في عالم التنجيم منذ ما يزيد عن تسعة أعوام. الرجل ذو الملامح غير الاستثنائية، يمسح وجهه بشيء من البرودة تجعله غريبًا بين الحاضرين، دون أن يعني ذلك عدم تحكّمه بالقسمات التي مع ذلك تبدو جليدية وكأنه رجل بلا مشاعر. الصوت الذي يحادث من خلاله الرجل المتصلين الذين يسألونه عن مصائر متفرّقة في حياتهم؛ مال، علم، زواج، صحّة، إنجاب، استقرار عائلي، دعاوى قضائية ومحاكم، وأمور أخرى.. فيه من اللا مبالاة ما يُبيّن عن ثقة بما سيستحضره فغالي من مخزون جاهز غبّ الطلب ليُناسب كل متصّل. فمايك أيضًا لديه من العدّة ما يلزم لممارسة دوره باحترافية مباشرة وعلى مرأى من المشاهدين. هو لا يحتاج إلى "لابتوب" ليُراقب حركة الكواكب وتواجد القمر في بيوتات المال والحب وغيرهما، ولا يحتاج إلى أحجار يخلطها في يده ثم يرميها ليقرأ توزّعها، ولا يستخدم "الكوتشينة" وألعابها المعروفة للغاية نفسها. ما يتكّل عليه الرجل هو تلك "الوهرة" وما تتركه من تأثير على ضعفاء النفوس، والتوقعات دائمة "الصلاحيّة" والتي تنطبق على الجميع في عموميتها وخصوصيتها في آن واحد.

الغرابة المفتعلة في الفقرة التي يؤدي مايك فغالي عمله كـ "منجّم" فيها، أراد القيمون عليها مضاعفتها بعدم ذكر المتصلين أسماءهم. وكأن الاسم أو الكُنية سيؤثران أصلًا بالتوقعات، فيفرضان مستقبل دون آخر. يكفي أن ينصت مايك بكل حواسه للمتصّل ليكتشف من وهن صوته أو قوته ما سيوصّف به الشخصيّة وما سيتنبؤه من أمور شخصيّة. فغالي الذي يوجز ولا يُسهب، يُجيب باختصار على كل سؤال، ولا ينتظر ردًا من المتصل الذي ينتهي دوره بعد طرح السؤال. فقد يدحض وينفي ما قاله مايك عن ظروفه، التي يُحاول "التذاكي" في شأنها على المشاهدين بالقول: "أنهِ الأوراق اللازمة لهذا المشروع لكي تسير الأمور كما يجب"، "الجأ إلى طبيب مختص، ولا تتكل على نفسك في تطبيق ما تراه مناسبًا في نظامك الغذائي".. وهذه تفاصيل عامة، كان ربما المتصل ليؤكد عدم حاجته إليها. من هنا كان حرص الإدارة على إنهاء الاتصالات، قبل شروع مايك فغالي بـ "التنبؤ".

مايك كغيره من المنجمين يُبشّر اللبنانيين والعرب بـ "الأسوأ". في أمسية رأس السنة، وفي غيرها من البرامج والمحطات. وهو لا يتوانى عن "إفراغ" شحنات من التشاؤم عند الحديث عن اغتيالات وتفجيرات وخضات أمنية وأمراض ومصائب ستلم بالدول وبالناس وبالشخصيات المعروفة في مختلف المجالات. ليلى عبد اللطيف قد تكون من بين الأشهر في هذا المجال، فـ "التاريخ يشهد" لكمية النكد التي تخبئها بين فترة وأخرى لتطل بها وتغدقها على المشاهدين. ماغي فرح، سمير طنب، كارمن شماس، يبدو كل واحد منهم حريص على الموازنة بين البشائر والنذائر، فيسرد جملة من التوقعات فيها ما يسُرّ القلب ويدميه في الآن عينه.

بعض المتابعين للتوقّعات في تلاوتها العامة الموسميّة أم الخاصة شبه اليومية، يتعجّب لمدى متابعة المنجمين لنشرات الأخبار والتحليلات الصحفية في مختلف الميادين، لأن ما يجودون به يبدو منطقيًا باعتباره حتميّة ستصل إليها التطورات.

 

 اقرأ/ي أيضًا:

 الثأر في لبنان.. "مرحبًا" دولة

قناة "أم تي في".. اليمين المسيحي إن حكى