23-أبريل-2021

تفاصيل جديدة كشفها التلفزيون العربي بشأن اغتيال ريجيني (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

أعاد برنامج "شيفرة" الذي يبثُّ على شاشة التلفزيون العربي، خلال حلقته الجديدة أمس الخميس، نبش خبايا قضية اختطاف وقتل الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، بمصر سنة 2016. تحقيق أماط اللثام عن مستجدات تكرس إدانة جهاز المخابرات العامة المصري في الجريمة، وتكشف عن تورُّط جهاز المخابرات العكسرية هو الآخر في احتجاز وتعذيب الضحيَّة داخل منشأة تابعة له.

أعاد برنامج "شيفرة" الذي يبثُّ على شاشة التلفزيون العربي، خلال حلقته الجديدة أمس الخميس، نبش خبايا قضية اختطاف وقتل الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، بمصر سنة 2016

هذا ما أكَّدته شهاداتان جديدتان توصَّل لهما حصرًا فريق تحقيق القناة، "مفادهما أن ريجيني قد تعرض للاحتجاز والاستجواب والتعذيب في مقرّ تابع للمخابرات الحربية المصرية يومي 28 و29 من يناير عام 2016"، حيث أن "فريق التحقيق في التلفزيون العربي وثّق الشهادتين وتحقّق من صحتهما بالتعاون مع محامية عائلة ريجيني، ألسندرا باليرينيو، ومساعد مكتب المدعي العام الإيطالي، سيرجيو كولايوكو"، حسب ما ذكر التلفزيون.

اقرأ/ي أيضًا: تسعة أيام في القاهرة.. التلفزيون العربي يكشف تفاصيل جديدة عن مقتل جوليو ريجيني

تخبُّط وفبركة لطمس معالم الجريمة

يبدأ الخط الزمني للتحقيق الصحفي، والذي عُنون بـ "جوليو  ريجيني.. الحقائق المدفونة"، من لحظة وصول السفير الإيطالي ماوريتزيو ماساري إلى المشرحة التي يقبع فيها جثمان الباحث الإيطالي، وليكتشف كمَّ التعذيب الذي خسر إثره ريجيني حياته. تعذيب يؤكِّده الطب الشرعي الإيطالي في تقريره، إذ يشير إلى أن ريجيني تعرَّض لضرب "سادي" دام عدة أيام، استعملت فيه وسائل عديدة و"مات أخيرًا عندما كُسرت رقبته"، قبلَ أن يخلص إلى أن من تولى القيام به كان جلادًا ذا "خبرة كبيرة في هذا المجال".

الجملة الأخيرة من التقرير الطبي المذكور كانت بمثابة إشارة بدئيَّة لتورط الأمن المصري في مقتلِ الضحيَّة، هذا ما حاولت القاهرة طمسه جاهدة، نافية منذ الأيام الأولى التي أعقبت العثور على الجثَّة أي علاقة لها بما حصل، متخبِّطة في تفسيره بين ثلاث روايات؛ أولاها أن رجيني راح ضحيَّة ممارسة الدعارة، بحجَّة العثور عليه شبه عاري على مقربة من منطقة معروفة بهذا النشاط. وما لبثت أن غيَّرت فرق البحث المصريَّة أقوالها، بأن الأمر متعلِّق بحادث سير مميت. لتركن ثالثًا إلى اتهام شبكة إجرامية مزعومة، متخصصة في سرقة الأجانب، سرعان ما تمت تصفيتها بعد ذلك بقتل كلِّ أفرادها الذين كانوا خمسة.

حسبب المدَّعي العام الإيطالي، سيرجيو كولايوكو، فإن "جهات البحث المصريَّة قد عملت على تشتيت المحققين الإيطاليين منذ اللحظة الأولى، وذلك بتقديمها مزاعم مختلفة لمقتل الباحث الإيطالي". مزاعم فنَّدها ذات الادعاء تباعًا، كاشفًا في ما يخصُّ الرواية الأولى استنادها على شهادة كاذبة قدَّمها عبد الله، نقابي الباعة المتجولين، بإيعاز من ضابط أمن بأنه سبق لريجيني وأن سأل الشاهد عن "طريقة التعامل مع المرأة المصريَّة". أما الرواية الثانية، فقد بينت الخبرة الطبيَّة الجنائية الإيطالية التي أجريت على الجثَّة بأن سبب الوفاة لم يكن حادث سير. وفي الرواية الثالثة، ينتهي البحث الإيطالي، عبر تتبع وتحليل بيانات هواتف من زُعم أنهم أفراد العصابة الخمسة، إلى أنهم لم يتصلوا ببعضهم قبل اليوم الذي تمَّت تصفيتهم فيه، كما أن مستخدمي تلك الهواتف لم يسبق لهم التواجد في المكان الذي وجدت فيه جثة ريجيني، قبل أن يخلص إلى "فبركة" الأمن المصري للملف.

كل هذا كان بغرض "التمويه والتشتيت لكي لا يتمكَّن الجانب الإيطالي من مواصلة التحقيقات، أو التعمق في تفاصيل جريمة القتل وأسبابها"، يستقي "شيفرة" التلفزيون العربي الحديث من جيرمانو بيتران، البرلماني الإيطالي وعضو لجنة التحقيق البرلمانية. كما ينقل كذلك على لسان الصحفيَّة المصريَّة الوحيدة التي قابلت أقارب من زعمت القاهرة بأنهم عصابة إجرامية، أن ابن أحدهم، وأثناء معاينته لجثَّة أبيه المخرَّقة بوابل من الرصاص، اكتشف حزًا في معصميه أشبه بـ "حزِّ الكَلبشات".

تورط الأمن الوطني المصري

فنَّد المحققون الإيطاليون ادعاء أجهزة الأمن بالقاهرة بعدم تعقبها ريجيني قبل اختفائه، مؤكدة أن مواطنها كان محطَّ مراقبة لصيقة من ضابط الأمن الوطني المصري منذ خريف 2015، قبل أن يتلقفه يوم 25 كانون الثاني/ يناير 2016 بمحطة ميترو أنفاق حي الدقِّي، ويقتاده إلى قسم شرطة ذات الحي، ثم نقله منه إلى مقر الأمن الوطني الواقع بحي لاذغلي. هنا يورد التحقيق الإيطالي أربع شهادات تحكي عن تواجد ريجيني بذلك المقر: دلتا، إبسيلون، غاما وبيتا، كما سماها حفاظًا على سريَّة هويَّتها.

توضِّح شهادتا كل من دلتا وإبسيلون هويَّة الجهاز الذي تعامل مع ريجيني خلال احتجاز الباحث الإيطالي هناك. حيث يقر دلتا في شهادته بتواجد الباحث الإيطالي بمقر الأمن الوطني، جهاز المخابرات الداخليَّة المصري الذي حلَّ محل أمن الدولة بعد مطالبات حلِّه خلال ثورة يناير، حيث جرٍّد من هاتفه ولم تتم الاستجابة لطلباته بتوكيل محامي. أما في شهادة إبسيلون، فقد أدخل الضحيَّة المكتبَ رقم 13 والمخصص للتحقيق مع الأجانب المشتبه في تآمرهم على أمن الدولة، هناك شاهده كذالك مكبَّلا بسلاسل ومصفد اليدين، ممددًا على الأرض عاريًا وعلى ظهره بادية علامات التعذيب، يهذي بكلمات إيطاليَّة. 

في كانون الأول/ ديسمبر 2018، أدرجت النيابة الإيطالية رسميًا خمسة متَّهمين في قضية خطف وتعذيب واعتقال ريجيني. خمسة ضبَّاط من الجهاز المذكور. هنا يعرض فريق التفزيون العربي الاستجواب الذي أجرته نيابة روما، بالاشتراك مع النيابة العامة المصرية، مع اثنين من هؤلاء المتَّهمين وهما؛ اللواء طارق صابر والضابط شريف مجدي إبراهيم، الذين تولّيا مهمة تتبعه. أنكر الضابط شريف إبراهيم  إجراءه أي تحقيق مع الباحث الإيطالي مقرًّا بأن كل المعلومات كانت تأتيه من نقيب الباعة المتجوِّلين، محمد عبد الله، وأنه تأكد بعد ذلك بعدم ضلوع  ريجيني في أي نشاط سلبي من جانب الإيطالي. فيما نفى اللواء طارق صابر أن يكون قد أوكل مهمة التتبع تلك لغير الضابط شريف إبراهيم، الذي أكَّد له في "مذكِّرة غير رسميَّة" بعدم صحة ما نسب لرجيني من ادعاءات النقيب المذكور.

شهادتان جديدتان، وجهاز آخر متورِّط

أوصل العمل على التحقيق فريق التلفزيون العربي إلى اكتشافات جديدة، تعزز مسار إماطة الغموض عن جريمة قتل الباحث الإيطالي. شاهدان جديدان وصل لهما فريق شيفرة، يقدِّمان رواية جديدة تفيد بتعذيب واستنطاق ريجيني بمركز احتجاز تابع لجهار المخابرات العسكرية بحي مدينة نصر القاهري، يومي 28 و29 من كانون الثاني/ يناير 2016. شاهدان، وللحفاظ على سريَّة هوياتهما أطلق عليهما اسمي؛ شهين والطبيب.

بالنسبة للشاهد الأول، شهين، والذي كان تزامن اعتقاله بذات المركز الذي احتجز ريجيني داخله، يحكي أنه شاهد ريجيني مقتادًا إلى التحقيق مكبلًا بالسلاسل وعليه آثار التعذيب، ثم سمع صراخه أثناء جلسات الاستنطاق تلك التي كانت تقع مباشرة خلف زنزانته، وعرف أنه جوليو ريجيني انطلاقًا من إجابته على سؤال الضابط، كما نداءات الضابط له باسمه:" يا جوليو! يا رجيني!". ويضيف شهين في حديثه للتلفزيون العربي، أنه سمع الضابط يقول له: "إيطاليا لن تنفعك في شيء، وأنت هنا لن يعرف حتى الجن الأزرق بمكانك". مؤكدًا أنهم استخدموا معه شتى أساليب التعذيب البدني والنفسي، من الصعق بالكهرباء إلى الترهيب بالكلاب، وكان يعود من تلك الجلسات غير قادر على الحركة أو المشي، قبل أن يختفي في اليوم الثاني للتحقيق. وشدد الشاهد المذكور أنهم كانو محتجزين في سجن سري، وأغلب المعتقلين فيه كانوا مختفين قسريًا.

"لم يكن من السهل تدقيق الشهادتين" يعترف فريق التلفزيون العربي، لهذا الغرض طلب تعاون في المهمة من محامية أسرة ريجيني، أليساندرا باليرينيو، التي أكَّدت صدق الشهادتين قائلة: "لدي خبرة طويلة في هذه المهنة، منها خمس سنوات في قضيَّة جوليو، واستمعت للكثير من الشهادات التي خوَّلت لي التمييز بين الصدق والكذب، في هذه الحالة ظهر لي أنهما صادقان". وتضيف: "حتى في إجابتهما حول أسئلة محدَّدة التمست صدقهما، ولم يكن هناك أي تناقض في حديثهما، المعلومات كانت متطابقة وذات مصداقية. وحتى عندما سألتهما أسئلة محدَّدة أعرف مسبقًا إجابتها، كانا يجيبان بشكل صائب أو ينفيان معرفة الجواب، لكن لم تكن من قبلهما أي إرادة لإرضاء أسئلتي أو ليِّ لإجابتهما". كما قدَّمت هاتين الشهادتين الجديدتين وصفًا للضباط القائمين على المعتقل السري للمخابرات العسكريَّة، استطاع فريق التحقيق الصحفي بمساعدة رسام جنائي، من رسم بورتريهات تقريبيَّة لهما.

تطابقت الشهادتان اللتان تحصَّل عليهما فريق تحقيق التلفزيون العربي وما كشفه سابقًا تقرير The Times  البريطانية، الذي تحدَّث عن تسريب جهة مصرية لبعض أطوار تعديب ومقتل جوليو  ريجيني، وأن وفاته جاءت إثر تنافس بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتيَّة، مشيرًا إلى أن المخابرات العسكرية هي التي قامت بتعذيب ريجيني لكشف صلاته بالنشطاء والنقابات. ويتوافق مع ما نشرته  La Republica الإيطالية عن توصُّل سفارة بلادها في سويسرا برسالة من مجهول، يزعم فيها توفُّره على معلومات تؤكد أن ريجيني حتى يوم 27 كانون الثاني/ يناير كان بمقر الأمن الوطني، لينقل في الـ 28 من نفس الشهر إلى مبنى تابع  للاستخبارات العسكرية. الأمر الذي أكَّده لفريق تحقيق التلفزيون العربي "مصدر قضائي رفيع المستوى"، ولم تعتمد تلك الوثيقة من قبل المدعي العام في روما لعدم معرفة هويَّة مرسِلها.

إثر تدقيق هاتين الشهادتين الجديدتين، قامت محاميَّة عائلة ريجيني بعرضها على المدَّعي العام، الذي استدعى فريق التلفزيون العربي إلى اللقاء معه، قبل أن يعلن على تقديمه ثلاثة شهود جدد في القضية

إثر تدقيق هاتين الشهادتين الجديدتين، قامت محاميَّة عائلة ريجيني بعرضها على المدَّعي العام، الذي استدعى فريق التلفزيون العربي إلى اللقاء معه، قبل أن يعلن على تقديمه ثلاثة شهود جدد في القضية، من بينهم الشاهدان اللذان تقدّم التلفزيون العربي بهما. وفي ردود عن الحدث، علَّق رئيس البرلمان الإيطالي، روبرتو فيكو، قائلًا: "من الواضح أنه إذا تم تسليم وثيقة أخرى فهذا يزيد إثبات ما نعتقد أنه قد حدث على الأرجح، وبالتأكيد هذا ما أدخله المدعي العام في روما في السجل قيد التحقيق مع بعض مسؤولي الأمن القومي، فهذا موضع ترحيب لأنه يعني أننا أقرب إلى إلقاء الضوء الكامل والحقيقة الكاملة، وهو ما نريده تماما في إيطاليا، دولةً ومواطنين". فيما نشرت أسرة جوليو ريجيني بيانًا للرأي العام، تعتبر فيه ما حدث يجدد الأمل في تحقيق العدالة لابنها، وداعية كلَّ من له علم بمعلومات أخرى عن القضية أن يتقدَّم بشهادته كذلك متعهدين بحماية سريَّته وضمان أمنه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 "جوليو ريجيني"..كيف ظهرت الحقيبة؟