25-يناير-2017

جانب من مطمر الكوستابرافا في بيروت (أنور عمرو/أ.ف.ب)

لم تنته أزمة النفايات في لبنان. وليس باستطاعة حكومة العهد الجديد الاستثمار مجددًا في الخلافات القائمة حول تلزيم هذا الملف الشائك. وعلى ضوء التغيرات، فإن قرار قاضي الأمور المستعجلة في بعبدا حسن حمدان، بعدم إقفال مطمر "الكوستابرافا" إشارة واضحة إلى أن الأمور لن تذهب في المنظور القريب إلى حل دائم. ويقضي القرار باستمرار أعمال نقل النفايات إلى المطمر، إلى حين صدور القرار النهائي في الدعوى المُقامة أمامه من قبل عدد من المحامين والناشطين ضدّ الدولة اللبنانية وشركة "الجهاد للتجارة والمُقاولات" واتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، لإقفال المطمر نظرًا إلى المخاطر التي يتسبّب بها. وحُدّدت الجلسة النهائية للبت في القضية في الحادي والثلاثين من الشهر الجاري.

التمديد لمطمر الـ"كوستابرافا" يشير إلى عمق الأزمة الحكومية في لبنان والعجز عن حل أزمة النفايات

ويبدو أن الإدارات المعنية لم يحرجها طلب القضاء تقديم تقارير عن واقع المطمر وآثاره على صحة المواطنين، حيث تجاهلت وزارتا الصحة والزراعة طلب حمدان، رغم انعقاد الجلسة الأخيرة للبت بالقضية.

تأجيل القرار وعدم البت فيه، يشي بضغوط سياسية تمارس على القضاء في الوقت الراهن. وبالتالي فإن التمديد للمطمر أسبوعًا آخر، وإن كان يندرج في سياق التروي من قبل القضاء على أمل الاستناد إلى تقارير جديدة من أجل الوصول إلى قرار مناسب، لا يلغي وجود خطر حالي على الطيران المدني والمسافرين، والذي قد يتحول إلى مأساة على اللبنانيين بانتظار قرار الإقفال الأخير، بسبب المطمر الذي تتجمع فوقه الطيور مهددة سلامة الطيران في لبنان.

وتؤكد مصادر في المطار أنه لم يتم تركيب أجهزة جديدة لطرد الطيور في نطاق مدارج مطار بيروت الدولي بعد، وحاليًا يوجد 4 أجهزة موضوعة ضمن نطاق المدرج 16 فقط. هذه الأجهزة الأربعة قديمة، وترتكز على بثّ أصوات منفّرة للطيور. وبمعنى آخر، إنّ الأجهزة التي قالت اللجنة الوزارية، المتابعة للملف، إنه سيتم تجهيز المطار بها لمواجهة أزمة تجمّع طيور النورس، لم يتم تركيبها بعد.

اقرأ/ي أيضًا: جمهورية عصابات بريتال.. ما أبعد الدولة اللبنانية!

وكان وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فينيانوس قد قال إن الأجهزة المذكورة "هي الآن قيد التجربة وهي هبة مقدمة إلى وزارة الداخلية وعددها 16 جهازًا". حينها لفت فينيانوس إلى أنه في حال أعطت هذه الأجهزة الفعالية الكاملة سيتم الإعلان عنها للرأي العام، مُشيرًا إلى أنه سيُصبح بذلك عددها (الأجهزة) عشرين جهازًا، وأن رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري "أعطى توجيهاته إلى الهيئة العليا للإغاثة لتأمين الاعتمادات اللازمة لشراء الأجهزة المختصة لإبعاد الطيور من محيط المطار".

قرار القاضي حمدان بالتمديد، جاء بعد إرسال وزارة الصحة، تقريرًا مُصغّرًا حول النتائج الصحية جرّاء المطامر غير المُطابقة للمواصفات وتأثيرها على الإنسان والحيوان والبيئة، لكنها أيضًا أوضحت في رسالتها أنها غير معنية إداريًا بالعقد الذي جرى توقيعه مع ملتزم أعمال المطمر (شركة جهاد العرب) وبالتالي لا يُمكنها الإفادة حول مدى التزام المتعهد بالشروط التي يفرضها العقد، مُشيرة إلى أن القوانين المرعية الإجراء ربطت موضوع إدارة النفايات والترخيص للمطامر بوزارتَي الداخلية والبلديات.

وفي خطوة ثانية، أرسل وزير البيئة طارق الخطيب، إلى كل من وزارة الأشغال العامة، والمديرية العامة للطيران المدني ومجلس الإنماء والإعمار، دراسة أعدها المتخصص في الطيور البرية وبيئتها الدكتور غسان جرادي، حول كيفية التخلص من الطيور في محيط مطار بيروت الدولي، وسبل إبعادها عن حركته عن طريق الأصوات المنفرة، ومدى تأثيرها على المطار. ودعا الخطيب إلى اعتماد الدراسة كمرجع أساسي للمحافظة على سلامة الطيران المدني، كما طلب جرادي من المسؤولين في المطار أن يكون لديهم برنامج للتحكم بالطيور ومراقبتها ليلًا ونهارًا. ما يظهر أن الحكومة لا تزال تتعامل مع وجود المطمر وطيور النورس التي يجلبها على أنه أمر واقع يجب التعايش معه بمعزل عن خيار إزالة المطمر نهائيًا، وهذا ما يؤكده قرار القاضي بالتمديد. 

يشكل المطمر خطورة على حركة الطيران المدني في لبنان بسبب تجمع طيور النورس وقلة تجهيزات مدارج المطار لإبعاد الطيور

وكان مُقرر أن يُقفل المطمر، بصورة كليّة بجميع أعماله إلى حين الفصل النهائي في الدعوى الحاضرة، وفق ما ورد في نص القرار القضائي الصادر عن القاضي حمدان الأسبوع الماضي. حينها قضى القرار بإعادة نقل النفايات إلى المطمر مؤقتًا "لغاية الساعة الثانية عشرة ظهرًا من يوم الثلاثاء". الفتح المؤقت جاء بعدما تقدّم اتحاد بلديات الضاحية بطلب لدى القاضي يشكو فيه تكدّس النفايات في الشوارع نتيجة إقفال المطمر في الثاني عشر من الشهر الحالي.

وللتذكير، فإنّ رؤية وزارة البيئة الجديدة حول الآلية الواجب اتباعها لمعالجة أزمة النفايات وإدارتها لم تتضّح بعد في ظلّ انعزال وزير البيئة طارق الخطيب، وتمنّعه عن الإدلاء بأي مُستجد أو مبحث يتعلّق بالملف. من هنا، يجد بعض المُتابعين في قرار الإبقاء على فتح مطمر الكوستابرافا واستمرار عمليات نقل النفايات مؤقتًا لمدة 7 أيام إضافية أُخرى، فُرصة تُجنّب شوارع ضاحية بيروت الجنوبية والشويفات وعرمون وبشامون والحدث وقسم من بيروت الإدارية، تكدّس نحو 1500 طن من النفايات التي ستتقاسمها هذه الشوارع.

وكان القاضي حمدان قد أوضح أن وزارة البيئة وحدها التي تجاوبت مع المحكمة وأعدّت "تقريرًا ينطوي على جديّة تقنيّة، يبقى تبنّي موقفه من عدمه، موقوفًا على الحكم النهائي"، في حين "جاء جواب مديرية الطيران المدني غير معزّز بأي دراسة علمية أو معاينة فعلية على الأرض". فهل يكون التمديد لأعمال المطمر خطوة تمهيدية للإيقاء عليه، وبالتالي بعدم وجود أي خطة بديلة لدى الحكومة الجديدة ووزارة البيئة في تحمل مسؤولياتها لحل مشكلة النفايات وتكدسها؟.

اقرأ/ي أيضًا:

حراك لبنان.. كثرة حركة بلا بركة

بيروت إذ خلعت رداء الطوائف